احتفال بذكرى مئوية وإحياء لبطولات عسكرية.. قصة بناء مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية
في كل شارع من شوارع الإسكندرية توجد قصة وحكاية لشخص أو مبني، أرتبط به أهل المدينة، وأصبح جزءً من تاريخها وعراقتها، وتحظى مدينة الإسكندرية بالمساجد التراثية والأضرحة العديدة، والتي لكل منها رواية، وترصد «الدستور» خلال حلقات «وراء كل مسجد حكاية» في شهر رمضان المبارك، قصص المساجد والأضرحة وتفاصيل تشييدها.
عندما تمر من أمام كورنيش الإسكندرية بوسط المدينة تجد تحفة معمارية، تلتفت إليها دون أن تدري، بسبب روعة التصميم وشكل المآذنة المميز المتفرد، مسجد القائد إبراهيم، أو «جامع إبراهيم» أحد أشهر المساجد التي يعد علامة مميزة بعروس البحر المتوسط، الذي كان لبنائه قصة وهدف.
- قصة بناء مسجد القائد إبراهيم
قال الدكتور إسلام عاصم، أستاذ مساعد التاريخ المعاصر والحديث، ونقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، إن مسجد القائد إبراهيم، واحد من المساجد الهامة بمحافظة الإسكندرية الذي كان وراء بنائه قصة، وأنه لم يكن مخطط بناء أي مسجد في المنطقة التي شيد بها، حيث كانت منطقة خالية لفترة كبيرة وكانت تابعة للكرانتينا.
وأضاف «عاصم» لـ«الدستور» أن قصة المسجد بدأت مع تولي الملك فاروق حكم مصر رسميا عام 1936، وعند زيارته لمدينة الإسكندرية وتفقد شوارعها رأي المواطنين يفترشون ميدان محطة الرمل «سعد زغلول» للصلاة في الشارع، وكان هناك مطالبات من الأهالي بتواجد مسجد، فوجه الأوقاف ببناء مسجد في هذه المنطقة.-
وتابع أنه بعد تفكير استقرت الأوقاف في عام 1941، على بناء مسجد بمنطقة ميدان محطة الرمل أمام منشأة المعارف، وإطلاق إسم جامع «الميناء الشرقي» عليه لإطلالته على الميناء، ولكن ظهرت بعض المعارضات حينها، أولها أن المكان الذي خُصص للمسجد مساحته صغيرة، فضلًا عن أن تلك المنطقة بها محلات كثيرة و بعضها يبيع الخمور في تلك الفترة لذا اعترضت المحلات على إقامة المسجد في ذلك المكان، ليعقب ذلك إندلاع الحرب العالمية الثانية، والتي عانت الإسكندرية خلالها من مشاكل كثيرة لينتهي الأمر بعدم إنشاء المسجد بسبب الأحداث المتعاقبة.
-مئوية إبراهيم باشا وهدف سياسي سبب بنائه
وأوضح« عاصم» أن في عام 1948 كان هناك حدث هام، وهو الذكرى المئوية لوفاة إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا، وتوافق ذلك مع إقبال مصر على المشاركة في حرب فلسطين.
لذا قرر الملك فاروق إعادة فكرة بناء مسجد في مدينة الإسكندرية، يحمل إسم إبراهيم باشا تخليدا لذكراه، ووقع الاختيار على المكان الذي عليه المسجد الآن، والذي كان يقع أمام القنصلية البريطانية في تلك الفترة، حيث تم البدء في بناء المسجد عام 1948، بهدف إحياء ذكرى مئوية إبراهيم باشا، ورجوع فكرة القائد إبراهيم محارب الأسرة العلوية وتذكير الشعب بتاريخه، خاصة مع توافق توقيتها بدخول مصر حرب فلسطين، حيث كان الهدف من بناء المسجد هدف سياسي عن جدارة لبث الحماس في الشعب المصري.
- الإيطالي ماريو روسي صمم المسجد
وأشار إلى أن مصمم مسجد القائد إبراهيم هو المعماري الإيطالي ماريو روسي والذي أسند إليه بناء المسجد، عقب فترة انتهاء عمله في وزارة الأوقاف ولكن كان حينها مستشار لها، لافتًا أن هناك أقاويل بأن من صمم المسجد هو فهمي باشا المسؤول عن القصور الملكية، ولكن طريقة تصميم المسجد تؤكد أن "روسي" هو من قام بتشييد جامع القائد إبراهيم، حيث أن النجفة المميزة بداخل المسجد من تصميم ماريو روسي وهي إهداء الملك فاروق من نقود الملك الخاصة للأوقاف.
وتابع أستاذ مساعد التاريخ المعاصر والحديث، أنه عقب ما تم في حرب فلسطين أصبح الهدف السياسي الذي بني من أجله المسجد غير موجود، وتم الإنتهاء من المسجد في 1951، حيث أرسل الملك فاروق وزير الأوقاف مندوبا عنه لافتتاحه، وتم ذبح الذبائح وتوزيع لحومها على الفقراء، وتوزيع النقود على العمال، وافتتح المسجد في هدوء تام.
وأكد أن مسجد القائد إبراهيم، متميز لأنه جاء في فترة هامة من فترات ماريو روسي المعمارية، عقب تشييده مسجد المرسي ابو العباس، وسيدي تمراز، ومحمد كريم، والملك الصالح، فضلا عن مساجد القاهرة منها الثورة وعمر مكرم، وغيرها، لافتًا أن المسجد مسجل في مجلد التراث المعماري لمدينة الإسكندرية.
- وصف المسجد
أشار أستاذ التاريخ الحديث إلى أن «جامع إبراهيم »أحد أجمل المساجد، رغم أن مساحة المسجد ليست كبيرة، ويضم الجامع 3 مداخل 2 رئيسيين، ومدخل خلفي، يستخدم حاليا للدخول لمصلى السيدات، أما المئذنة فهي أحد أجمل المآذن المتواجدة في مساجد الإسكندرية، وتعد علامة من العلامات الرئيسية للمكان، ويعتبر هو أول مسجد في مصر يلحق بمئذنته ساعة.
أما شرفة المؤذن فقد صممت من الخشب، تم بنيت من الحجر بعد ذلك، وبداخل المسجد طرز مختلفة من الزخارف المميزة، فضلا عن القرميد الأحمر أعلى المسجد، فلم يبني قبة مثل القباب المعتاد عليها في المساجد، و استخدم «روسي» جميع الفنون الإسلامية، بداخل المسجد وصممه بمزيج بديع من العمارة الأيوبية والمملوكية، والعثمانية.
ويتواجد بداخل المسجد محرابين، المحراب الأول يتماثل مع محراب مسجد ابو العباس، والمحراب الثاني في المصلي الداخلي الثانوي هو نفس محراب مسجد الملك الصالح بالمنتزة، وهو ما يعد دليلا على أن من صمم مسجد القائد إبراهيم هو ماريو روسي، وأحد روائع المعماري الإيطالي.