البطريرك لحام: « فلسطين» مفتاح سلام العالم.. وزيارات السيسي للكنيسة بادرة طيبة (حوار)
أكد البطريرك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك سابقاً، أنه في كل كنيسة توجد تيارات مختلفة بشأن الأمور الدينية. وفي كل كنيسة توجد فئات متشدّدة ولا نقول متعصبة.
وتابع غبطته الذي قدم استقالته في 2017 خلال حوار الذي أجرته «الدستور»، أن موقف الفاتيكان والبابا فرنسيس واضح وحازم وقاس تجاه العمل الأحادي من قبل إسرائيل والرئيس ترامب. وإليكم نص الحوار.
في البداية.. حدثنا عن نشأة طائفة الروم الملكيين الكاثوليك؟
كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك هي فرع من البطريركية الإنطاكية في شركة مع كنيسة روما. ومعروف أن اسم "ملكي آو ملكيون" أُطلق من قبل القائلين بالطبيعة الواحدة (اليعاقبة أو المونوفيزية)، على المسيحيين الذين قبلوا مقرّرات مجمع خلقدونية (451).
حالياً يطلق هذا الاسم فقط على كنيسة الروم الكاثوليك في البلاد العربية وبلاد الانتشار في العالم، ولهم بطريرك واحد على أنطاكية وسائر المشرق، وله ولاية على الروم الملكيين الكاثوليك في بطريركية الاسكندرية والقدس، وفي العالم العربي وفي بلاد الانتشار.
وعدد الروم الملكيين الكاثوليك هو حوالي ثلاثة ملايين في المشرق العربي المسيحي وفي بلاد الانتشار.
وتوجد علاقات ممتازة مع جميع الكنائس الشرقية أرثوذكسية وكاثوليكية. وهي أمينة لرسالتها في المجتمع من خلال مؤسساتها الدينية.
وفي البلاد العربية يوجد حوالي مئة مدرسة وجامعة ومعهد كهنوتي، وحوالي 80 مؤسسة إنمائية وصحية، وحوالي 10 إلى 15 مكتبة ودور نشر ومطابع. وفيها 4 رهبانيات رجالية و5 رهبانيات نسائية.
وهكذا تؤدي رسالتها المسيحية، والكنسية، والشرقية والعربية والسياسية والاقتصادية والعلمية والتربوية.
ما آخر التطورات في قانون الأحوال الشخصية لدى طائفة الروم الملكيين الكاثوليك؟
قانون الأحوال الشخصية لجميع الطوائف الكاثوليكية الشرقية مستندا على "مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية." الذي ظهر وأصبح نافذاً عام 1991.
وكنيسة الروم الكاثوليك أصدرت كراساً، حول شرعها الخاص المستند على الشرع العام المذكور، وذلك عام 1995. وعدل الشرع الخاص بكنيستنا عام 2003 ولاحقاً عام 2010.
وفي سوريا صدر "قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية" بمرسوم من رئيس الجمهورية بشّار الأسد (مرسوم رقم 31 لعام 2006)، وهو مشترك بين الطوائف الكاثوليكية في سوريا. وهو بالطبع تطبيق الشرع الكنسي الشرقي العام المذكور أعلاه.
والكنائس يمكنها أن تُعدِّل في قانون الأحوال الشخصية الخاص بها حسب حاجات الزمان والمكان وحياة المؤمنين.
في رأيك كيف ترى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الكنيسة والبابا تواضروس الثاني في عيد الميلاد؟
ما أجملها مبادرة إنها خطوة نبوية، أخوية، مصرية، تاريخية. وما أجمل ما استقبل به الرئيس السيسي من قبل المؤمنين الأقباط، إنه لقاء الأسرة المصرية بأجمل مظاهرها. وليعمل المصريون سلطة ومسؤولون وشعب على إنماء هذه اللقاءات، وهذه المواقف.
في رأيك كيف ترى دور البابوات والفاتيكان في نبذ العنف والتطرّف حول العالم؟
نفتخر بدور الكنيسة الكاثوليكية في العمل لأجل السلام ونبذ التطرف والعنف والإرهاب في العالم. وهو دور مميّز من قبل البابوات والدوائر الفاتيكانية والمجالس الأسقفية في أوروبا وفي العالم. نفرح لهذا الدور ونأمل أن يكون هناك مسعى مسيحياً مشتركاً بين كل الكنائس المسيحية شرقاً وغرباً. وهكذا نساعد على إحلال السلام بين الشعوب، لاسيما في الحرب الراهنة بين روسيا وأوكرانيا.
