«العالم مرتبك».. تطورات السياسة النقدية للبنوك المركزية فى الأسواق المتقدمة
أبقى البنك المركزي الأوروبي على معدلات الفائدة دون تغيير، إلا أن أعضاء المجلس التنفيذي للبنك قرروا تسريع عملية تقليص برنامجه لمشتريات الأصول، مشيرين إلى اللحظة "الفاصلة" بالنسبة لأوروبا عقب تدخل روسيا في أوكرانيا، وصرّح المسئولون بأن النظرة المستقبلية للاقتصاد أصبحت غير مؤكدة للغاية، وتعتمد بشكل كبير على كيفية تطور الحرب في أوكرانيا.
ورفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة الرئيسية وذلك للاجتماع الثالث على التوالي، ما دفع بتكاليف الاقتراض للوصول إلى مستويات ما قبل وباء فيروس كورونا.
وصوتت لجنة السياسة النقدية بأغلبية 8-1 لصالح رفع أسعار الفائدة من 0.50% إلى 0.75%، بينما صوت عضو واحد لصالح إبقاء أسعار الفائدة كما هي دون تغيير.
وأبقى بنك اليابان على موقفه الذي يميل إلى تيسير السياسة النقدية، محذرًا من حالة عدم اليقين "الشديدة جدًا" بسبب التداعيات في أوكرانيا.
وصرّح محافظ بنك اليابان بأن البنك سيستمر في سياسة التحفيز النقدي، حتى لو استمر التضخم في التسارع.. كما صرّح المحافظ كورودا بأن هناك احتمالية بأن يصل معدل التضخم في شهر أبريل إلى حوالي 2% بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، حيث من المتوقع أن تؤثر الحرب في أوكرانيا على الأسعار.
ورفع البنك المركزي الكندي أسعار الفائدة الرئيسية للمرة الأولى منذ بداية وباء فيروس كورونا كما كان متوقعًا على نطاق واسع، كما أشاروا إلى حدوث المزيد من الرفع لأسعار الفائدة من أجل مكافحة ضغوط التضخم المرتفعة، وأشار بنك كندا إلى قلقه حيال احتمالية فقدانه السيطرة على التضخم.
وعلى نفس نهج المركزي الأوروبي، أشارت العقود الآجلة لبنك إنجلترا إلى ارتفاع في أسعار الفائدة بعد أيام قليلة من اجتماع بنك إنجلترا، حيث دفعت الأزمة الروسية- الأوكرانية الأسواق إلى حالة قلق تجاه قيام البنوك المركزية بتشديد السياسة النقدية.
وأشارت العقود الآجلة لسعر الفائدة على الاحتياطيات لدى البنك المركزي الأوروبي لزيادة توقعات الأسواق بحدوث دورة تشديد نقدي منذ أن سارع البنك المركزي الأوروبي إلى إنهاء برنامج شراء الأصول.
وعلى نحو مماثل، ارتفعت أرقام مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، وهو مؤشر القياس المفضل لمعدلات التضخم لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، على كل من الأساسين السنوي والشهري.. ونمت الأرقام الشهرية بوتيرة أبطأ في شهر فبراير بينما تسارعت الأرقام السنوية على مدار الشهر مسجلة ارتفاعا للشهر السادس على التوالي، ودعمت معدلات التضخم في الولايات المتحدة اتجاه مجلس الاحتياطي نحو دورة تشديد للسياسة النقدية، حيث بلغت مستويات التضخم الكلي/ العام معدلا يتجاوز متوسط الزيادة المتوقَّعة ليسجل أعلى وتيرة له منذ عام 1981. وكان لكل من أسعار الطاقة والمسكن والسلع الغذائية مساهمة كبيرة في ارتفاع معدلات التضخم في شهر مارس، بينما جاءت توقُّعات استطلاع الأرقام الشهرية للتضخم الأساسي أقل من المتوقع، مما يبعث الأمل في أن يكون التضخم قد بلغ ذروته.
علاوة على ذلك، أشارت بيانات الرواتب في القطاع غير الزراعي إلى نشاط سوق العمل على الرغم من أن الأرقام جاءت أقل من التقديرات وأقل من المراجعة الصعودية الصادرة خلال الشهر الماضي، وكانت أرقام التوظيف قوية خاصة في كل من قطاعي الترفيه والضيافة.. وكذلك، يتضمن تقريرADP للتوظيف، الصادر عن المكتب الرسمي لإحصائيات الموارد البشرية، الإشارة إلى المزيد من التحسن في معدلات التوظيف بالقطاع الخاص.. وإلى جانب التضخم الذي سجل اعلى معدلاته في عدة عقود في الولايات المتحدة، شهد سوق العمل تحسناً كبيرا، حيث تشير الأرقام إلى امتلاء سوق العمل ليصبح أكثر إحكامًا.
وارتفع معدل المشاركة في القوى العاملة إلى أعلى مستوى له في عامين، وانخفضت البطالة إلى أدنى مستوياتها قبل انتشار جائحة فيروس كورونا، علاوة على ذلك، ارتفع متوسط الأجر في الساعة بشكل يتماشى مع توقعات المحللين بالسوق.
