كيف يتم حساب موعد عيد القيامة ولماذا تختلف الكنائس في تحديده؟
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم، بعيد القيامة المجيد.
يأتي عيد القيامة في نهاية أسبوع الآلام، وبدأ بأحد الشعانين أو أحد السعف وهو ذكرى دخول المسيح للقدس ويستمر هذا الأسبوع حتى ما يعرف بـ«سبت النور»، الذي يحدث فيه ما يعتقد المسيحيون أنه معجزة خروج «النار المقدسة» من قبر المسيح الواقع بكنيسة القيامة في القدس المحتلة.
واستمر موعد الاحتفال بعيد القيامة موحدا عند جميع الطوائف المسيحية بالعالم، طبقًا لهذا الحساب القبطي، حتى عام 1582 م حين أدخَل البابا جريجوريوس الثالث عشر بابا روما تعديلا على هذا الترتيب، بمقتضاه صار عيد القيامة عند الكنائس الغربية يقع بعد اكتمال البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي مباشرة، بغض النظر عن الفصح اليهودي ولا يأتي أبدا متأخرا عن احتفال الشرقيين بالعيد.
فيما تحتل فكرة «القيامة» مكانة بارزة في الفكر المسيحي إذ يعتبر الإيمان بقيامة المسيح أساسًا للإيمان بالعقيدة كلها، ومن ثم فإن كل ما ارتبط بهذا المعنى من طقوس وعبادات وممارسات له طبيعة خاصة، فصوم القيامة هو الصوم الكبير لمدة 55 يومًا، وعيد القيامة أيضًا من الأعياد الكبرى أما الأسابيع التي تسبق العيد فلكل يوم فيها معنى ومكانة تقرأ فيها صلوات، خصوصا ترمز لقصص أساسية في العقيدة المسيحية، تروى من خلالها الكنائس تعاليم مقدسة تحفظ بها الإيمان.
ويُعرف هذا العيد بأسماء عديدة أخرى أشهرها عيد القيامة والبصخة وأحد القيامة، هو أعظم الأعياد المسيحية وأكبرها، يستذكر فيه قيامة المسيح من بين الأموات بعد ثلاثة أيام من صلبه وموته كما هو مسطور في العهد الجديد، وفيه ينتهي الصوم الكبير الذي يستمر عادة أربعين يوماً؛ كما ينتهي أسبوع الآلام، ويبدأ زمن القيامة المستمر في السنة الطقسية أربعين يوماً حتى عيد العنصرة.
لماذا الاختلاف في موعد العيد وهل يمكن توحيد عيد القيامة
القمص يوحنا نصيف كاهن الكنيسة القبطية بشيكاغو، قال في تصريحات له عن اخر تطورات موضوع وحدة الاعياد بين الطوائف المسيحية، أنه لم يحدث أي تغييرات بشأنه فالبعض يعيديون وفقًا للتقويمات القديمة والبعض وفقًا للتقويمات الحديثة.
وتابع: وأن الوضع الأن كل كنيسة متمسكة بتقويمها الخاص، وبالتالي فإنها تعيد في موعد مختلف عن الأخرى، وهناك بعض الكنائس الشرقية مثل السريان والأرمن واليونان الأرثوذكس قرروا اتباع التقويم الغربي، ولذلك هما يعيدون بعيد الميلاد المجيد في 25 ديسمبر لكن بعض الكنائس الشرقية الأخرى مثل الكنيسة القبطية والروسية والصربية متمسكون بتقويمهم ولهذا يعيدون في 7 يناير.
أما عن ردود الأفعال بعد تقديمه الاقتراح لضبط التقويم، قال القمص يوحنا نصيف انه هناك ثلاث أنواع من ردود الأفعال وهي الأولى مقاومون بشدة للفكرة أما الثانية فهم يربطون بين التقويم من ناحية والعقيدة والتراث القبطي من ناحية أخري، ولا يريدوا أن يقبلوا ان هناك أي خطأ حسابي في التقويم القبطي، ويعتبرون أن التغيير سيضعف موقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أما النوع الثالث فهم ليس عندهم مانع من توحيد موعد العيد ويستحسنون الفكرة ولكهنم في نفس الوقت ليسوا متحمسين لها.. وهما نسبة أكبر عدديًا بالمقارنة مع النوعين السابقين.
وتابع: أن هناك بعض من محبي التراث بصيرون أحيانًا سجناء للتراث وغير قادرين على الانفتاح وعلى دوائر المعرفة الأوسع، ويكون لديهم حساسية شديدة تجاه أي تغيير وبالتالي هم يرفضون وبعنف حتى مجرد طرح الأمر للمناقشة، وهذا النوع نسبته العددية قليلة جدًا، ولكنهم كثيرًا ما يستخدمون العنف اللفظي والاتهامات واستعدادهم للتفاهم ضعيف.
