«ركلة تونس للإخوان».. التنظيم الإرهابى يعانى كابوس «الخروج من قرطاج»
«ليلةُ الخلاص».. ساعاتٌ حاسمة شهدتها أروقة قصر قرطاج الرئاسي، لتطلق صافرة النهاية لحكم جماعة الإخوان وتبدأ جولتها الأولى في تحرير تونس من أغلال الجماعة الإرهابية التي عكفت على بسط نفوذها النيابي في عباءة حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي.
وفي أعقاب اجتماعٍ طارئ للقيادات العسكرية والأمنية، مساء الأحد الماضي، خرج الرئيس التونسي قيس سعيد، ليعلن حزمة من الإجراءات الاستثنائية لاسترداد الدولة التونسية وانتزاع السلطة من براثن جماعة الإخوان، لتسطر تونس الفصل الثاني من السقوط الأخير لأذرع الجماعة الإرهابية في الدول العربية لاسيما بعد الهزيمة الساحقة التي لحقت بها في مصر منذ عام 2013.
وبعد ثمانى سنوات من الهزيمة الأولى في مصر، تتجرع جماعة الإخوان مرارة الانكسار ثانيًا على يد الأشقاء التونسيين، آملين في استهلال عهدٍ جديد يطوي صفحة الجماعة الإرهابية إلى الأبد.
قرارت استثنائية عاجلة
في الساعة العاشرة مساء الأحد الموافق 25 يوليو 2021، ترأس الرئيس التونسي قيس سعيد، اجتماعًا طارئًا للقيادات العسكرية والأمنية بالعاصمة التونسية، حيث أعلن عن جملة من القرارات والتدابير الاستثنائية العاجلة، قضت بإدخال تغييرات سياسية في مقاليد السلطة بالبلاد.
ووفقًا لما ذكرته الرئاسة التونسية في بيانٍ لها عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، قرر الرئيس التونسي - بعد استشارة كلّ من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وعملًا بالفصل الـ 80 من الدستور- إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، من منصبه، تجميد عمل واختصاصات المجلس النيابي لمدّة 30 يومًا، رفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضاء مجلس نواب الشعب، تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة ويعيّنه رئيس الجمهورية.
كما أصدر الرئيس التونسي، أمس الإثنين، أمرًا رئاسيًا بإعفاء كل من؛ هشام المشيشي، رئيس الحكومة والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية، ووزير الدفاع الوطني إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان، وذلك ابتداء من أمس الأحد 25 يوليو الجاري.
وبهذه المناسبة، دعت الرئاسة التونسية، الشعب التونسي، إلى الانتباه وعدم الانزلاق وراء دعاة الفوضى، لافتة إلى أنه سيصدر في الساعات القادمة أمر يُنظّم هذه التدابير الاستثنائية التي حتّمتها الظروف والتي ستُرفع بزوال أسبابها، فيما قام الرئيس التونسي بجولة تفقدية في شارع الحبيب بورقيبة.
قرارات شرعية
وشدد الرئيس التونسي على أن القرارات الأخيرة ليست تعليقًا للدستور وليست خروجًا عن الشرعية الدستورية، وإنما يتم العمل بها في إطار القانون، محذرًا الذين يحاولون التسلل أو اللجوء إلى السلاح، وشدد قائلًا: «من يطلق رصاصةً واحدة ستجابهه قواتنا المسلحة العسكرية والأمنية بوابلٍ من الرصاص الذي لا يحدُه إحصاء».
وقال الرئيس قيس سعيد، في نص كلمته: «إن المسؤولية التي نتحملها وتتحملونها معي تقتضي منا عملًا بأحكام الدستور اتخاذ تدابير يقتضيها هذا الوضع لإنقاذ تونس لإنقاذ الدولة التونسية ولإنقاذ المجتمع التونسي».