وكانت الضغوط التضخمية واضحة أيضاً في المملكة المتحدة. مع ارتفاع المعدل السنوي لمستوى التضخم، الذي شهد ارتفاعًا إضافيًا في شهر مارس، متخطيًا سقف التوقعات على أساس شهري وربع سنوي، حيث استقر التضخم العام على أساس سنوي عند أعلى مستوى له في 30 عامًا.. وبالانتقال إلى الاتحاد الأوروبي، ارتفع معدل التضخم الكلي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في شهر مارس، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والأغذية والكحول والتبغ والسلع الصناعية من غير منتجات الطاقة، كما ارتفعت أرقام مؤشر أسعار المستهلك أيضًا.
وتراجعت معنويات المستهلكين، حيث أشار استطلاع الرأي الذي أجرته جامعة ميشيغان بالولايات المتحدة إلى انخفاض معنويات المستهلكين لشهر مارس، لتصل إلى أدنى مستوياتها في 11 عاما. وأشار التقرير إلى أن كلا الأوضاع الحالية والمتوقعة مستقبلاً بالنسبة للتضخم هي نتيجة مخاوف حيال ارتفاع مستوى التضخم وارتفاع أسعار الفائدة والتوترات الجيوسياسية المستمرة.. وفي الوقت نفسه، جاءت بيانات أرقام المستهلكين في استطلاع كونفرنس بورد متوافقة مع التوقعات ولكنها أعلى من الشهر السابق.
وفي الاتحاد الأوروبي، شهدت معدلات ثقة المستهلكين انخفاضا جديداً في شهر مارس لتصل إلى أدنى مستوياتها في عامين في خضم أزمة ارتفاع أسعار الطاقة.. ومن ناحية أخرى، أظهر التقرير الشهري الصادر عن مؤسسة «جي.إف.كيه» للأبحاث السوقية في لندن، تراجع ثقة المستهلك وذلك للشهر الرابع على التوالي لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ أكتوبر 2020.
وجاء ارتفاع العائدات على خلفية زيادة العوائد الحقيقية عبر مختلف آجال الاستحقاق، وارتفعت عوائد السندات الحقيقية لأجل 5 و10 و30 عاماً بمقدار 66 نقطة أساس و38 نقطة أساس و13 نقطة أساس بالترتيب.. ومن الجدير بالذكر أن العوائد الحقيقية لأجل 30 عاما أنهت الشهر عند -0.03%، لتستقر في المنطقة السلبية على الرغم من تجاوزها علامة الصفر في أوقات قليلة خلال الشهر.. وفيما يتعلق بتحركات السوق، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية عبر جميع آجال الاستحقاق، وجاءت زيادة العائدات على خلفية تعليقات المسئولين بالاحتياطي الفيدرالي ونتائج محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة االذين يميلون نحو تشديد السياسة النقدية، وكذلك نتيجة لحالة التفاؤل خلال النصف الثاني من الشهر بشأن التوترات الجيوسياسية، بينما ارتفعت العوائد بالآجال الأطول بشكل طفيف نتيجة للمخاوف حول تأثير مسار تشديد السياسة النقدية بوتيرة أكثر قوة على معدلات النمو.
وتسطح منحنى العائد على مدار الشهر، ما أدى إلى انقلاب عدة أجزاء من المنحنى مع تقلص الفارق بين عوائد سندات الخزانة لأجل 5 سنوات وأجل 30 سنة بمعدل 45.70 نقطة أساس، ليصل إلى -1.20 نقطة. كما أنهت فروق أسعار العائدات بين السندات أجل 3 و10 سنوات وكذلك بين السندات أجل 5 و10 سنوات وبين السندات أجل 7 و10 سنوات الشهر عند مستوى سلبي. وفي نفس الوقت، أنهى منحنى فارق العائد للسندات أجل عامين وأجل 10 سنوات، والذي يتابعه البنك الفيدرالي عن قرب، تعاملات الشهر بشكل قريب الى التسطح. مع ملاحظة أن منحنى الفارق بين عوائد سندات الخزانة لأجل عامين والسندات لأجل 10 سنوات انقلب خلال اليوم في 29 مارس، وعادة ما يعتبر انقلاب هذا الجزء من المنحنى إشارة على حدوث ركود.. في غضون ذلك، كان تصاعد توقعات التضخم نتيجة لاستمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا عاملاً رئيسياً في ارتفاع العائدات الاسمية بقياس شهري، وارتفع مستوى التعادل لعائدات السندات إلى أعلى مستوى له قبل أيام قليلة من نهاية الشهر، قبل أن يخسر بعضا من ارتفاعه السابق على خلفية المحادثات بين روسيا وأوكرانيا.
وفي أوروبا ، كان أداء الأسهم مختلطًا مع تقلبات بالمؤشرات خلال الشهر على خلفية التطورات في أحداث الصراع الروسي- الأوكراني.. وبالانتقال إلى أسواق الأسهم، ارتفعت المؤشرات الأمريكية الرئيسية خلال الشهر، لتعكس بعض خسائرها الفصلية، وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز S&P 500 بقياس شهري حتى مع نتائج اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التي اتجهت إلى تشديد السياسة النقدية، والتي تماشت أغلبها مع توقعات الأسواق. علاوة على ذلك، دعمت التوقعات العالمية لصندوق النقد الدولي الصادرة في نهاية الشهر ارتفاعات الأسهم العالمية.