سر اختفاء روايات الجواسيس.. هل يعيدها مسلسل «هجمة مرتدة»؟
أدب الجاسوسية يعد الحلقة المفقودة أو العنصر الذي مازال غائبًا في العالم العربي، فقد تحظى الرواية البوليسية باهتمامًا كبيرًا لدى العالم الأوروربي ومن روائدها أجاثا كريستى، بينما في العالم العربي فقد برع فيه رائدين من رواد الحركة الأدبية صالح مرسي، ونبيل فاروق، فقد تركا أثرًا كبيرًا من خلال الأعمال التي قدموها على مدار تاريخيهم.
فهناك الكثير من الأعمال التي مازالت عالقة في ذهن المواطن العربي، وأعمال خلد ذكرها التاريخ منها: دموع في عيون وقحة رواية من ملفات المخابرات المصرية، ورأفت الهجان بأجزائه الثلاثة، الحفار رواية الصعود إلى الهاوية، جميعها روايات من ملفات المخابرات المصرية، التى ترسخ احب الوطن.
ومع التطور السريع للحياة، فقد طرأ أنواع جديدة على الأدب العربي، فقد شهدت الأونة الأخيرة انحسارًا لما يعرف بأدب الجاسوسية، بعد رحيل رموزه الكبار أمثال صالح ونبيل، اللذين كانا يستمدان أعمالهما من ملفات المخابرات العامة المصرية، فلماذا اختفى هذا اللون الأدبي؟ وهل لايزال النقاد مصرين على اعتباره محرد كتابات بوليسية لا تنمتي للأدب بمفهومه العميق؟
"الدستور" التقت أدباء ونقاد للحديث حول أسباب انحسار أدب الجاسوسية وسر اختفائه على الساحة الأدبية خلال الفترة الأخيرة بعد رحيل رواده.
نهى داود: عاد من جديد بشكل يرضى شغف القراء
من جانبها، قالت الكاتبة نهى داود، المتخصصة في أدب الجريمة والرواية البوليسية، إن الأدب البوليسي انحسر لفترة ولكنه عاد الآن لينتشر وفي طريقه لأخذ المكانة والمساحة التي يستحقها على الساحة الأدبية، والتي ترضى شغف القراء.
وأضافت داود، أن هناك قراء كثيرون يحبون قراءة الرواية البوليسية وهى قليلة على الساحة، ولكن شرط ما يميزها أن تكون مكتوبة بشكل جيد، وموضحة أن العنصر الأهم في الرواية هو الصراع فهو أساس الرواية البوليسية، قالصراع ممكن يكون بين البطل وأفكاره أو قيمه أو دوافعه، أو ظروفه.
وأشارت إلى أن الرواية الجاسوسية أو البوليسية عالميًا تحظى بمكانة كبيرة للغاية، ولكن في العالم العربي يعتبرها بعض النقاد والكتاب من أدب الدرجة الثانية، لا تحمل معنى ولا فكرًا ولكن تعتمد على الإثارة والغموض.
هناء حسب: الرواية البوليسية تتمتع بجمهور كبير
من جانبها، قالت الكاتبة هبة حسب، صاحبة الرواية البوليسية "المجموعة أ"، إن الكتابة البوليسية لها جمهور كبير جدًا حتى منذ أيام أن كان الجمهور يكتم أنفاسه مع متابعة مسلسل القط الأسود، فالأعمال التي تحوي جريمة وتُغلف بالغموض تثير الحماس لدى القارئ والمشاهد على حد سواء.
وأضافت حسب في تصريحات لـ"الدستور" أن الإقبال على الكتابة البوليسية مازال موجودًا حتى وإن بدا قليلًا من حيث عدد الإصدارات، ولكن الإقبال على قراءة الأعمال البوليسية ربما يكون هو المختلف من وجهة نظري.
وتابعت: فالقارئ لم يعد بحاجة لجريمة غامضة كي يشعر بارتفاع الأدرينالين في دمه وبالإثارة وبحماس البحث عن القاتل، فالعالم حولنا أصبح بالفعل مليئًا بالجرائم الغامضة والأمور الغريبة التي ربما تتفوق في مفاجآتها على مفاجآت العمل الدرامي، لذا أعتقد أن جزء كبير من القراء الحاليين في حاجة للأعمال الهادئة التي تعبر عن مجتمع مستقر ربما يفتقده في الحقيقة.
