«البنك» يسحب أرصدة المتصوفة: مثقفون يعلقون على أزمة مستريح أسوان
أزمة كبيرة يعيشها الجنوب بعد أزمة المستريح مصطفى البنك، فلكي يصل إلى هؤلاء البسطاء كانت للمستريح خطة محكمة استخدم فيها آل البيت والشيوخ ومقامات الأولياء والآيات التي تحث على أن الرزق من الله والاكسسوارات الصغيرة التي تجعله تقيًا نقيًا في عيون الغلابة.
قناعة الشيوخ والخطباء بتلبية الحضور لدى مصطفى البنك جعل الكثير من أهل البلد البسطاء يثقون فيه، وقوله أنه ابن الست – دلالة على السيدة زينب رضي الله عنها- جعل كفته تترجع لدى محبوها، لأن مديح الشيخ الدشناوي في سيدنا رسول الله جعل الكثيرين يلخصون الأمر في أنه شخص مقرب جدا، وإلا لما سمح له النبي صلى الله عليه وسلم بمديحه، بالضبط كما يضع البسطاء قارئ القرآن في مرتبة الشيوخ وحفظة الكتاب والصحابة أنفسهم في قارب واحد، ويدافعون ولا يقبلون الخطأ فيه لأنه وببساطة يحفظ كتاب الله.
نفس المنهج الإخواني في اللعب على وتيرة الدين لدى الشخص البسيط، ولان هذا الشخص البسيط يمثل تيارا كبيرا للجماعة الشعبية..
مصطفى البنك التقط له صورا مع شيخ الطريقة الإدريسية وشيخ العصبة الهاشمية وغيرها، وكل هذه الأمور لها تأثير على العامة من البسطاء الذين تمنحهم الصور مع هؤلاء يقينا ان هذا رجل صالح له ما للصالحين لأنه بهذا استحق الدعم الروحي من كل الناس..
للحديث عن هذه الأمور وعن من له الدور المنوط في حفظ هؤلاء من مثل هذه الإخطار توجهت "الدستور" للمثقفين من الجنوب وكانت إجاباتهم كالتالي..
الروائي أحمد أبو خنيجر.. "رزق النصاب على الطماع"
أما الروائي والباحث في التراث الشعبي أحمد ابو خنيجر فقال:" المستريح مصطفى البنك كان يستخدم التدين الشعبي كأحد وسائل النصب، وهذا شئ من مستلزمات النصب للنصاب، الشيخ الدشناوي قدم ليلة وقبض ثمنها، والمشايخ ليسوا بالضرورة متصوفين، هم محبين ولكن ليس بمعنى التصوف فلا أقول عن المداح الكبير "أبو برين" انه شيخ وأنه ولي، هو يحب آل البيت ولكن ليس لهذا علاقة بالتصوف، التصوف تربية ومجاهدة ومذاكرة وأوراد، وهؤلاء مطربون يتكسبون من عملهم، ولا يصح ان يحملوا شئ.
"الريان" مثلا كان متدينا، واستخدم الدين كغطاء للنصب، الدين يتم استخدامه وهو واحد من الوسائل التي تجعل الناس مطمئنة تجاه النصاب.
واضاف:" هنا لا يوجد إيمان وإنما طمع، ما هو الدين الذي يبيح لك ان تدفع اليوم جنيها وتأخذه بعد غد 3 جنيهات، الدين والإيمان والغيب مسألة بعيدة ولكنه واحد من تظبيط الصورة التي يحتاجها المستريح.
وواصل:" يقول المثل "النصاب رزقه على الطماع"، وكل ما يفعله هو أنه يغمي عينيك عما تملك ويصور لك ما ستكسبه وليس ما في يدك من الاساس، انت ترى ما سوف يمنحه لك وليس ما تملك، فكرة النصاب انه يعمي عينيك عن الأصول التي تمتلكها ومن وسائله استخدام فكرة التدين الشعبي وانه محمي ومحروس وغيرها.
