قبلة الحياة من الرئيس لسنابل الخير فى توشكى
ماأجمل التفاؤل الذي يعطي للإنسان شحنة هائلة من الطاقة الإيجابية؛ تلك الطاقة التي تجعله يعيش دنيا الأحلام بعيونٍ يقِظة مستوعبة لسلبيات الماضي؛ ومفتوحة على وقائع الحاضر؛ ومتطلعة لاستشراف المستقبل المزدهر لصالح البشر على أرض الوطن .
ويقينًا لن يأتي هذا التفاؤل المصحوب بشحنة الطاقة الإيجابية بمجرد الاستسلام والركون إلى التواكل؛ دون اللجوء إلى ما منحه الله لعقولنا من ضرورة الأخذ بأسباب العلم والمعرفة والدراسة؛ وهو ـ سبحانه وتعالى ـ الذي أمرنا بالتدبُّر حين قال : "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا "؛ دونما انتظار لمن يفسِّـر لنا أضغاث الأحلام والتنبوء بالغيبيات؛ مثلما أخبرنا قصَصْ القرآن الكريم عن زمن وجود الفتي الجميل الصدِّيق "يوسف" بين القضبان في سجن "عزيز مصر" ؛ حيث تقول الآية الكريمة: "وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّىٓ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَٰتٍۢ سِمَانٍۢ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضْرٍۢ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٍۢ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى رُءْيَٰىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ . (يوسف 43).
ونحن نرى الآن وبالجهود العلمية المخلصة ـ بعيدًا عن التخمين والتنجيم وتفسير الأحلام والتأويل ـ استطاعة العلماء دراسة كل الظواهر الطبيعية في هذه المنطقة من العالم؛ ومعرفة مدى تأثيرها على المجتمعات ومتطلبات الحياة فيها؛ ينضاف إليها خبرات أقدم فلاح في التاريخ؛ وهو الفلاح المصري الذي استطاع ــ بالفطرة ــ ترويض النهر في عنفوانه؛ وتحديد الخطوط العريضة للسنة الزراعية؛ مستعينًا بأدواته البدائية: الطنبور، والشادوف، والمحراث، والساقية ، والنورج، والمدراه ؛ وبكل تلك الخبرات المصرية المُكتسبة عبر "التاريخ" نجح الفلاح في إخضاع " التضاريس والجغرافيا" واستغلال عبقرية المكان في زراعة مفيض توشكى جنوب وادينا الأخضر الخصيب؛ وتكلأنا رعاية الله وعنايته؛ ليمنح أعواد السنبلات الاخضرار والنماء؛ وليجعل "... فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ..." ( البقرة 261) .
وفي يوم لا ننساه ذات صباح يوم جميل في مفيض توشكى .. وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ ليشهد بداية موسم الحصاد لحقول سنبلات "الحنطة" الممتدة على "مدد الشوف"؛ ولكنه ـ في الحقيقة ـ لم يكن يشهد حصاد "السنبلات الخُضر" فقط؛ ولكنه كان يشهد حصاد ثمار ما يقارب عشر سنوات من الجهد والعرق والدموع .. والدم ! من أجل تحقيق طفرة بإنشاء مجتمعات زراعية متكاملة ذات مردود وعوائد كبيرة؛ فضلاً عن توفير الآلاف من فرص العمل في ظل نهضة اقتصادية شاملة؛ ومع تلك النهضة التنموية؛ يتم تحقيق ما تصبو إليه القيادة الوطنية من الرفاهية للشعب المصري الأمين؛ وليضمن "رغيف الخبز" الذي يُعد رمزًا رائعًا لاستمرارية الحياة الكريمة على أرض مصر؛ حتى لو كان مغموسًا بالملح !!
إن مشروع "توشكى" رغم تعثره وتوقف العمل به في حقبة الحُكم في السنوات الماضية؛ أعادت القيادة الوطنية بالجمهورية الجديدة إكسير الحياة له من جديد؛ حتى أصبح الآن من المشروعات الكبرى فى قطاع الاستصلاح الزراعي على خريطة الشرق الأوسط؛ وأحد أهم المشروعات القومية العملاقة التي نجحت الدولة ــ بتوجيهات الرئيس السيسي ــ في إعادة الحياة لها بحل كل المشاكل التي كانت تعوق المشروع عن تحقيق مستهدفاته، وبعين الرعاية نفسها من الرئيس؛ تم توفير جميع المقومات اللازمة لنجاحه واستمرارية الاخضرار والنماء على أرضه، وهو الأمر الذي تطلب القيام بحجم أعمال هائل في كافة جوانب ومكونات المشروع للنهوض به سواء على الجانب الإنشائي باستكمال البنية الأساسية، أو ما يتعلق بتوفير مياه الري ومصادر الطاقة، والعمل الجاد على إنشاء المحاور لربط المشروع بشبكة الطرق القومية، وتوفير الموارد المالية لكل تلك العناصر.
إن " قُبْلة الحياة " تم منحها من الرئيس عبد الفتاح السيسي مجددا لمشروع مفيض توشكى؛ لكي يخلق دلتا جديدة جنوب الصحراء الغربية موازية للنيل؛ من أجل إضافة مساحة تصل إلى 540 ألف فدان للرقعة الزراعية، ليتم ريِّها بمياه النيل عبر "ترعة الشيخ زايد" التي تبلغ حصَّتها من المياه حوالي 5.5 مليار متر مكعب سنوياً.
جدير بالذكر أن لفظة "توشكى" هي اسم مكون من مقطعين في اللهجة النوبية، المقطع الأول (توش)، وهو اسم لنوع من "الأزهار العطرية الطيِّبة"؛ وهو نبات الغبيرة الذي كان ينمو بغزارة في وادي توشكى، والمقطع الثاني (كى) ومعناها الموطن أو المكان، ومن ثم تعني (توشكى) موطن نبات الغبيرة.
ويهدف المشروع إلى التغلب على الفجوة الغذائية، وذلك بزيادة الرقعة الزراعية؛ وكذلك تعظيم عائد الموارد المتاحة؛ وزيادة الصادرات الزراعية، بما يسـاعد على تقليل العجز في الميزان التجاري؛ وتشجيع الإعمار السكَّاني لتخفيف الضغط البشري على الوادي الخصيب ودلتا النيل.
وأكرر مرة أخرى للتوثيق للأجيال الصاعدة: إن الدولة وقيادتها الوطنية تعمل على توفير "رغيف الخبز" كرمز رائع لاستمرارية الحياة الكريمة على أرض مصر؛ حتى لو كان مغموسًا بالملح !!