فى ذكراه.. سر موافقة مصطفي الرافعي علي الكتابة في مجلة «الرسالة»
ولد لأب يعمل بالقضاء الشرعي، حفظ القرآن الكريم فى سن مبكرة، الأديب مصطفي صادق الرافعي، والذي تحل اليوم ذكري رحيله الــ 85، فقد توفي في مثل هذا اليوم من عام 1937 .
تأخر مصطفي صادق الرافعي عندما التحق بالمدرسة الابتدائية في الثالثة عشرة من عمره، حصل علي الشهادة الابتدائية في السابعة عشرة، لكنه فجأة أصيب بالصمم، فاستحال عليه مواصلة الدراسة في أي مدرسة أو معهد، فعكف علي مكتبة أبيه يغربلها قراءة وحفظا ومراجعة وتحقيقا إلي أن بات عالما باللغة العربية وآدابها، ثم عين في وظيفة كاتب بالمحكمة، فإذا هو يبز القضاة في الخبرة بالقانون وأمور التقاضي لدرجة أن وزير العدل نفسه كان يستشيره في كثير من المعضلات والشئون القانونية، وكان مولعا بكتابة الشعر، يطبع دواوينه علي نفقته، ويعتبر نفسه ندا قويا لأحمد شوقي، ويبالغ في نقده ونقد محممود سامي البارودي، وإذا تجاسر أحد وهاجم مصطفي صادق الرافعي، أعتقد أنه مدفوع عليه من أحمد شوقي، إلا أنه هجر الشعر إلي النثر فحقق فيه أرفع المستويات سواء في الفكر الديني أو في الأدب الصوفي، فكتابه الكبير عن إعجاز القرآن الكريم، يوصف بأنه تنزيل عن التنزيل، بمعني أن الفيوض التي تجلت في هذا الكتاب كانت إشعاعات قرآنية وإذن فالفضل يرجع إلي قوة الإشعاع القرآني لا إلي قوة التحليل البشري.
ــ كتاب يرسم خطة منهجية تستضيئ بها ذاكرة الأجيال
ويلفت الروائي “خيري شلبي”، إلي أن كتاب مصفطي صادق الرافعي عن آداب اللغة العربية كان يرسم خطة منهجية تستضيئ بها ذاكرة الأجيال. وقد كتب هذا الكتاب عندما تقرر قيام الجامعة المصرية الأهلية في أوائل القرن العشرين، حيث انبري يكتب في الصحف يلفت الأنظار إلي أن دراسة الآداب العربية لا بد أن تكون مادة أساسية في خطة الجامعة، بادر بتأليف كتابه عن آداب اللغة العربية، ليكون النواة المنهجية الأولي لكيفية تدريس هذه المادة.
ومن أهم مؤلفاته: “إعجاز القرآن” بأجزائه ــ “وحي القلم” بأجزائه ــ “السحاب الأحمر” ــ “حديث القمر” ــ “رسائل الأحزان” ــ “أوراق الورد”، وغير ذلك من كتب مصفطي صادق الرافعي، والتي كانت من مصادر سحر اللغة العربية لأجيال عديدة، وامتلاء مفرداتها بالشعر، إن مفرداتها المطاطة، يمكن حبكها بإحكام علي مقاس المعني العلمي والمصطلح المجرد، ويمكن توسيعها إلا ما لا نهاية لاستيعاب محتويات الشعور مهما ثقل وزنها.
ــ إطلالة علي نتاجه الأدبي
ويشدد “خيري شلبي” علي أن نتاج مصطفي صادق الرافعي الأدبي الصرف، الأدب الإنشائي، أو الإبداعي، فإنه علي شدة صعوبة أساليبه والتزامه بالمفردات الأصلية الغنية بصرف النظر عما إذا كانت مهجورة أو شائعة، قد لقي تجاوبا كبيرا عند قاعدة عريضة من القراء، عموم القراء وليس المثقفين فحسب.
أذكر أن المجموعة القارئة بين طلاب قريتنا والقري المجاورة لها في أواسط الخمسينيات من القرن العشرين، كانت تتبادل “رسائل الأحزان”، و"السحاب الأحمر"، و “حديث القمر”، و“وحي القلم” بشغف كبير. وقد حظي هذا الكتاب الأخير بشهرة واسعة لأن الرافعي لامس فيه الهموم الثقافية والاجتماعية العامة، حيث كان في الأصل لا يرحب بالكتابة الصحفية لأنها ضد التأني والجزالة والتجويد والجدية، إلا أن أحمد حسن الزيات حين دعا مصطفي صادق الرافعي إلي الكتابة المنتظمة في مجلة “الرسالة” رحب علي الفور لأنها مجلة أدبية رصينة، وكان يتصور أنه لن يقوي علي مواصلة الكتابة في المسائل الثقافية العامة أكثر من بضعة أعداد، فإذا به يستمر وإذا بحصيلة ما كتبه في مجلة “الرسالة” تصنع كتابا كبيرا من ثلاثة أجزاء.