بسبب رسمة ساخرة.. معركة صلاح جاهين والإمام الغزالي تنتهي بتدخل نائب الرئيس
يصادف اليوم ذكرى وفاة شاعر ورسام البهجة الفنان الكبير صلاح جاهين، الذي ترك في أذهان جميع محبيه بصمة برباعيته واشعاره او كلمات أغانيه وحتى رسوماته الكاريكاتيرية.
عمل الراحل صلاح جاهين كرسام كاريكاتير في عام 1955 في مجلة روز اليوسف، ومجلة صباح الخير التي كان أحد مؤسسيها عام 1957، واشتهرت الشخصيات الكاريكاتيرية التي رسمها مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، وغيرها من الشخصيات.
و بسبب بعض تلك الرسومات التى كانت مؤثرة للغاية في الشارع المصري، خاض جاهين معارك فكرية وقضائية.
- رسمة تلوث مياه القاهرة
تم رفع أول قضية ضد جاهين بسبب كاريكاتير قام برسمه انتقد فيه تقرير حول نتيجة التحقيق بشأن تلوث مياه القاهرة، مما أثار ضجة كبيرة وقتها في الشارع المصري والعربي.
ولكن في تلك المعركة اصطف جميع المواطنين حول صلاح جاهين ضد المدعي العام والبوليس السياسي وقتها، ولكن بسبب حزنه من موقف الدولة ضده وقتها أصيب بمرض السكر، وأصيب بارتفاع في ضغط الدم، لأول مرة في حياته .
- رسمة كاريكاتيرية للإمام الغزالي تسبب أزمة
في عام 1962 تم عقد المؤتمر الوطني للقوى الشعبية برئاسة الرئيس الاسبق الراحل جمال عبدالناصر، وشارك في ذلك المؤتمر الإمام محمد الغزالي وطالب وقتها بتحرير القانون المصري من التبعية الأجنبية، وتوحيد زي المصريين، وضرورة احتشام المرأة القضاء على الملابس القصيرة والمايوهات، مما جعل بعض الجهات والصحافة ترى ان تلك المطالبات تمثل حجر على المرأة المصرية، وتراجع فكري كبير مع التقدم في عالم الموضة في ذلك الوقت في أوروبا التي كانت تعتبر مصر وجهة الموضة في العالم.
ورسم الفنان الراحل صلاح جاهين كاريكاتيرا، أثار ضجة وغضب عند الإسلاميين وقتها فقد رسم صورة الإمام الغزالي وهو يلقي كلمته بانفعال وقد وقعت عمامته على الأرض، وكتب تعليقا ساخرا كان "يجب أن نلغي من بلادنا كل القوانين الواردة من الغرب كالقانون المدني وقانون الجاذبية الأرضية".
غضب الشيخ الغزالي كثيرا من تلك الرسمة، وفي جلسات المؤتمر في اليوم التالي هاجم صلاح جاهين، ولكن قام صلاح جاهين بالرد عليه برسمة كاريكاتير أكثر سخرية.
بعد ذلك قام الإمام محمد الغزالي بالرد وشرح موقفه، وقال إن اعتراضه منصب على تبعية الشرق العربي لقانون فرنسي لا يعبر عن هويته، وأنه لا يهاجم العلم ونظرياته الثابتة كالجاذبية، وأنه لا يقبل سخرية صلاح جاهين من عمته الأزهرية، وأنه لم يركز على الأزياء وإنما جاءت هذه المسألة ضمن سياق عام تكلم فيه عن أشياء عدة كان موضوع الزي من بينها، و ختم كلمته قائلا إن هذا المؤتمر يعطي الحق لكل فرد أن يقول الكلمة الأمينة الحرة التي يجب ألا يُرد عليها بمواويل الأطفال في صحف سيارة ينبغي أن تحترم نفسها.
- محمد حسنين هيكل يدخل على خط الأزمة
ولكن لم تنته المعركة بين جاهين والغزالي فقط فقد دخل على خط المواجهات الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام وقتها ونشر في اليوم التالي في عامود "كلمة الأهرام" تعليقه في مقال، وكتب: "إن الأهرام تقدس الدين وتحترمه، لكنها ترفض محاولات الشيخ الغزالي أن يجعل من الخلاف في الرأي بينه وبين صلاح جاهين رسام الجريدة قضية دينية، وأن الجريدة تؤمن بحرية الرأي لذلك تنشر نص كلمة الغزالي احترامًا لحقه في إبداء رأيه مهما كان مختلفًا مع رأي الجريدة مع إعطاء الحق لجاهين أن يبدي رأيه هو الآخر فيما يقوله الشيخ".
وقام هيكل في الصفحة السابعة من جريدة الأهرام بنشر كاريكاتير لصلاح جاهين يصور أطفال بؤساء، وقد حملوا لافتة كتب عليها "أين الكساء يا مشرع الأزياء، لماذا لا تتكلم إلا عن ملابس النساء؟!" ليظهر الامام الغزالي وهو يقف امامهم ويصرخ فيهم ويقول مبتكلمش عنكم يا جهلاء لأنكم ذكور وما ظهر من جسمكم ليس عورة.
وتم نشر عدد كبير من رسومات صلاح جاهين الساخرة، بعنوان "تأملات كاريكاتيرية في المسألة الغزالية"، وفي إحدى الصور الغزالي وهو يركب حصان على طريقة أبي زيد الهلالي ووجهه مصوب نحو ذيل الفرس ويحمل رمح كتب عليه "الإرهاب باسم الدين".
فرد الإمام الغزالي على منبر المسجد وهو يلقي خطبة الجمعة مما جعل المصلين وأغلبهم من طلبة الأزهر يحملونه على أعناقهم، وتوجهوا به في مظاهرة إلى مبنى جريدة الأهرام وهتفوا ضد صلاح جاهين واعتبروه عدو للإسلام، وألقوا بالطوب على مبنى الجريدة وهشموا وجهته الزجاجية، مما أغضب حسنين هيكل من تلك التصرفات واتهم الإمام محمد الغزالي بتحريض المتظاهرين.
ونشرت الأهرام كاريكاتير لصلاح جاهين يصور فيه نفسه مع الغزالي في المحكمة وقد رشقه الإمام بخنجر كتب عليه "الإرهاب"، وكان على المسؤولين بعد ذلك التدخل الفوري والحاسم لفض تلك المعركة التي أصبحت تهدد الأمن العام، واتصل نائب الرئيس السيد كمال الدين حسين بمحمد حسنين هيكل، وطالبه تجاوز تلك الخلافات والتأكيد على احترام الدين وإجلاله كأمر يحرص عليه الجميع، والانصراف إلى مناقشة الميثاق، وطلب أيضا القيام بالتوسط بالصلح بين الإمام الغزالي والفنان صلاح جاهين.