مرصد الأزهر يكشف مناورات داعش على الفضاء الإلكتروني
كشف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف والإهارب عن كيف استطاع داعش الإرهابي المناورة علي الفضاء الإلكتروني، في دراسة له، قائلاً: في منتصف فبراير من العام الماضي، تنبَّأ الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" بالقضاء على تنظيم داعش في سوريا، كما أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بشكلٍ مفاجئ، في نهاية ديسمبر من العام ذاته، القضاء على هذا التنظيم، ولكن يبدو أنّ كلا التصريحيْن من باب المجازفة، حسبما ذكر المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI).
وفي دراسة حلل الباحثان "مارك هيكر" و"إيلي تينينبوم" ديناميكيات الحركات المتطرفة، التي بلغت ذرْوَتها في عام 2016، وأثبتت أنّ هذه الحركات المتطرفة قادرة على التكيّف، فحسبما أوضح الباحثان، فإن "صيحة النصر على داعش سابقة لأوانها إلى حدٍّ كبير، فالحركات المتطرفة قد أظهرت قدرة كبيرة على التكيّف".
وأضاف: تكمن خطورة التهديد الذي تفرضه الجماعات الإرهابية، لا سيّما فيما تُمارسه من "إرهاب إلكتروني"، حيث تستخدم الجماعات الإرهابية، مثل "داعش"، تقنيات تكنولوجية جديدة لإحداث أضرار كبيرة، وهذا التهديد يجب أن يُؤخذ على محمل الجد؛ لأنّ "الإرهاب الإلكتروني" في ظل ثورة العصر الرقمي، وتوافر التمويل، يمثل خطرًا داهمًا، علاوة على أنّ الجماعات الإرهابية، بفضل إجادتها استخدام التكنولوجيا الحديثة، ستستخدم هذه التكنولوجيا للدفاع عن قضيتها، ونشر فكرها المتطرف العنيف، وفي تخطيط أبشع المخططات الإرهابية في شتّى بقاع العالم وتنفيذها.
وتابع: كما أنها أيضًا تعتمد على "القرصنة" التي تلعب دورًا مُهِمًّا في اختراق شبكات التواصل الاجتماعي، وبث الرعب في نفوس غير المناصرين والمناهضين لأفكار تلك الجماعات، عن طريق استخدام الأنظمة المتطورة لإحداث أكبر قدر ممكن من الضرر، حتى وإن كانت تلك الجماعات الإرهابية تفتقر إلى الخبرة، فإنها تستطيع شراءها من خلال الشبكة العنكبوتية الخفية، حيث تتوفر أدوات الإجرام الإلكتروني.
ولفت إلى أنه على سبيل المثال، في الوقت الذي انتبهت فيه حكومات العالم إلى خطورة "التطرّف والإرهاب الإلكتروني"، وسعت دءوبةً للتصدي لتلك الظاهرة، نجد أن قراصنة "داعش" قد اخترقوا العديد من حسابات "تويتر" غير النشطة لأسابيع أو شهور، أو حتى سنوات؛ بهدف مواصلة الدعاية لصالح التنظيم، حيث تمّ نشر تغريدات موالية للتنظيم، كما قامت هذه الحسابات بإعادة نشر تغريدات من حسابات أخرى مناصرة للتنظيم.. كما حرص "داعش" على إعدادِ برامج إلكترونية تعليمية بالعديد من اللغات حول كيفية اختيارِ أفضل التطبيقات والبرمجيات المخصصة للمتطرفين، أو الباحثين عن التطرف، وغالبًا ما تكون موجَّهة للبلدانِ التي مَزَّقَتْها الحروب، أو البلدانِ النامية؛ حيث تنتشر فيها الهواتف الذَّكية على نطاقٍ واسع، على عكس أجهزة الحاسب الآلي.
وفي المقابل، قام موقع "تويتر" بإغلاق غالبية هذه الحسابات، ورغم ذلك، فإن بعض هذه الحسابات لا تزال نشطةً حتى اليوم، علمًا بأن معظم عناوين البريد الإلكتروني التي يديرها المخترقون هي عناوين قديمة جدًا، بل منتهية الصلاحية، تم إعادة استخدامها؛ لإنشاء حسابات جديدة على "تويتر".
