طلاب الأزهر الوافدون يكشفون أكبر عوائق محاربة الفكر المتطرف في بلادهم
هناك عوائق كثيرة تقف أمام نشر الإسلام الوسطي في البلاد الإسلامية غير الناطقة بالعربية، وتقف اللغة على رأس أهم هذه المعوقات، فعدم القدرة على قراءة النصوص الشرعية يقف حائلا أمام فهم رسالة الإسلام باعتبار أن اللغة هي وعاء الدين والحضارة، ثم يأتي بعد ذلك إشكالية أخرى بعد تعلم القراءة والكتابة وهي فهم النص على مراد الله تعالى، ويعلب الأزهر دورا محوريا في حل هذه الإشكالية أمام طلابه الوافدين الذين يمثلون سفراء لنشر وسطية الإسلام في بلادهم.. خلال السطور التالية التقينا نخبة متميزة من هؤلاء الطلاب.. فماذا قالوا؟
اللغة العربية أولى العقبات
في البداية، قال الباحث النيجيري أحمد تجاني بمرحلة الدكتوراه في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، إن إشكالية اللغة من كبرى المعوقات التي يواجهها المسلمون في نيجيريا والبلاد الإسلامية غير الناطقة بالعربية، فاللغة هي الوسيلة لفهم الإسلام، وهي أهم آليات نشر الدعوة الإسلامية.
وأكد أن مصر تلعب دورا كبيرا في مساعدة المسلمين غير الناطقين بالعربية على فهم لغة دينهم خاصة في الأزهر الشريف والمؤسسات التابعة له، ولا تكتفي هذه المؤسسات بتعليم الوافدين قواعد اللغة العربية فقط، بل تمتد أيضا إلى مناهج متخصصة تتزامن معها للفهم الوسطي المتكامل للكتاب والسنة الذي ينأي بالدارس عن السقوط في براثن الجماعات المتطرفة والإرهابية.
وأضاف أن الجماعات المتطرفة تستغل جهل المسلمين في بلادنا باللغة العربية، التي نزل بها الكتاب والسنة فيحرفون النصوص عن حقيقيتها؛ سواء بالترجمة المغلوطة للنص، أو التفسير المشوه لها بما يخدم أغراض الجماعة، وقد تعلمنا في الأزهر الشريف كيفية رد هذه التحريفات إلى أصولها وبيان تزييف هذه الجماعات وهو أصبحنا نمتلكه من أدوات منهجية تعلمنا أصولها على يد أساتذتنا في الأزهر الشريف.
إشكالية فهم النصوص
ويتفق معه الباحث التونسي وليد أبو القاسم الطالب بالدراسات العليا في كلية الدعوة بجامعة الأزهر، فيقول:
نعم اللغة هي وعاء النص، والأزهر الشريف يوفر للباحثين فيه منهجا متكاملا لفهم النص؛ من خلال تعليم اللغة العربية وقواعدها أولا، ثم يضع أسسا وضوابط للتعامل مع النص للوقاية من الفهم المغلوط للنصوص وهذا هو الفارق بين الأزهر وغيره؛ لأنه بهذه الصورة المتكاملة يوفر للدارسين الوافدين الآلية الصحيحة لفهم النص كما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بغير تحريف أو تشويه.
وأضاف ابو القاسم: أن أهم شيء بعد تعليم اللغة العربية، هو شرح وتفسير النصوص الشرعية بشكل صحيح بعيدًا عن التشويه الذي تتبناه الجماعات المتطرفة، ومما يدل على أهمية هذه النقطة هو أن تونس دولة عربية، واللغة العربية هي اللغة الرسمية بها ورغم ذلك فإن الإحصائيات تشير إلى أن تونس تأتي على رأس الجنسيات الأكثر انتماء لتنظيم داعش الإرهابي، وهذا يؤكد أنه لابد أن يتزامن مع تعلم اللغة العربية آليات أخرى ومناهج توضح النص في ضوء الكتاب والسنة وبالفعل هذا ما يتعلمه الدارسون في الأزهر.
