لهذه الأسباب استقال «رب السيف والقلم» محمود سامي البارودى من منصبه
قبل 140 عام تحديدا في مثل هذا اليوم من عام 1882، تقدم الشاعر ورئيس نظارة النظار ــ رئيس الوزراء ــ محمود سامي البارودي باستقالته إلي الخديوي توفيق، علي خلفية موافقة الأخير علي مطالب إنجلترا وفرنسا بإبعاد أحمد عرابي ورفاقه ونفيهم للخارج.
وفي حولياته المعنونة بــ “حوليات مصر السياسية”، يقدم أحمد شفيق باشا، "آخر كتاب الحوليات الكبار في تاريخنا القومي، ذلك التاريخ الذي شهدت كتابته تطورا واضحا في العصر الحديث" كما يصفه الدكتور أحمد زكريا الشلق.
يسجل أحمد شفيق باشا، في حولياته ملابسات وظروف تشكيل محمود سامي البارودي للوزارة، ومن ثم تقديمه استقالته مشيرا إلي: في ٨ سبتمبر ١٨٨٢ أصدر داود باشا أمرا إلي الآلاي الذي يقوده عرابي والآلاي السوداني الذي يقوده عبد العال بك بالسفر حالا من القاهرة، الأول إلي الإسكندرية والثاني إلي دمياط، فتوقف عرابي وصاحبه عن إطاعة الأمر وقام زعماء الحركة بمظاهرة عسكرية في يوم ٩ سبتمبر ١٨٨٢ فسارت آلايات الزعماء الثلاثة تصحبهم فرسانهم ومدفعياتهم نحو ساحة عابدين وطوقوا القصر، ثم أرسلوا إلي الخديوي بلاغا باسم الأمة والجيش يطلبون فيه عزل رياض باشا ومنح الأمة الدستور وزيادة الجيش إلي ١٨٠٠٠، فاضطر الخديوي إلي قبول هذه المطالب وتألفت نظارة شريف باشا المشهور بميله إلي الدستور ورقي فيها عرابي إلي رتبة وكيل الجهادية.
ــ نظارة البارودي باشا
يتابع أحمد شفيق باشا: لقد حدث خلاف بين شريف باشا وبين المجلس فيما يختص نظر الميزانية العمومية بسبب وجود المراقبة المالية الأجنبية في البلاد. فلم ير مجلس النظار، بعد كل ذلك مندوحة من تقديم استقالته، فقبلت وعين بدله محمود سامي باشا البارودي رئيسا للنظار وتولي عرابي نظارة الجهادية، وقد تم ذلك في شهر قبراير سنة ١٨٨٢.
ــ الشاعر الثائر
محمود سامي من مواليد إيتاي البارودي بمحافظة البحيرة، والده كان قائد المدفعية في عهد محمد علي باشا. تخرج البارودي من المدرسة الحربية سنة ١٨٥٤مع مجيئ الخديوي توفيق إلي حكم مصر، ظهرت الحركة العرابية بزعامة أحمد عرابي و محمود سامي البارودي، والبكباشي محمد عبيد .
حققت الحركة العرابية أكثر من انتصار في معركتهم ضد الخديوي توفيق، أولاها إقالة عثمان رفقي باشا وزير الحربية، وتقلد الوزارة أحمد عرابي، وهو شخصية وطنية ضد الإنجليز والفرنسيين وكل الأجانب الذين كانوا يتحكمون في أمور الحكم. وكانت الانتصال الثالث للحركة الوطنية بقيادة أحمد عرابي ورفاقه، تقلد محمود سامي البارودي رئاسة والوزراء والتي شغل أحمد عرابي فيها نظارة / وزارة الجهادية، وكانت حكومة وطنية ضد أي احتلال ونفوذ أجنبي.
ــ محاولة اغتيال عرابي
لم تكد وزارة محمود سامي البارودي أن تستقر، حتي اكتشفت مؤامرة دبرها الضباط الجراكسة لاغتيال أحمد عرابي وتجريد رفاقه من ألقابهم ورتبهم، فأمر المجلس بقيادة محمود سامي البارودي بتشكيل مجلس عسكري لمحاكمة الضباط الجراكسة، فأصدر المجلس عليهم أحكاما في منتهي القسوة لكن الخديوي توفيق خفضها رغم إرادة أحمد عرابي، اشتد علي أثر ذلك الشقاق والخلاف بين الخديوي توفيق ونظاره، وصمم هؤلاء علي جمع مجلس النواب الذي كان في فترة العطلة، فتوقف رئيس المجلس عن عقده بصفة رسمية ولكن النواب اجتمعوا في بيته، وظهرت في هذا الاجتماع فكرة عزل الخديوي توفيق والتي طرحها أحمد عرابي، ولما وصل خبر هذا الاجتماع إلي الخديوي توفيق وما دار فيه وفكرة عزله، كان قرار الخديوي توفيق بنفي أحمد عرابي ورفاقه إلي جزيرة سرنديب، مما حدا بـ محمود سامي البارودي إلي تقديم استقالته من رئاسة الوزراء والتي لم تستمر أكثر من ستة شهور.
محمود سامي البارودي مفكر وفيلسوف وشاعر وأديب ووزير الحربية وفارس أو كما أطلق عليه “رب السيف والقلم”، نفي لسيرلانكا وعاني قسوة الغربة عن الوطن، وإن كان هذا لا يقلل من بطولاته ومواقفه الوطنية خلال الثورة العرابية.