وإننا نطلب أن تُخصّص الكنائس معاً، اهتماماً متزايداً في سبيل إحلال السلام في الشرق الأوسط، لاسيما في فلسطين، فهو مفتاح السلام للعالم، والأساس لمتابعة الحوار المسيحي – الإسلامي، لأجل رسالة السلام والأمان ونشر حضارة المحبة في أوروبا والعالم.
وفي رأيك كيف ترى موضوع رسامة المرأة قسيساً أو كاهنا؟
موقف الكنائس عموماً هو مانع لهذه الرسامة. هناك اتفاق بين الكاثوليك والأرثوذكس. بينما الأمر مختلف عند البروتستانت.
ما هو موقف كنيسة الروم الكاثوليك في مناولة المرأة الحائض؟
هذا أمر متعلق بعوائد قديمة. الآن اختلفت الأوضاع واختلف الموقف عن السابق.
كيف ترى صلاة الكنيسة على المنتحر؟
الكنيسة لا تحكم على مصير الإنسان عند مماته. وقد تعلّمنا في دروس اللاهوت، أن مراحم الله الواسعة، وضمير الإنسان هو الحكم في حياته. وتعتبر الكنيسة أن المنتحر ربما أصدر فعل ندامة وتوبة قبل انتحاره بلحظات.
طرح بابا الفاتيكان والبابا تواضروس مسألة توحيدعيد القيامة. فما رأيك؟
أمر جميل تواصل البابا تواضروس وبابا الفاتيكان فرنسيس بشأن السعي لتوحيد تاريخ الاحتفال بعيد القيامة، بالعيد الكبير.
المجمع الفاتيكاني الثاني أوصى بأن يحتفل العالم المسيحي شرقاً وغرباً وكل الكنائس بعيد الفصح والقيامة، في الأحد الواقع بين 9 و15 نيسان من كل عام. وهكذا نتجاوز عقدة ومشكلة الحساب الغريغوري والحساب اليولي.
والمساعي جارية بهذا الشأن، وسنبقى نصلي لأجل الوصول إلى أن يحتفل جميع المسيحيين شرقاً وغرباً بعيد القيامة التي هي أساس إيماننا المسيحي.
هل الأقباط يعانون من التعصب والتشدّد؟
في كل مكان، في كل كنيسة توجد تيارات مختلفة بشأن أمورٍ كنسية ودينية مختلفة. وفي كل كنيسة توجد فئات متشدّدة. وعلينا أن نتعلّم أن نكون أمناء لإيماننا وتراثنا وقناعاتنا. وفي الوقت نفسه منفتحين على الآخر.
ما رأيك في الحوار المسيحي – المسيحي؟
خطا هذا الحوار خطوات كثيرة، ولا يزال بعد الخمسينات من القرن الماضي، وبعد المجمع الفاتيكاني الثاني، ومن خلال مجلس الكنائس العالمي وعلى أساس نشاط مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومن خلال دائرة خاصة في الفاتيكان تتابع باطراد العمل في القطاع المسكوني الحواري.
كما توجد نشاطات ومبادرات على أساس الكنائس في كل بلد عربي (لاسيما فلسطين – مصر – لبنان – سوريا – الأردن – العراق) حيث توجد اجتماعات بين البطاركة والمطارنة في كلّ بلد وعلى مستوى البلدان العربية مجتمعة.
كيف ترى كنيسة الروم الكاثوليك الشخص المثلي وما موقفها من المثليين؟
لا موقف كنسي خاص للروم الكاثوليك بالنسبة للمثليين، ولكنها تتقيّد بما يصدر عن السلطة الكنسية، وتطّلع على الآراء بهذا المعنى.
الإنسان المثلي إنسان مثلنا ومعنا في الطبيعة البشرية. من المؤكّد أن واقع الإنسان المثلي ليس طبيعياً. وهو أمر مخالف لطبيعة الإنسان. والعلاقة المثلية ليست علاقة طبيعية بل هي مخالفة لطبيعة الإنسان، الذي خلقه الله ذكراً وأنثى.
وعلى الكنيسة أن تتعامل بمحبّة وتفهّم وتواصل مع المثليين، وترافقهم روحياً وإنسانياً. وتساعدهم على علاقة ثقة وصداقة مع الله، وتدعوهم لكي يقبلوا هذا الواقع ويجدوا مكانهم في المجتمع.
ولا يجوز للكنيسة وللرعاة كهنة ورهبان وراهبات، أن يحرموهم من محبتهم واحترامهم، ومتابعة الحوار الإنساني والروحي معهم. ولنقل لهم أن الله يحبّهم، والكنيسة ترافق مسيرتهم الصعبة.
كيف ترى الحوار المسيحي – الإسلامي؟
الحوار قائم منذ مطلع الإسلام، بين المسيحيين والمسلمين في مصر وباقي بلدان الشرق الأوسط والبلاد العربية عموماً.