وأكد: «نحن نمر بأدق اللحظات في تاريخ تونس بل بأخطر اللحظات ولا مجال لأن نترك لأحد أن يعبث بالدولة وبمقدراتها وأن يعبث بالأرواح والأموال وأن يتصرف في الدولة التونسية كأنها ملكه الخاص».
واختتم الرئيس التونسي كلمته مشددًا: «لا نريد أن تسيل الدماء وأنبّه لمن يعدون أنفسهم هذه الليلة ويوزعون الأموال في بعض الأحياء للحرق والنهب بأن القانون فوق الجميع وسيطبق عليهم».
منع الغنوشي من دخول البرلمان
في ساعةٍ مبكرة من صباح الاثنين، منع الجيش التونسي راشد الغنوشي وعددًا من النواب من دخول مبنى البرلمان، وذلك بعد قرار الرئيس قيس سعيد تجميد عمل مجلس النواب.
وتداول رواد موقع مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا لجدال النواب الممنوعين من دخول البرلمان ومعهم الغنوشي مع قوة من الجيش عند مدخل مقر المجلس، إلا أن التعليمات الأمنية أكدت أن مجلس النواب مغلق.
وفي أول رد له منذ إعلان تجميد البرلمان، رفض الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإخوانية، الاعتراف بقرار الرئيس قيس سعيّد، معتبرًا أن قرارات سعيّد «انقلاب على الدستور»، وقال إن «العمل سيستمر في المؤسسات التونسية».
بيان المشيشي
من جانبه، أكد رئيس الوزراء التونسي المقال هشام المشيشي تنفيذه قرار الرئيس قيس سعيد بإعفائه من منصبه، مشيرًا إلى أنه سيسلم المسؤولية إلى الشخصية، التي سيختارها رئيس البلاد.
وقال المشيشي في بيانٍ أمس: «من منطلق الحرص على تجنيب البلاد مزيد من الاحتقان في وقت هي فيه في أشد الحاجة إلى تكاتف كل القوى للخروج من الوضعية المتأزمة التي تعيشها على كافة المستويات فإني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أكون عنصرًا معطّلا أو جزءًا من إشكال يزيد وضعية تونس تعقيدًا، ومحافظة على سلامة كل التونسيين أعلن أنني أصطف كما كنت دائمًا إلى جانب شعبنا واستحقاقاته، وأعلن عن عدم تمسكي بأي منصب أو أية مسؤولية في الدولة».
الاتحاد التونسي للشغل
في اليوم التالي من القرارات الاستثنائية الأخيرة، عقد الرئيس التونسي، أمس الاثنين، لقاءً مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي.
وأصدر الاتحاد التونسي للشغل، الذي يمثل المركزية النقابية في البلاد، بيانًا بشأن قرار الرئيس قيس سعيّد، شدد فيه على ضرورة الحرص على التمسك بالشرعية الدستورية في أي إجراء يُتّخذ في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد ما يؤمِّن في النهاية إلى احترام الدستور واستمرار المسار الديمقراطي ويعيد للبلاد استقرارها.
وأكد الاتحاد، في بيانه، وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس بجملة من الضمانات الدستورية وفي مقدمتها ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية، وتحديد مدة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها حتى لا تتحول إلى إجراء دائم والعودة إلى مؤسسات الدولة وكذلك ضمان احترام الحقوق والحريات بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية دون تجزئة مع الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية والتشاركية في أي تغيير سياسي في إطار خارطة طريق تشاركية واضحة تسطّر الأهداف.
وفي ختام بيانه، دعا الاتحاد التونسي للشغل كافة الأطراف إلى وجوب النأي بالمؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية، إيمانًا منه بعراقة هذه المؤسسة ووطنيتها وتمسكها غير المشروط بحماية أمن البلاد، كما شدد على مراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليته.
ورفض بيان الاتحاد لجوء أي طرف إلى العنف، معربًا في الوقت نفسه عن رفضه القطعي لسياسة التشفّي أو تصفية الحسابات وضمان خروج سلمي من هذه المرحلة الدقيقة والصعبة.