في ذكراه.. أظرف مواقف محمود السعدني مع «صاحبة الجلالة»
12 عامًا مرت على وفاة الكاتب الصحفي الراحل محمود السعدني، الذي رحل عن عالمنا في 4 مايو 2010، عن عمر ناهز الـ82 عامًا، إثر أزمة قلبية حادة، وكان قد اعتزل العمل الصحفي والحياة العامة في 2006، بعد تعرضه لأزمة صحية عانى منها خلال سنوات عمره الأخيرة.
آلاف المواقف وآلاف الحكايات التي تعرض لها الكاتب الراحل محمود السعدني، ومن بينها مواقف ظريفة مر بها أثناء عملة بـ"صاحبة الجلالة" سردها بنفسه في حوار له بجريدة "الكرامة" بعددها الصادر بتاريخ 31 أكتوبر 2006، قائلًا: حين عملت في "روز اليوسف" في البداية تركتها لأنهم كانوا يحاسبونني بالقطعة والقطعة بخمسين قرشًا والحساب على النشر ولم أحتك بإحسان عبدالقدوس لأنه كان ابن صاحبة الجورنال وابن ذوات وكاتبًا معروفًا وناجحًا، فقلت إنه بالتأكيد مغرور وخليني بعيد عنه وذهبت للعمل في جريدة "النداء" وكان مدير تحريرها زكي الجوهري الذي لم يكن يفهم في شيء وكلما قابلني كان يسألني "معاك مناشط يا سعدني" والمناشط جمع "مانشيت" فكتبت له مانشيت يقول: "القوات البريطانية جهزت قنبلة ذرية في القناة"، ونشر زكي الجوهري المانشيت بالبنط الكبير وأنا أصلا لم آت القناة ولا سافرت إليها.
وتابع: حين سافرت إلى بيروت وأسست هناك جريدة "الجمهورية" التي كان لها كتاب عديدون ولكن كانت بلا محررين، قررت أن أحقق عدة انفرادات للجريدة كان آخرها هو سبب إغلاقها حين فبركت حديثًا مع الرئيس ماو تسي تونج وكانت العناوين "نصف مليون متطوع صيني في طريقهم إلى القاهرة"، "جبهة جديدة في الشرق الأقصى إذا لم يخرج المعتدون من مصر"، وانقلبت الدوائر السياسية في بيروت، وجاء مراسل البرافدا في الشرق الأوسط إلى إدارة الجريدة ليسأل عن اسم المحرر الذي أجرى الحوار مع ماز تسي تونج فقلت له اسمه "شوانج شانكو" وهو مراسلنا في الصين، وصدر الأمر بعد ذلك بإغلاق جمهورية بيروت.
وللسعدني قصة أخرى لبداياته الصحفية يرويها في كتابه "مسافر بلا متاع" حيث يقول: "في بداية حياتي الصحفية أكرمنى المولى العزيز بالجلوس في حجرة واحدة مع العبقري الخالد بيرم التونسي الذي كان في نظر جيلنا أسطورة من الأساطير، كان كاتبًا ساخرًا وشاخرًا أيضا، أصدر أكثر من عشرين جريدة وصحفية، ولكن سلطات الاحتلال وقفت له بالمرصاد فطاردته على طول الخط وصادرت جميع المجلات والجرائد التي أصدرها، وكان القانون وقتئذ يحتم على كل صاحب جريدة أو مجلة الحصول على ترخيص قبل الصدور".
وأضاف أنه حاول بيرم عدة مرات الحصول على هذا الترخيص دون جدوى، ولكن هذا الموقف الرسمي لم يصرفه عن تحقيق هدفه فأصدر مطبوعة باسم "المسلة" وكتب تحتها عبارة "لا جريدة ولا مجلة"، ولما كانت لا جريدة ولا مجلة فهي لا تحتاج إلى أي ترخيص من أي نوع، ولأن عمنا بيرم كان شعبيًا وبسيطًا فقد توطدت الصلة بيني وبينه، وكان في لحظات صفوه يحكي للعبد لله عن معاناته في المنفى وعن "دوخة يني" التي تعرض لها في الغربة، والنصيحة الوحيدة التي أسداها للعبد لله، إني أهجر الأسلوب الساخر الذي أكتب به وأوصاني باتباع الأسلوب الحنجوي بحيث تحمل المقالة عدة أوجه، تقرؤها فتتصور أنها هجاء ويقرؤها غيرك فيتصور أنها مديح، كلام من نواع الشواشي العليا للبرجوازية والشفق المذهق على قفا الأفق، وقالي عمنا بيرم التونسي: "إذا التزمت بهذا الأسلوب الساخر خلال حياتك الصحفية، ستكون حياتك في مهب الريح وأيامك أسود من الزيتون المدهون بالورنيش، ولياليك يا صاحبي أزرق من الهدوم المصبوغة بالنيلة".