ويوضح الباحث الطاجكي عبدالله شكران الطالب في مرحلة الماجستير بقسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة الأزهر، أن المناهج التي يدرسها الوافد في الأزهر الشريف مبنية على أساس متكامل، لبنتها الأساسية اللغة العربية، لأنها بالفعل أولى العقبات التي تواجه غير الناطقين بها من المسلمين، بجانب فهم النصوص الشرعية وهاتان أهم المداخل التي يستخدمها المتطرفون في نشر أفكارهم سواء عند غير الناطقين بالعربية أو العرب على حد سواء، فعدم القدرة على قراءة النص تعتبر حائلا أوليا للوصول إلى الإسلام، باعتبار أن اللغة وعاء الدين، التي تشمل نصوصه الشرعية الصحيحة، كما يمثل عدم فهم النص بعد القدرة على قراءته العقبة الثانية في الوصول إلى مراد الشرع، وبالتالي فإن هاتين الثغرتين هما الأساس الذي تستغله الجماعات المتطرفة في اجتذاب أتباعها ونشر أفكارها المشوهة للدين.
وأضاف شوكران: والحقيقة فإن الأزهر الشريف وضع منهجا واضح الملامح متكامل الأركان للتغلب على هذه العقبات، فأتاح لنا دراسة اللغة العربية وقواعدها من ناحية، ومن ناحية أخرى، أتاح لنا دراسة النصوص الشرعية في ضوء الكتاب والسنة من خلال العلوم الشرعية المختلفة بشكل عام ثم التخصص في هذه العلوم بعد ذلك.
قراءة القرآن
ويقول مسلم محمد من جمهورية انغوشيا الطالب بالدراسات العليا بجامعة الأزهر: إنه بالفعل لم يكن يستطيع أن يفتح المصحف الشريف، ولم يكن يجيد العربية قراءة ولا كتابة وهو ما كان يشعره بالألم الشديد لأنه لا يستطيع القيام بفرائض دينه على الوجه الصحيح.
وأضاف مسلم أن هذا هو السبب الأساسي الذي جعله يلجأ إلى الدراسة في الأزهر الشريف، مؤكدا أنه بدأ الدراسة في 2015، وبفضل الله ختم القرآن الكريم كاملا الآن وأخذ إجازة في قراءته.
أسر الوافدين في الأزهر
وعن الرعاية التي يتلقاها أسر الوافدين في الأزهر يقول طه عبدالرحمن مدير مبنى الأسر بجمعية سفراء الهداية للطلاب الوافدين بالازهر، إن الأزهر يحمل على عاتقه عبء توصيل رسالة الإسلام لغير الناطقين باللغة العربية من خلال استقبال الطلاب الوافدين وتوفير المناخ اللازم لهم من أجل حمل رسالة الإسلام الوسطي إلى بلادهم التي تقف في وجه الفكر المتطرف والمنحرف الذي حملته الجماعات المتطرفة إلى هذه البلاد.
واشار إلى أن هناك الكثير من الوافدين الذي يأتون لطلب العلم في الأزهر الشريف وتكون لهم ظروف خاصة وهي أن لهم أسرا، مكونة من زوجة وأبناء، ونوفر لهذه الفئة الكثير من الخدمات التي تتيح لهم التفرغ لتحصيل العلم، وأهم هذه الأمور توفير الإقامة والدعم العلمي.
وقال لدينا في الجمعية عشرات الأسر والدارسين من 21 جنسية مختلفة خاصة من وسط آسيا وإفريقيا وهناك بروتوكول مع الأزهر لحمايتهم من الوقوع في يد الجماعات المتطرفة من خلال برنامج متابعة شهري يحصل الطالب فيه على التوجيه الشرعي المناسب من خلال أساتذة الأزهر المتخصصين في كل العلوم الشرعية.
وتضع الجمعية شروطا قاسية لقبول الطلاب وأسرهم، تبدأ بخضوع الوافد لجلسة مناقشة يتم خلالها التعرف على أفكاره من خلال لجنة تضم أساتذة وعلماء من الأزهر الشريف، ثم يخضع لفترة اختبار 3 أشهر يتم خلالها متابعة نشاطه، ويخضع الطالب لدورات تدريبية وتربوية وعلمية توفر له الجو الملائم للتفوق العلمي الذي يعتبر شرطا أساسيا لقبول الاستمرار في الجمعية والاستفادة من خدماتها المختلفة التي تتمثل في الرعاية الاجتماعية له ولأسرته خلال فترة الدراسة، وقد حصل لدينا الطالب سفيان خالد من نيجيريا على المركز الثاني في مسابقة أفضل صوت في القرآن الكريم ولدينا عشرات الطلاب في مرحلة الدكتوراه والماجستير والدراسات العليا وجميعهم بفضل الله متميزون نتيجة البرامج المكثفة التي يخضعون لها.