وبشكلٍ عام، فإنّ القراصنة ليسوا في حاجة إلى إنشاء عناوين بريد إلكتروني جديدة، بل يعتمدون على تلك العناوين الخاملة، بالإضافة إلى أنّ بعض هذه الحسابات كان بها عشرات الآلاف من المشتركين.. ولغلق هذه الحسابات العديدة التي تبث مواد دعائية لصالح التنظيم يلزم طلب مساعدة من بعض تطبيقات الرسائل، مثل "هوت ميل"، أو "ياهو"، ليتم حذف المزيد من هذه الحسابات، كما هو الحال على موقع "فيسبوك"؛ حيث يقوم الموقع بانتظام بعملية فرز للحسابات لضمان مصداقية هذه الحسابات.
كما أنه في السنوات الأولى من ظهور موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، لم يكن تأكيد عنوان البريد الإلكتروني موجودًا خلال تدشين حساب على "تويتر"، وهو ما يُسهل عملية اختراق هذه الحسابات، والتي من خلالها تُبث رسائلَ تحمل محتوى يحضّ على ارتكاب أعمال عنف، وهو ما يدق ناقوس الخطر بشكل مستمر.
وللهروب من سياسات مكافحة "التطرّف الإلكتروني"، التي تنتهجها كُبرى المنصات الإلكترونية، من خلال سلسلة من الإجراءات، والخطوات الملموسة للقضاء على المحتوى الإرهابي، والمتطرّف على الإنترنت، وعدم استخدام الشبكة العنكبوتية كأداة من قِبَلِ الإرهابيين- فإننا نجد مُرَوِّجي الدعاية الداعشية يهتمون بشكل متزايد بتطبيقات الرسائل الفورية الخاصة بدلًا من المنصات العامة لشبكات التواصل الاجتماعي، مثل تطبيق "روكت شات "Rocket Chat"، وتطبيق "ديسكورد Discord"، وذلك بعد سنوات من استخدام المواقع والصفحات المستضيفة للمنصات العامة شبكات التواصل الاجتماعي لنشر دعايتها، مثل موقع "تمبلر" "Tumblr"، وهي منصة تدوين اجتماعي تسمح لمستخدميها بالتدوين على شكل نص، أو صورة، أو ملفات فيديو، أو روابط، أو أقوال، أو محادثة، أو حتى ملفات صوتية، يستطيع مستخدمها متابعة باقي المستخدمين، فتظهر تحديثاتهم على حسابتهم الخاصة.
من جانبها، تقول السيدة "ريتا كاتز"، المتخصصة في شئون الإرهاب، والعضو المؤسس في "رابطة البحث عن الكيانات الإرهابية الدولية"، إنّ "المنصات الرئيسية مثل "فيسبوك"، و"تويتر"، و"يوتيوب"، و"تليجرام"، أصبحت تستقبل عددًا قليلًا من نشطاء "داعش"، ولذلك أعاد تنظيم "داعش" التركيز على تطبيقات المراسلة الخاصة بالشركات، وألعاب الإنترنت المباشرة، كما حاول التنظيم تدشين صفحات ثابتة على مواقع "تمبلر" "Tumblr"، و"وردبريس دوت كوم" "Wordrpress.com"، ولكن دون جدوى!!
مما سبق يتضح أنّ "داعش" يحاول أن يتكيّف مع الأوضاع الراهنة، ويصمم على تواجده باستمرار عبر الشبكة العنكبوتية نظرًا لأهميتها، من خلال خطاب يستهدف التأثير بكافة الوسائل المرئية، والمقروءة، والمسموعة، في عواطف الشباب ومشاعرهم؛ لأنه الطريق الأكثر فاعلية في الحصول على أدمغتهم، ومن ثَمَّ غسلها، لذا يجب على كافة مؤسسات الدولة التكاتف من أجل توفير منصات للخطاب البديل يكشف خطورة التطرف، ويقدم بدائل وحلولا لمشاكل الشباب، لا سيما الشباب المتخبط، والباحث عن حلول على الشبكة العنكبوتية.
ولتحقيق ذلك يجب الاستعانة بمتخصصين يكونون على دراية تامة بمشاكل الشباب، ولديهم القدرة على التواصل معهم بلغة سهلة، ومبسطة.. هذه المنصات الإلكترونية والإعلامية يجب أن تعتمد على كافة الوسائل، والتقنيات التكنولوجية الحديثة، لترسيخ القيم الإنسانية، وثقافة الحوار، والتسامح والاختلاف.