يسرى عبد الله: أدب الجاسوسية يحتاج إلى المعلومات الموثقة
من جانبه، يرى الكاتب والناقد الدكتور يسري عبدالله، يحمل أدب الجاسوسية خصائص جمالية ومعرفية تميزه، ففضلا عن الإثارة والتشويق الدرامي واللعب على تقنية المفاجأة كما فعل صالح مرسي على سبيل المثال في أعماله المتعددة مثل: ( دموع في عيون وقحة، الحفار، سامية فهمي، رأفت الهجان)، وغيرها.
وتابع: أو الأعمال التي تركها المبدع نبيل فاروق، فإن هناك سمات أخرى عديدة تسم هذا النمط من الكتابة، وتجعله بمثابة السهل الممتنع، وقد لعب الكاتبان صالح مرسي ونبيل فاروق دورا مركزيا في الدفع بهذا النمط من الكتابة إلى آفاق رحبة، وإن كانت هناك فروق عديدة في زوايا التناول والطرح الأدبي بين الكاتبين الراحلين.
وأضاف في تصريحات لـ"الدستور" يحتاج ما يسمى بأدب الجاسوسية إلى استيفاء المعلومات الموثقة أولا، لأن الجانب التسجيلي جانب مركزي في هذا النمط من الكتابة، ولذا فهو يحتاج إلى قدرة واعدة على قراءة الملفات المتاحة والتعامل معها بمنتهى الدقة، وبأعلى درجات المسئولية الوطنية، خاصة أن الدلالات التي تحملها الأعمال الأدبية التي تنتمي إلى هذا النمط من الكتابة يجب أن تعزز داخل المتلقي قيم الانتماء والانحياز الكامل للوطن ولا شيء سواه.
وأشار إلى أن ما سبق يحتاج إلى حساسية أدبية خاصة في التقاط المعنى الجوهري داخل الحكاية وتعضيد المدلولات الإنسانية والوطنية فيها، والتعبير الجمالي عنها بطريقة فنية تجذب المتلقي من جهة، وتجعله شريكا فاعلا في إنتاج المعنى من جهة ثانية.
أبو شوشة: نحتاج إلى أدب الجاسوسية بشدة
بينما يرى الناقد الدكتور محمد سليم أبو شوشة، إننا فى احتياج تام لأدب الجاسوسية الآن، وكان صالح مرسي ونبيل فاروق لهما دور مهم جدًا ووطني، وكان الشباب يتعلقون بهم، فربما تكون مقتضيات مرحلة أو تأثير العولمة، أو تراجع فكرة الوطنية ومخترقات الثقافة، إضافة إلى الاتجاهات المضادة، وعلى العكس نجد الأدب الذي يحتاج الساحة الثقافية ويحدث نوعًا من الغزو وتمديد للرجعية وبث للأفكار الغريبة، كل هذه أمور تسببت في انحسار أدب الجاسوسية.
وأضاف في تصريحات لـ"الدستور" أن القضايا الوطنية والتحديات الوطنية أصبحت غير موجودة على الساحة، فهذا من الممكن أن يكون قد أثر في ذلك لافتا إلى أننا نجد أن مسلسل هجمة مرتدة عمل جيد ربما يكون لدينا كتاب سيبناريو جيدين، لكن هناك بعض المشكلات، فمصر لديها العديد من البطولات التى تحتاج أن تكتب، وتجسد لأعمال فنية، ولكن فى نفس الوقت المشكلة في المثقفين.
وأشار إلى أن الساحة الأدبية فى مصر منذ الألفنيات بها تغلل قوى للتيارات الرجعية، فهذه النوعية من الأدب تحتاج إلى تواصل مباشر مع المؤسسات للحصول على معلومات، وليس ضروريًا أن يرتبط أدب الجاسوسية بإسرائيل، فأي عدو فأي دولة أو أمة تواجهها تحديات كثيرة، فالجاسوسية ليست شرطًا للصراع المصري الإسرائيلي، باعتبار أننا فى معاهدة سلام.
وتابع أبو شوشة: أن هناك تحديات كثيرة تواجه الدولة، وعلى الجانب الآخر هناك بطولات كثير ة، وانجازات للمؤسسات العسكرية، وابسط دليل مسلسل هجمة مرتدة فهو فى منتهى الأهمية ومسلسل حقيقي، فهذه النوعية التي تتواصل مغ مؤسسات الدولة.
وتمنى أن تعمل الدولة على تنمية هذا النوع من الأدب لأنه ينمى الحس الوطنى وبخاصة مع الشباب الذين تم غزوهم خلال السنوات الماضية من التيارات الرجعية من الهرافة والسحر والشعوذة، لافتا إلى أن الأدب الجديد الذي سيجتاح الحياة المصرية شتت قيم البطولة وهدمها عن عمد، ويكون أدب إبداع.