إيناس عبد الدايم وسينما الشعب.. وتجفيف منابع الإرهاب!
نستطيع اليوم في مصرنا المحروسةـ بكل الثقة والعرفان لأصحاب الفضل أن نقول مرحبًا بالكورال سداسي الإبداع؛ هذا الكورال الذي يحتوي في طياته وبين جوانحه على تلك الفنون الستة: العمارة، الموسيقا، الرسم، النحت، الشعر، الرقص؛ ليمنحنا إكسير تلك الخلطة السحرية؛ المتمثلة في مكونات ما يُعرف بـ"الفن السينمائي"؛ وهو الفن الراقي الجميل وغايته النبيلة؛ لأن السينما جاءت لتجمع تلك الفنون، وتخلق منهم صورة "سابعة" مغايرة لصورة كل عنصر من العناصر الستة منفردًا، ولذلك فإنها استحقت وصف "الفن السابع"، الذي أطلقته عليها ثلة من محترفي وروَّاد صناعته في العصر الحديث.
ومع أصوات إطلاق مدافع البهجة والفرح بقدوم شهر رمضان المعظم للعام 2022؛ أعلنت الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، إطلاق مدفع من نوعٍ جديد وجاد داخل الساحة الثقافية المصرية؛ والذي أطلقت عليه اسم "سينما الشعب"؛ وهو المشروع الذي يهدف إلى تنشيط وتشجيع إنتاج الأعمال السينمائية المعاصرة؛ وتقديمها بأسعارٍ رمزية في متناول كل فئات المجتمع والمواطن المصري البسيط .. كـ"وجبة ثقافية" تنويرية يحتاجها الواقع المصري في هذه الظروف والأوضاع التي تمر بها مصر؛ والسير قدُمًا نحو العمل على "تجفيف منابع الإرهاب" التي تفجَّرت على ضفتي نهر النيل؛ في محاولات يائسة لتعكير مجرى النهر العظيم؛ واستقطاب جموع البشر على ضفتيه للخروج والتمرد على التقاليد والأعراف والقوانين التي تربي عليها الشعب مذ صنع إرهاصة الحضارات الأولى على أرضنا الطاهرة.
ولنا أن نلقي نظرة سريعة عن المسارات المحددة لبدء هذه العروض السينمائية؛ فهي ستبدأ بخمسة دور عرض في أربع محافظات، هي سينما قصر ثقافة قنا، سينما "السادات" و"شبين الكوم" بمحافظة المنوفية، قصر ثقافة الأنفوشي بالإسكندرية، مكتبة البحر الأعظم بالجيزة كمرحلة أولى. ثم يتوالى تعميم هذه التجربة الفريدة بمختلف أنحاء الجمهورية؛ اعتمادًا على ما تنتجه وزارة الثقافة في قلعة الفن المصري المتمثلة في: "أكاديمية الفنون" و"المركز القومي للسينما"؛ وهي انطلاقة رائعة تُسهم في إلقاء الضوء على الأعمال التي تقوم بإنتاجها الوزارة المنوطة بتشكيل العقل الجمعي المصري والتعريف بأهداف الدولة التي تعمل لصالح الوطن .. والمواطن.
ويجيء مضمون كلمات السيدة وزيرة الثقافة- لأنها فنانة في المقام الأول- خير تعبير عن إيمانها المطلق بجدوى هذا المشروع الخلاَّق؛ حيث أشارت إلى أن المشروع يُبرز إيمان الدولة بدور الفنون والثقافة؛ والاعتراف بمدى تأثير القوى الناعمة المصرية في تشكيل الوعي العام، والذي يأتي في مقدمة اهتمامات وأهداف الوزارة؛ من أجل دعم صناعة السينما وتعظيم دورها التنويري لتعضيد هذا المشروع؛ والعمل الدءوب على نشر التنوير والثقافة السينمائية لمجابهة الفكر المتطرف من خلال مواد إبداعية جادة وهادفة.
إن إطلاق مشروع "سينما الشعب" يُعد بمثابة عودة لتعزيز الدور الذي تقوم به قصور الثقافة في نشر الوعي وصناعة الإبداع منذ ستينيات القرن الماضي؛ من أجل إعلاء القيمة الجمالية وزيادة الثقافة المعرفية التي تضطلع بحملها ــ كرسالة تنويرية ــ كتائب القوى الناعمة المصرية.
إنني من خلال هذا الطرح الراقي لمشروع "سينما الشعب" في كل محافظات الجمهورية بطول وعرض القطر المصري من الإسكندرية حتى أسوان؛ أتطلع بكل الثقة إلى عودة "الأسرة المصرية" إلى الخروج الجماعي لقضاء السهرات الفنية والترفيهية بين جدران وقاعات قصور الثقافة؛ نظرًا لتقلص حجم "دور السينما" في المدن والقرى؛ وقيام أصحاب دور السينما الخاصة بالمغالاة في تحديد قيمة ثمن التذكرة للحصول على أكبر قدر من الأرباح؛ الأمر الذي يُعد عبئًا إضافيًا على الدخل المادي للأسرة، وعليه.. نهيب بالسادة القائمين على تحديد الأسعار لمشروع "سينما الشعب" مراعاة تخفيض فئة التذاكر إلى عشرين جنيها بدلاً من أربعين؛ وحتى يمكن للٍأسرة بعدد خمسة أفرادـ مثلاًـ من الحصول على متعة الرحلة ومشاهدة العروض السينمائية بأقل التكاليف؛ فالثقافة المعرفية كالماء والهواء اللازمين لاستمرارية الحياة بكل الثراء المعرفي والذهني؛ والعمل على أن نقي الشباب الصاعد من الانزلاق في هُوَّة التطرف واعتناق الفكر المتخلف عن مكتسبات العصر من الثقافة والتقدم والازدهار في مجالات الحياة كافة.
ويذكر بعض المؤرخين الذين عاصروا بداية البث التليفزيوني في مطلع ستينيات القرن الماضي؛ أن وزارة الإرشاد القومي ـ وقتهاـ كانت تضع أجهزة التليفزيون ـ بديلاً عن دور السينما- في الحدائق العامة والميادين؛ لتخرج "الأسرة" بقضها وقضيضها؛ كبارها وصغارها من رجالٍ ونساء؛ ومعهم "وجبة العشاء" لمشاهدة معجزة العصر حتى انتهاء البرامج قبل منتصف الليل! هكذا كانت الأسرة التي خرج من عباءتها أدباء وشعراء وكُتَّاب وصحفيو حقبة السبعينيات والثمانينيات.. وامتدادًا إلى وقتٍ قريب؛ قبل أن تغزو الأفكار المتطرفة برياحها السوداء على المجتمع !
وأخيرًا .. لعل البعض يسأل مستفسرًا: ولماذا "السينما"؟
لأن قوة السينما الجادة .. تتلخص في قدرتها الفائقة على التحكم في انتباه المشاهد والتأثير الإيجابي على تفكيره واستيعابه لتوجهات الدولة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا ؛ وتعمل على تشكيل وخلق الإحساس الجمعي لإيجاد المواطن الصالح داخل الأسرة والمجتمع ككل.
إننا نرفع القبعة للوزيرة الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم.. التي تعمل على وضع استراتيجية ثقافية وفنية؛ للنهوض بالمجتمع المصري بريادة القيادة الوطنية المخلصة؛ تلك القيادة التي تعرف مقدرات الوطن وقيمته على خريطة العالم.
- رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر