الحجاب والذبح الشعائرى.. أسلحة مبارزة ماكرون ولوبان فى الجولة الثانية
يبدو أن مرشحة اليمين المتطرف في الإنتخابات الفرنسية مارين لوبان، بدأت تغير من برنامجها الانتخابي تجاه أصوات المسلمين، عبر تراجع لهجتها الحادة تجاه ارتداء الحجاب، الذي كانت ترفضه بشكل تام.
واليوم، أكدت لوبان، أنه لم يعد حظر الحجاب في الأماكن العامة الذي طالبت به مرشحة اليمين المتطرف سابقاً، على رأس أولوياتها في خطابها ضد ما تصفه بـ"التشدد الإسلامي"، وفق ما كشف معاونون لها قبل أسبوع من الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية.
ويوم السبت، قالت مارين لوبان التي ستواجه الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون في الدورة الثانية الأحد المقبل، إن الحجاب "مشكلة معقّدة"، مؤكدة أنها ليست "محدودة التفكير" وأن مشروع الحظر المثير للجدل هذا سيطرح للنقاش في الجمعية الوطنية.
تبدل المواقف
وردا على سؤال حول هذا التبدل في المواقف، أوضح الناطق باسمها سيباستيان شونو لقناة "بي إف إم تي في"، الأحد، أنه في سياق الجهود الرامية إلى التصدي لما وصفه بـ"التعصب الإسلامي"، يأتي حظر الحجاب في الأماكن العامة بعد احتواء "النزعة السلفية والتمويلات الموجهة لها".
وقال إنه في حال انتخاب مارين لوبان لتولي الرئاسة الأحد المقبل، ستكلف البرلمان بتحديد تفاصيل هذه المسألة، مشيرا إلى أن "البرلمان سيتولى هذه القضية ويقدم الحلول العقلانية كي لا تتأثر مثلا سيدة في السبعين من العمر تضع الحجاب منذ سنوات بهذا التدبير. فهي ليست الجهة المستهدفة. ونحن نستهدف المتشددين الإسلاميين".
احتدام الصراع حول الحجاب
ومنذ انطلاق المارثون الانتخابي، احتدم الجدل بين إيمانويل ماكرون ومنافسته مارين لوبان بشأن تعهد الأخيرة بمنع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، في ظل تنافس المرشحَين على كسب أصوات الناخبين المسلمين.
وتسعى مرشحة اليمين المتطرف لوبان إلى إلحاق الهزيمة بماكرون وإحداث أكبر خرق في تاريخ السياسة الفرنسية الحديثة في الجولة الثانية للانتخابات في 24 أبريل، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى اشتداد المنافسة بينهما رغم تصدّر الوسطي ماكرون.
رسم صورة أكثر اعتدالا
ويقول محللون إن أحد أسباب تقدم لوبان هو نجاحها في رسم صورة أكثر اعتدالا لها، وتقديم نفسها على أنها المرشحة الأكثر قدرة على التعامل مع مشاكل من بينها ارتفاع الأسعار.
لكن المرشحة اليمينية المعادية للهجرة تتمسك بتشددها حيال الحجاب، وتقول إنه في حال انتخابها فإنها ستفرض غرامة على النساء اللواتي يرتدينه في الأماكن العامة.
وفي غضون ذلك سعى ماكرون لاستغلال إصرار لوبن على هذه الفكرة للقول بأن سياساتها لا تختلف عن سياسات الجبهة الوطنية المتشددة التي أسسها والدها جان ماري لوبن.
صراع الذبح الشعائري
وقرار لوبين بخصوص الحجاب لا يمنع انزعاج كلاً من المسلمين واليهود في فرنسا بتعهدها بتنظيم طقوس ذبح الحيوانات إذا تم انتخابها.
والتقت شبكة ايه بي سي الأمريكية، بسيدة يهودية في فرنسا، والتي قالت بينما كانت تطهو الطعام، أنها تشعر بالآسى، من أن الرئيسة الفرنسية المحتملة مارين لوبان تغزو خصوصية منزلها وتتدخل في إيمانها اليهودي وأطباق الدجاج ونقانق الكوشر التي هي عليها القلي لزوجها وابنها البكر.
ذلك لأن المرشحة اليمينية المتطرفة تريد تحريم الذبح الشعائري إذا تم انتخابها يوم الأحد المقبل.
وأكدت السيدة اليهودية، إنها سيتعين عليها التفكير في مغادرة فرنسا إذا تدخلت حكومة يمينية متطرفة في اتباع النظام الغذائي لليهود الملتزمين، لافتة أن تخوفها هي والكثير غيرها، من أن في ظل حكم لوبان ، فإن استهداف اللحوم المذبوحة طقوسًا يمكن أن يكون مجرد بداية لخطوات لجعل اليهود والمسلمين الفرنسيين يشعرون بأنهم غير مرحب بهم.
تأرجح إيمانويل ماكرون
وبالرغم من تأرجح الرئيس الحالي بين الاشتراكية واليمين المتطرف من وقت إلى آخر، كما أنهم لم يعد لديه نفس الشعبية بين المسلمين واليهود مثل التي كان عليها في انتخابات 2017، نتيجة القرارات التي تم اتخاذها اتجاه الانفصالية الاسلامية في عام 2017، ولكن الوضع يؤكد أن الديانات المختلفة لا زالت تدعم ماكرون في مواجهة لوبين.
ويأتي ذلك من تأكيد ماكرون، خلال الانتخابات، التي وصفها الصحفيون الفرنسيون بـ "الجو السياسي السام" الذي شكله انتشار الأفكار العنصرية والتمييز الديني القادم من اليمين المحافظ واليمين المتطرف، بأن فرنسا ليست الدولة التي تمنع شخص من إقامة طقوس دينية خاصة به.
وفي خطابه في الجولة الأولى في 10 أبريل الجاري، روج ماكرون لمشروعه "التقدم والانفتاح والاستقلال الفرنسي والأوروبي". ووصف نضاله من أجل الترويج لما يسمى بـ "الهوية الفرنسية" والعلمانية بأنه "هوس" من قبل بعض الاشتراكيين والصحفيين الفرنسيين.
تابع ماكرون:" "أريد فرنسا التي تتحدى الانفصالية الإسلامية ولكن بالعلمانية ، يمكن للجميع أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا ، وأن يعبدوا ... وليست فرنسا التي تمنع المسلمين واليهود من الأكل على النحو الذي تحدده دياناتهم ، فهذه ليست نحن".
وهنا ، في إشارة إلى "الأكل على النحو الذي تحدده دياناتهم" ، يشير الرئيس الفرنسي إلى شهر رمضان ، وهو شهر الصوم والصلاة والمجتمع المقدس للمسلمين في جميع أنحاء العالم ، وإلى عيد الفصح بالنسبة لليهود.
ومنذ بداية رحلته إلى ولاية ثانية ، أشارت الصحف الفرنسية والمحللون السياسيون بانتظام إلى تأرجح ماكرون التدريجي من الوسط إلى اليمين، مؤكدين أنه نأى بنفسه تمامًا عن الآراء الاشتراكية التي دافع عنها بلا هوادة عندما تم انتخابه رئيسًا لفرنسا.
في 24 أبريل 2021 ، فرضت الحكومة الفرنسية إغلاق عشرات المساجد والمنظمات الخيرية الإسلامية في فرنسا المصنفة بـ "الانفصالية" على أساس قانون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب ، تلاها تنفيذ خلايا وزارية لـ محاربة الإسلاموية والانفصالية الطائفية. نتيجة لذلك تجمع المسلمون في باريس للاحتجاج على استبعادهم الاجتماعي.
ومع ذلك يرى المسلمون المهاجرون، أن قرارات ماكرون نبعت من العمليات الارهابية التي شهدتها فرنسا خلال العام الماضي، وسط موجة عنف غير مسبوقة، يقف ورائها أشخاص إرهابيون بمرجعية إسلامية.