وأكمل:" المتصوفين نفسهم ان شاركوا فمن قبيل الطمع، هذا ربا والتناقض هنا ليس له علاقة بالتدين، من يلوم على من، المضحوك عليهم يريدون سببًا لان هذا جزء من الحيل الدفاعية التي يقوم بها البشر، ولكن اين العقول؟، والضحية هنا لكي يقدر على العيش والمواجهة وسط ناس بلادنا في الفضائح التي حدثت للناس فإنه يحاول البحث عن مبرر من قبيل" الشيخ قال لي أو رأي الشيخ عنده"، كلها مبررات يدافع بها عن نفسه وسط الجماعة الشعبية، خاصة وان هناك الكثيرين ظهروا يمتلكون أصول مواشي وغيرها، وهنا يحتاجون لرد صورتهم عند الناس الذين يعيشون بينهم فيرمون الامر على عاتق آخر، هناك فكرة لدى المصريين مستقرة في وجدانهم وهي فكرة الثراء السريه خاصة والفقر الذي نحن فيه وكيف تنمي ثروتك الصغيرة في اسرع وقت، ومهم لو بحثت ووجدت تماثيل فرعونية أو حقيبة مليئة بالنقود، او قطعة ذهب وانت تحفر في بيتكم، وهذا موجود في الحكاية الشعبية ولكن الحكاية الشعبية لا تمنح هذا إلا للأبطال ولكنها منحته للأبطال كأنه مكافأة ونهاية جهد، فتهبط عليه ثروة في آخر الحكاية، وبسبب ميراث القهر تعلقوا بالجزء الأخير من الحكاية بعيدًا عن الحكاية نفسها، التعلق بالنتيجة وليس بالطريق.
واختتم:" المستريح قام بعمل شئ لطيف وهي انه كشف الجميع لبعضهم، الكثير كانوا في عين البعض غلابة، وفوجئ الجميع أنهم اغنياء ويمنحونه ملايين، الفكرة ان هذا الرجل كشف الجميع لبعضهم، وهذا كشف مهم لكي تعيد الجماعة الشعبية نظرها في بعضها.
محمد المتيم:"المستريح استخدم التدين الشعبي ليواجه عقول الناس
بدوره قال الشاعر محمد المتيم:" يُروى أن الصحابي عمرو بن العاص قبل إسلامه –وكان من دواهي العرب ذكاءً- التقى مسيلمة الكذّاب الذي ادّعى النبوة، وربما كان قد ذهب إليه ليعقد صفقة سياسية بين قريش وبين مسيلمة، فطلب منه أن يسمع قرآنه الخاص، فهرف مسيلمة ببعض العبارات المسجوعة "الفيل، وما أدراك ما الفيل، له ذيلٌ قصير، وخرطومٌ طويل"! لكن آيات مسيلمة السخيفة لا ينطلي اختلاقُها وتنافُرُها مع الوحي على عبقري مثل عمرو بن العاص، فقال عمرو: "والله يا مسيلمة إنك تعلم أنّي أعلم أنّك كذّاب"، ومع هذا، مع علمِه اليقينيّ بكذب مسيلمة المحتال، كان مضطراً للاصطفاف معه ما دامت المصلحة تقود إلى هذا الاتجاه!
وأضاف:" كان الرأي العام في محافظات (أسوان – الأقصر – قنا) على يقين راسخ من أن مصطفى البنك "نصّاب" أو مشبوه على أقل تقدير، لكن مشاهدة ملايين الجنيهات متراصةً فوق بعضها في فيديوهات بث مباشر على طاولة "البنك"؛ كانت كفيلةً بأن يسيل لها لُعاب ضعاف النفوس من تجار المواشي والمزارعين!
وتابع:" بفطنة المحتال، كان البنك يُدرك الحرج الاجتماعي الذي سيقع فيه من سيتعاملون معه، خصوصاً في بيئة شديدة الانفتاح على بعضها، وليس شيءٌ أكثر قداسةً فيها من فكرة "السُّمعة"، فاختلق قصةً تلعب على الوتر الحسّاس في هذه البيئة، قصة أنه ممدودٌ من السيدة زينب رضي الله عنها، حاشاها من ذاك!
وأكد:" إذن فالـ"بنك" بهذه القصة لم يكن يقصد الترويج لنفسه وتحصين ألاعيبه معنوياً، فالأموال كفيلة بالترويج لنفسها، وطموحات الثراء السريع تسرَّبت إلى أقصى النجوع والقرى، لكنه كان يعرف العقبات الشعورية التي ستواجه من يقررون التعامل معه، فقرَّرَ تذليلها أمامهم، ولو بقصة مختلقة، يعلمون في قرارة أنفسهم أنها مختلقة، لكنها تصلح "شمّاعةً" مؤقتة في مجتمع سريع النسيان.