أما عن المعلومات الخاطئة المتداولة في الأوساط الكنسيّة حاليًا، أكد القمص يوحنا نصيف أن هناك ثلاث معلومات على الأقل وهم أنّ أغلبيّة الأقباط في المهجر يريدون الاحتفال بعيد الميلاد في 7 يناير وهذه معلومة خاطئة ومضلّلة، فالحقيقة أنّ الغالبيّة العظمى تريد الاحتفال يوم 25 ديسمبر بشرط أن تحتفل الكنيسة كلّها داخل وخارج مصر في نفس هذا اليوم..
وأضاف: «وفي استبيان أجراه أحد الآباء بكندا في أبريل الماضي 2015م بدون أي توعية أو شرح حول الموضوع جاءت النتيجة أنّ 60% يريدون الاحتفال يوم 25 ديسمبر بشرط أن تحتفل الكنيسة كلّها في يوم واحد وفي تقديري أنّه مع التوعية والشرح إذا أُجري هذا الاستبيان على نطاق أوسع ستأتي النسبة أكبر بكثير».
وتابع أنّه من ضمن المعلومات الخاطئة المتداولة حول ضبط التقويم القبطي وتعديل موعِد الاحتفال بعيد الميلاد، سيجعلنا نغيّر كلّ كتب الكنيسة وطقوسها وهذه أيضًا معلومة خاطئة تمامًا، فلن يتغيّر حرف من كتب الكنيسة أو طقوسها، وسنظلّ نحتفل بعيد الميلاد يوم 29 كيهك كالمعتاد وستظلّ جميع الأعياد بعد ضبط التقويم في موعدها القبطي كما هي، كلّ ما في الأمر أنّ 29 كيهك بعد ضبط التقويم سيوافق 25 ديسمبر وليس 7 يناير، وبالمناسبة هذا الوضع هو الذي كان موجودًا قبل عام 1582 ميلاديّة، وتغيّر عندما تمّ ضبط التقويم الغربي.
أما عن أنّ توحيد موعد الاحتفال بعيد القيامة أسهل من توحيد موعِد الاحتفال بعيد الميلاد فأكد القمص يوحنا نصيف خلال تصريحاته: أنه للأسف هذه المعلومة غير سليمة وليس لها نتيجة إلاّ تضييع المزيد من الوقت، فمع أنّي أنا شخصيًّا أؤيّد وأتمنّى توحيد وتثبيت موعِد عيد القيامة بحسب الاقتراح الذي تقدّمت به الكنيسة القبطيّة، لكنّي أرى أنّ الأمر صعب جدًّا من ناحية التنفيذ، لأنّه لابد أنّ كلّ كنائس العالم توافق عليه، وهذا صعب للغاية في العصر الحالي، هو يحتاج لمعجزة إلهيّة.
وتابع: «لأن الاحتفال بعيد القيامة مرتبط بحساب «الإبَقطي» الذي اعتُمِدَ في مجمع نيقية عام 325م، والاقتراح الذي تقدّمت به الكنيسة القبطية معناه إلغاء العمل بحساب «الإبَقطي» وهذا سيصطدم برفض كامل من كنائس كبرى كالكنيسة الروسيّة والكنيسة اليونانيّة، فلديهم حساسيّة شديدة من المساس بأيّة مُسَلّمات قديمة.. لأنّ الاحتفال بعيد القيامة مرتبط بأسبوع الآلام وظهور النور من القبر المقدّس، والاحتفالات التي تتمّ هناك لابد أن تكون في موعِد يَتّفِق عليه جميع الكنائس بلا استثناء، ومن هنا قلت أن التعديل المقترَح صعب جدًّا في التنفيذ».
أما عن احتفال الأقباط مع الكاثوليك بعيد القيامة في توقيت واحد كلّ أربع سنوات، فأكد الأب يوحنا نصيف أن هذه معلومة غير سليمة أيضًا، لأنّ حساب «الإبَقطي» لدينا مرتبط بالتقويم القديم (القبطي واليولياني)، وحساب «الإبَقطي» لدى الكاثوليك مرتبط بالتقويم الحديث (الغريغوري) فلذلك أحيانًا نحتفل معًا بعد سنة واحدة وأحيانا بعد خمس سنوات، وهكذا، فمَثَلاً المرّات التي احتفلنا فيها معًا في السنوات الأخيرة كانت أعوام: 2001 - 2004 - 2007 - 2010 - 2011 - 2014م، في عام 2017م، ثم نحتفل في أوقات مختلفة أعوام 18 و19 و20 و21.
أما عن أنّ قداسة بابا روما قد تفاهم بخصوص عيد القيامة مع قداسة البابا تواضروس، وليس عنده مانع من توحيد وتثبيت الموعِد، أكد القمص يوحنا نصيف هذه المعلومة قائلاً: «نعم، ولكنّ بابا روما يمثّل فقط كنيسته ولا يمثّل باقي كنائس العالم، وفي تقديري أنّ الاعتراضات ستأتي أكثر من جانب بعض الكنائس الأرثوذكسيّة».