وهناك حوار أكاديمي رسمي أو شبه رسمي من خلال مؤسسات حوارية موجودة في مصر وسواها، وهناك حوار الحياة اليومية في مختلف مناطق مصر. وهناك صعود وهبوط. ونجاح وإخفاق. وهناك أزمات اجتماعية واقتصادية ومعيشية ودينية.
ويمكننا أن نقول إن الحوار في صحة جيدة، ويجب أن نضاعف الجهود لتطويره على كل الأصعدة، وعند جميع فئات الشعب المصري.
كيف ترى موقف الكنيسة في دعم السلام في المنطقة؟
وباء الكورونا واحد من الأوبئة التي تُهدِد عالمنا عموما، ومشرقنا وبلادنا بنوع خاص. هكذا تجتاح بلادنا أوبئة، منها: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني العربي ووباء الداعشية وباء التطرف وباء العنف، وباء السباق إلى التسلّح من قبل الدول والأحزاب، وباء سعر الدولار المتصاعد، وباء الجوع، وباء التطبيع مع إسرائيل بدون الاهتمام بالقضية الفلسطينية.
أمام هذه الأوبئة، نسمع صوت الكنيسة، تدعو إلى الدواء الأكثر شجاعة أمام هذه الأوبئة، ولا سيما الصراع الإسرائيلي-العربي-الفلسطيني الذي يعنِّف المنطقة وهو سبب الحروب والصراعات في المنطقة منذ العام ١٩٤٧.
هذا الدواء هو السلام الذي نجد له تحديداً بأنه مجموعة الخيرات التي تُسْهم في بناء حضارة إنسانية حقيقية.
إنني أفخر بأن أكون عضواً في كنيسة أعتبرها الداعية الكبرى إلى السلام، والمدافعة الدائمة والثابتة عن القضية الفلسطينية، وعن الشعب الفلسطيني وحقوقه وقيام دولته إلى جانب الدولة الاسرائيلية، على أساس القرارات الدولية. هذا هو موقف الكنيسة عموماً، ولاسيما كنيسة ودولة الفاتيكان.
ولا يمكننا أن نُغفل ذكر مواقف المسيحيين، لا سيما في أوروبا، والمؤسسات الخيرية تجاه آلام ومعاناة العراق وسوريا، وقد جمعت المؤسسات الملايين والبلايين لأجل مدِّ يد المساعدة للجميع بدون استثناء.
والمطلوب وقفة عالمية لأجل سلام الشرق الأوسط، ولإنهاء الحرب الجائرة على سوريا والحرب على العراق وعلى اليمن. وقفةٌ لأجل إنهاء سياسة العقوبات التي تزيد في أزمات الشعوب ومعاناة المواطنين، لاسيما الفقراء. وقد حصدت هذه الحروب والأزمات ملايين الضحايا في هذه المنطقة.
في رأيك كيف ترى التعايش بين الأديان في المنطقة؟
بلادنا الشرقية، لا سيما في مصر ولبنان وسورية والعراق وفلسطين والأردن وعموماً في باقي البلاد العربية، وبلادنا أوضاعها عموما هي نموذح العيش المشترك والعيش معاً، والمشاركة في الحياة اليومية والسياسية، والاقتصادية، والثقافية والدينية.
كيف ترى الزواج المدني؟
علينا أن نضافر جهودنا، مسيحيين ومسلمين، لنحافظ على الزواج في الكنيسة للمسيحيين، وأمام الشيخ للمسلمين.
الموقف الموحّد إسلامي ومسيحي هو الأقوى لتجاوز المشكلة، مع العلم أن مجتمعنا لن يوافق بسهولة على الزواج المدني.
كيف أثرت فيكم التفجيرات التي حصلت في لبنان مؤخراً، وما وجهة نظركم فيما حدث؟
لقد أدمت قلوبنا ذكرى الرابع من آب وكارثة انفجار مرفأ بيروت، ونحن نسمع ونشاهد الأخبار المأسوية عن مجزرة البنزين في عكار الحبيبة، الذي راح ضحاياه أحبابنا في الشمال، وامتلأت المستشفيات في البلاد وخارجها من الجرحى والمحروقين ِ بلهيب بنزين التهريب والتجارة الدمويّة الاجرامية.
أمام تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، وإذلال أبناء وبنات هذا البلد الحبيب، واقفين متسولين أمام محطات البنزين، والصيدليات، والمشافي والأفران، والمتاجر.
لا أريد أن أردّد عبارات التنديد والتراشق بالتهم والتخوين. بل أريد أن أُطلق نداء أملٍ ورجاء، داعياً إلى تأليف جبهة إنقاذ روحية يكون أعضاؤها كل أنسان يُحبّ لبنان الرسالة، ويريد أن نتابع معاً رسالة لبنان الرسالة.