خبير دولى يحذر من مخاطر التغير المناخى على التراث المصرى
حذر الدكتور عبدالعزيز سالم، أستاذ ورئيس قسم الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، والخبير الدولي في التراث، في دراسة علمية جديدة، من مخاطر التغير المناخي على التراث المصري، وتأثيره السلبي على سلامة الآثار بكل أنواعها، الفرعونية والمسيحية واليهودية والإسلامية، وخاصة الآثار الكائنة بالمدن الساحلية والمطلة على نهر النيل.. مشيرًا إلى ما يحدث الآن بالفعل من تعرض التراث الثقافي والمحميات الطبيعية في مصر لمخاطر بسبب تغير المناخ.
وقال عبدالعزيز، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الاثنين، إن الدراسة أشادت بجهود الرئيس عبدالفتاح السيسي، لحماية مصر من مخاطر التغير المناخي الوشيكة، مؤكدًا أن اختيار مصر لاستضافة الدورة الـ27 لقمة تغير المناخ نوفمبر القادم بالإنابة عن القارة الإفريقية، يوضح بجلاء المكانة المرموقة التي تحتلها مصر على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وأضاف أن الدراسة أكدت أن التغير المناخي اليومي الذي تشهده مصر يؤكد ـ بما لا يدع مجالًا للشك ـ بأن خطر تغير المناخ على الآثار المصرية سواء كان في الآثار الفرعونية أو المسيحية أو الإسلامية سيكون قاسيًا إذا لم نسرع في اتخاذ إجراءات الحماية والوقاية.
ودعا الدكتور عبدالعزيز سالم، منظمة اليونسكو إلى سرعة التدخل لحماية التراث الثقافي من أخطار التغير المناخي، وخاصة التراث العالمي في مصر، الخاضع لاتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي باليونيسكو لسنة 1972، المعنية بصون وحماية التراث العالمي المشترك من الأخطار والتهديدات، وحفظه للأجيال القادمة، خاصة أن الاتفاقية لم تدرك تمام الإدراك الخطر الكامن في تغير المناخ على ممتلكات التراث العالمي، ولم يرد في بنودها هذا النوع من الأخطار التي لم تكن معلومة في سبعينيات القرن الماضي عند إقرار الاتفاقية مما يستوجب على منظمة اليونسكو والدول الأعضاء ضرورة اعتماد بروتوكول إضافي للاتفاقية الدولية خاص بحماية التراث الثقافي والطبيعي من مخاطر التغير المناخي الوشيكة.
وأشار عبدالعزيز إلى أنه رغم الجهود الدولية المتسارعة من أجل الحد من مخاطر التغير المناخي والمتمثلة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي عام 1994، بما تتضمنه من تدابير وقائية، ولكنها تظل غير كافية من أجل صون وحماية المواقع التراثية الثقافية والطبيعية، حيث يرتبط استقرار مواقع التراث الثقافي والطبيعي ارتباطًا وثيقًا بتفاعلاته مع البيئة، فالتغير المناخي يترافق مع تغيرات في الظروف البيئية التي تهدد الشواهد الأثرية سواء الثابتة أو المنقولة أو حتى المدفونة تحت سطح الأرض.
وأوضح أن بيئة مواقع التراث في مصر تعد هي الأكثر تأثرًا تجاه أي تغير مناخي في البارومترات المناخية من ارتفاع منسوب مياه البحر، وارتفاع درجة حرارته، وتواتر العواصف وشدتها، وأنماط هطول الأمطار، والجفاف، والجريان السطحي، والدوران المحيطي، وحموضة المحيطات، بالإضافة إلى التأثيرات الفيزيولوجية التي تلحق ضررًا طويل الأمد في الكثير من الشعاب المرجانية، كما أن أي تغير في درجة حرارة التربة أو في مقدار ما تحتوي عليه من ماء سيؤثر في حفظ وصون مواقع التراث الثقافي والطبيعي، بالإضافة إلى أن الاضطرابات الناجمة عن ذلك تقوض عملية صون النظم الإيكولوجية الطبيعية، واستدامة النظم الاجتماعية والاقتصادية.
وأوصت الدراسة بضرورة إنشاء وتفعيل إدارات الأزمات في وزارتي الآثار والبيئة لرسم استراتيجية ثقافية وبيئية محددة لمواجهة مخاطر التغير المناخي على الآثار المصرية، وحماية الممتلكات الثقافية المدفونة في باطن الأرض، والاستعانة بالدراسات العلمية في هذا المجال، ودعوة منظمة اليونسكو إلى الاضطلاع بدورها في حماية التراث الثقافي والعالمي المهدد بالخطر نتيجة التغير المناخي.
وأكد الخبير الدولي ضرورة اعتماد منظمة اليونسكو برتوكولًا إضافيًا إلى الاتفاقيات الدولية لحماية التراث للحد من مخاطر التغير المناخي على التراث الثقافي والطبيعي بشكل عام.
جدير بالذكر أن هذه الدراسة العلمية رصدت بالأساليب العلمية مخاطر التغير المناخي على أبنية مدينة القاهرة التاريخية والإسكندرية ومدن الدلتا والمدن الساحلية التراثية ومدن الصعيد القريبة من نهر النيل التي باتت معرضة للأخطار عن أي وقت مضى، حيث أكدت الدراسة أن التحولات المفاجئة والسريعة في دورات انتقال موسمي بين الطقس الحار والطقس البارد يمكن أن تؤثر في عدم استقرار التربة تحت الأرض وفي تكوين مواضع مرتفعة ومواضع انخساف في سطح الأرض، مما يسبب حدوث انهيارات أرضية كبيرة.
كما يمكن أن يهدد ارتفاع منسوب مياه البحر المدن الساحلية مع ما يترتب على ذلك من الغمر الدائم للمناطق المنخفضة، وازدياد نسبة كلوريد الملح البحري في تربة المناطق الساحلية، كما أن التغيرات في دورات الفترات المطيرة وفترات الجفاف يؤدي إلى بلورة وإذابة مما سيؤثر في المواد الأثرية الموجودة في باطن الأرض وفي اللوحات الفنية والجداريات وغير ذلك من أشكال تزيين المسطحات، بما في ذلك قِطع الفن الصخري.
كما رصدت الدراسة زيادة نسبة رطوبة التربة في الأبنية القديمة التي تؤدي إلى زيادة تجميع الأملاح وبلورتها بشكل يضر بواجهات هذه العمائر الجميلة والمزخرفة بفنون من الخطوط والزخارف الهندسية ، كما يمكن أن تؤدي إلى إضعاف استقرار التربة وإجراء تغييرات في مستويات سطح الأرض، ويمكن أن يؤدي تزايد معدل سقوط الأمطار إلى قيام مشكلات جدية في شبكات تصريف مياه الأمطار في المدن التاريخية، التي لا تستطيع الصمود أمام هطول الأمطار الغزيرة.