وواصل:" في الصعيد الأعلى يتمتع آل البيت والصالحون بنفوذ روحي كبير، يحقق لهم احتراماً بين الجماعة البشرية هناك، لكن هذا انبنى عبر عشرات السنين، فليس من السهل على الناس التصديق في "بنك" وهمي، لمجرد أنه قال كيت وكيت! من باب أولى كان لهذا الفضل والخير العميم أن يتأتَّى عبر بيت من البيوتات العريقة في الصعيد كالرضوانية أو الجيلانية أو آل الطيب أو الأدارسة، لكن هذا لم يحصل، و"البنك" لم يحظَ بحفاوة على الإطلاق –رغم ترّهاته عن المدد- بين الجماعة الصوفية في محيطه الجغرافي، تبقّى فقط الذين لهم رغبة في التعامل معه، وكان عليهم الترويج لبركاته قدر استطاعتهم في كل مجلس، حمايةً لموقفهم الحرج لا للـ"بنك" نفسه.
واستطرد:" ورغم تحريم شيوخ الدين في هذه البقعة الجغرافية التعاملَ معه، ومع الإيمان الدفين عند المتعاملين معه بأنه "محتال"، فإن الظرف المادي الضاغط والأزمات الاقتصادية المتلاحقة كان تدفع أكثر المتعاملين جرأةً ليقول "نعرف أنه شمال.. لكن إن خرب بيت أبوك الحقلك قالب"!
واختتم:" إذا كان البنك يزور المقامات، فليس هذا مما يجمّل صورته في النفوس هناك، فأبواب المقامات مشرعة للفجار والأبرار، وهذا معروف في سياق البيئة الصعيدية، فلا يسحبون زيارات "مسجّل خطر" للمقامات على سلوكه اليومي، وإن كان البنك -على طريقة نبلاء الصعاليك- يصطنع مواقف نبيلة مع أرملة تريد تزويج ابنتها، ليستمد شرعية أخلاقية في النفوس، ويقيم ليالي المديح -وتُذبح العجول في الولائم- باستضافة مشاهير المداحين، فمع كل هذه الحيل المكرورة في سياقات "النصب"؛ فالمسؤول الأول والأخير هو الطامع أن "الحدّاية بتحدّف كتاكيت".
الضوي محمد الضوي.. هناك مؤسسات منوط بها التدخل
الشاعر د.الضوي محمد الضوي بدوره قال:" هناك مؤسسات منوط بها أن تتدخل وهي وزارة الاوقاف وهيئات الأزهر الشريف، والعبء الأقل يقع على وزارة الثقافة، ذلك لأن المكون الديني ضمن عدد من المكونات يشكل الثقافة، وزارة الثقافة معنية بالمكون الديني المصري ضمن عدة مكونات تشكل الثقافة، أما التوجيه لما هو صحيح من الدين وما هو غير صحيح، مسؤولية الأزهر ووزارة الأوقاف، بدعاتها ووعاظها، ومنابرها، أين كان الدعاة من هذا الأمر في الأماكن التي حدثت فيها عملية النصب هذه، والأزهر وهو المؤسسة الدينية الرسمية، ومن بعده وزارة الأوقاف، وتوجههم المعلوم توجه سني أشعري، يقدر التصوف، ويمتلك أرضية علمية رصينة عنه، فكان أولى بأولئك الدعاة في أماكنهم أن يرفعوا تقارير لمدرائهم تفيد بحدوث أمر كهذا يتستر فيه النصاب تحت ستر التصوف، ليتم توجيههم إلى توضيح أن هذه معاملات مشبوهة وأن ما يتستر فيه هذا الرجل ليس صحيح التصوف، فوزير الأوقاف ليست مهمته توحيد الخطب في المساجد، ولا منع الاعتكاف من عدمه، بل هذه هي مهمته ومهمة وزارته الأساسية، توظيف الدعوة لصالح ما يشغل الناس ويمس حياتهم اليومية، والداعية يجب أن يتجاوب مع القضايا التي تتطلبها المرحلة.
أضاف الضوي:" لا أعرف لماذا لم يخرج أحد الدعاة ليقول للناس إن أمين الدشناوي أو ياسين التهامي ليسوا بشيوخ، أم كلثوم حين تغني قصيدة ولد الهدى تصير شيخة؟! المنشد مؤدي، وليس داعية، ويجب ألا يأخذ منه الناس دينهم ولا فتاواهم، وتزكية الدشناوي للمستريح أو اجتماعه معه في صورة، لا يجعل المستريح رجلا مقدسا، وأنشطته مشروعة، كان هذا واجب الدعاة في المناطق التي نصب فيها المستريح على الناس".