بينها «المناخ وكورونا وحرب أوكرانيا».. 5 أسباب أدت إلى موجة كساد الاقتصاد العالمي
لا شك أن الأزمة التى يعانى منها الاقتصاد العالمي، في الوقت الحالي، جاءت نتيجة حدوث صدمات عالمية متتالية، انطلقت من تفشي فيروس كورونا، وتحولاته المختلفة، ليعقبها الأزمة الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى موجة التضخم التي أصابت كبرى الأسواق العالمية، ولا يمكن أيضا تجاهل تأثيرات أزمة تغير المناخ التي اجتاحت كبرى الدول الفاعلة في حركة الاقتصاد.
ولم تكن التحذيرات التي ساقتها العديد من المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وصندوق النقد والبنك الدوليين خلال العامين المنصرمين بشأن المخاطر التي قد تهدد نمو الاقتصاد العالمي. وفيما يلي نستعرض أبرز التهديدات التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي:
الحرب الروسية – الأوكرانية:
بات معلوم للقاصي والداني، أن روسيا وأوكرانيا تعدان من أكبر البلدان المصدرة للسلع الأساسية للعديد من دول العالم، ونتيجة للحرب الدائرة بين كلا المعسكرين فقد أدى ذلك إلى انقطاع سلاسل الإمداد الواردة من كليهما، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار العالمية بصورة حادة، ولا سيما أسعار القمح والنفط والغاز الطبيعي.
وارتفعت تكاليف تصنيع المنتجات الغذائية وقفزت لمستوى تاريخي نتيجة لزيادة أسعار القمح، نظرًا لكون روسيا وأوكرانيا تساهمان بنسبة لا تقل عن 30% من صادرات القمح العالمية، كما أدت الأسعار الآخذة في الارتفاع إلى زيادة حدة التوترات الاجتماعية في بعض البلدان، كالتي لديها شبكات أمان اجتماعي ضعيفة ونسب بطالة عالية وحيز محدود للإنفاق من المالية العامة، وقد لا تتضح الصورة الكاملة لبعض الآثار لسنوات طويلة، إلا أن هناك علامات واضحة على أن الحرب وما أفضت إليه من قفزة في تكاليف إنتاج السلع الأساسية الضرورية ستزيد من الصعاب التي تواجه صناع السياسات الاقتصادية في بعض البلدان لتحقيق التوازن الدقيق بين احتواء التضخم ودعم التعافي الاقتصادي.
وأدت تلك الحرب في بدايتها، إلى اندلاع موجات تضخم ضربت الأسواق العالمية منذ بداية الأزمة وأدت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع أسعار السلع الأساسية كالغذاء والطاقة في ظل تضاؤل قيمة الدخول وضعف الطلب على المنتجات والخدمات على مدى الشهرين.
وأفادت الدكتورة نغوز أوكونجو، رئيسة منظمة التجارة العالمية، في تصريحات لها منذ حوالي شهر، بأن الحرب الدائرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من ناحية، وروسيا من ناحية أخرى، سوف تزيد أسعار المواد الغذائية، وعبرت عن قلقها من الأزمة الغذائية القادمة.
وقالت، إنه بالرغم من أن أوكرانيا وروسيا تشكلان ما لا يزيد عن 2.5 من صادرات التجارة العالمية إلا أنهما في غاية الأهمية في قطاعات معينة.
وبالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية فإن تكلفة بعض السلع الأخرى قد وصلت مستويات قياسية وسط مخاوف من أن تؤدي الحرب وفرض عقوبات على روسيا إلى خلل في التوريد.
ويعد قطاع التنجيم الروسي في غاية الأهمية لتوريد بعض المواد الخام مثل معدن البلاديوم المهم في صناعة السيارات والذي تنتج روسيا منه 40 في المئة من مجمل الإنتاج العالمي.
جائحة كورونا وسلالاتها
وقبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، فإن جائحة كورونا سببت خللا في العلاقة بين العرض والطلب في أكثر من قطاع صناعي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وحذر صندوق النقد الدولي من أن زيادة نسبة التضخم بشكل كبير سوف تؤدي إلى تقليل نسبة النمو الاقتصادي لهذه السنة، بحسب سبكة بي بي سي البريطانية.
وقد أشارت جيتا جوبيناث، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، في أكتوبر الماضي، إلى أنه إذا تسببت جائحة كورونا في حدوث تأثير طويل الأمد، فإن هذا قد يخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار تراكمي يصل إلى 5,3 تريليون دولار (4,6 تريليون يورو) على مدى السنوات الخمس المقبلة استنادا على توقعاتهم الحالية .
