علي جمعة: الإنسان المسلم يسعد بالطاعة ويشقى عند المعصية
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية، إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء خاتمًا للمرسلين، وداعيًا العالمين إلى ربهم، وإلى يوم الدين، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ورسالته تتوافق مع الفطرة الإنسانية، فيسعد الإنسان عند الطاعة ويشقى عند المعصية، حقًا إنه يلهو بما يشتهيه وبالأضواء اللافتة، لكنه يعود بعد ذلك إلى نفسه اللوامة، والله تعالى بين لنا في صدر (سورة الحجر) هذه الحقيقة، وبين لنا هذا التداخل بين المعصية والطاعة الذي قد يحدث في قلوب بعض الناس في الدنيا.
وتابع "جمعة" قائلًا: تفتتح السورة بحروف مقطعة، تثبت أن القرآن فوق الحروف وفوق الأصوات، وأن عقول البشر لن تبلغ منتهاه، ولن تصل إلى سر تأثيره دون ما سواه، فالقرآن كلام الرحمن، لا يستطيعه الثقلان، والقرآن فوق الأكوان، يعلو ولا يعلى عليه، فهو غالب لا مغلوب، لله لجلاله وجماله خشعت عقول، ولكم لانت لذكره وتذكرته من قلوب، سمعه أقوام فخروا للأذقان سجدًا يبكون وعندما عرفوا ما فيه من الحق فاضت له العيون.
وأوضح أنه كلام الله، حمل من الأسرار ما فوق ظاهرة من الحروف، وما فوق تلاوته بالأصوات وكله حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فأعجز الخلائق في لفظه وخطه ومبناه، كما أعجزهم في معناه ومرماه، نزل به الروح الأمين على قلب سيد الأولين والآخرين، ما أثقله، لولا أن الله سبحانه يسره بلسانه ليكون من المنذرين، وليكون ذكرًا للعالمين، ولا يزال الله عز وجل يمنح عباده من أنوار الفهم عنه فيه بقدر معلوم، ورزق من لدنه مقسوم، فتفاوت الناس بقدر تحمله شرفًا، وتفاضلوا بحسب علمه قدرًا، وتساموا بقدر فهمه مراقي ودرجًا، وأما الراسخون في العلم- وقالوا آمنا به كل من عند ربنا- فلا تسأل عن مكانتهم عند مليكهم تصديقًا وصدقًا: إنه بحق ميراث النبوة قائمًا باقيًا في هذه الأمة الغراء، وهل ورثة الأنبياء إلا العلماء. هجره أقوام وما لهم من ناصرين.
أما الصالحون فكان موردهم ومصدرهم، وما اتخذوا من دون الله وليًا ولا نصيرًا، بل اطمأنت بالذكر قلوبهم لما ساروا على بصيرة بفضل أنوار المنزل عليه صلى الله عليه وسلم في قوله الله تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف:196].