فيما أسفر الوباء العالمي عن ضربة "غير مسبوقة" للاقتصاد العالمي في عام 2020، ما أدى إلى إلغاء 225 مليون وظيفة دائمة، وفقا للتقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة.
كما تسببت أزمة فيروس كورونا في تقليص عدد ساعات العمل عالميا بواقع 8.8 في المئة، وهي النسبة التي فاقت التراجع في عدد ساعات العمل إبان أزمة الاقتصاد العالمي في أواخر 2008.
وخلال العام الماضي– وقبل اندلاع الحرب تحديداً- كان بدأ العالم يتجه إلى تطلعات بالنمو الإيجابي في الاقتصاد العالمي، وقال غاي رايدر، مدير منظمة العمل الدولية: "إشارات التعافي التي نراها الآن مشجعة، لكنها تبقى هشة وتنطوي على قدر كبير من انعدام اليقين، ولابد أن نتذكر أن لا يمكن لدولة أو مجموعة أن تتعافى وحدها"، وبالفعل اندلعت الحرب لتكشف عن هشاشة تلك الإشارات.
فيما قدرت منظمة العمل الدولية الخسائر في الدخل على مستوى العالم بحوالي 3.7 تريليون دولار، وهو ما يمثل حوالي 4.4 في المئة من إجمالي الناتج العالمي، وهو ما يصفه رايدر بأنه أمر "استثنائي".
ووقع الضرر الأكبر على سوق العمل في مناطق أمريكا اللاتينية، والكاريبي، وجنوب أوروبا، وجنوب آسيا.
مشاكل سلاسل التوريد
كما أثرت الاضطرابات التي عصفت بسلاسل التوريد سلبا على الاقتصاد ولعبت دورا رئيسيا في إبطاء الانتعاش العالمي خلال عام 2021، إذ أدى التأخر في عمليات الشحن بالإضافة إلى عوامل أخرى منها نقص الحاويات والانتعاش الحاد في الطلب مع تخفيف قيود كورونا، إلى عرقلة حصول المنتجين على المكونات الأساسية والمواد الخام.
وكان قطاع السيارات من بين القطاعات الأكثر تضررا جراء تراجع حركة الإنتاج في منطقة اليورو، بما يشمل ألمانيا خلال الشهور الماضية في ظل تباطؤ وتيرة الإنتاج.
وقد تسبب هذا في إرباك سوق السيارات العالمي، فيما يتوقع الخبراء أن تستمر هذه المشاكل في التأثير على نمو هذا القطاع بشكل جيد.
ارتفاع معدلات التضخم
وشهدت أوروبا والولايات المتحدة ارتفاعا في معدلات التضخم إلى مستويات خطيرة لم تحدث منذ سنوات، وذلك بسبب نقص المواد الخام وارتفاع أسعار الطاقة.
وقد أثار هذا الارتفاع فزع المستثمرين على مستوى العالم وسط حالة قلق من حدوث سيناريو ينطوى على اضطرار البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة قبل الأوان من أجل كبح جماح ارتفاع الأسعار.
أزمة تغير المناخ
ومنذ فترة طويلة وتأتي تحذيرات العالم من ضرورة الاصطفاف لمجابهة أزمة تغير المناخ، إلى أن الاضطرابات السياسية بين الغرب باتت عائقاً من أجل الالتفات لتلك الأزمة.
ومن جانبه، أكد منتدى الاقتصاد العالمي، ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمواجهة تغيّر المناخ؛ نظرًا لأن آثاره في التنمية الاقتصادية أصبحت ملموسة بالفعل.
وأشار تقارير دولي، إلى أنه بحلول منتصف القرن الحالي، سيخسر العالم نحو 10% من إجمالي القيمة الاقتصادية بسبب تغيّر المناخ، حال استمر الوضع الحالي من زيادة درجات الحرارة وعدم الوفاء باتفاقية باريس وأهداف الحياد الكربوني لعام 2050، وفقًا لبحث صادر عن شركة التأمين السويسرية سويس ري (Swiss Re).
وحال عدم اتخاذ أي إجراء للتخفيف من تداعيات تغيّر المناخ، قد ترتفع درجات الحرارة العالمية بأكثر من 3 درجات مئوية؛ ما قد يدفع الاقتصاد العالمي إلى انكماش نسبته 18% في الأعوام الـ30 المقبلة، بحسب البحث.