خطاب صفحة إسرائيل في مصر حول حرب الاستنزاف
إخفاق جديد يحسب للمصريين بهزيمة الدبلوماسية الرقمية للعدو
في ضوء المنهجية المتبعة يبدأ عادة تحليل أي خطاب سواء أكان إعلاميا أو سياسيا من العنوان، وتطبيقًا على ذلك اتخذت في مقالي هذا من صفحة "إسرائيل في مصر" على مواقع التواصل الاجتماعي دراسة حالة لإخضاعها للتحليل الإعلامي المنهجي الذي يعتمد في الأساس على استراتيجيات التأثير والإقناع وينحي العواطف جانبًا.
وللوهلة الأولى فجاذبية اختيار العنوان نفسه للصفحة الرسمية التابعة للسفارة الإسرائيلية لدى مصر، باعتقادي قد أسهمت في دفع الكثير من المصريين على اختلاف مستوياتهم الثقافية إلى متابعة الصفحة دون أن يخطر في أذهانهم دلالة العنوان الظاهر والمسكوت عنه للصفحة.
فمن خلال تحليل المحتوى الظاهر لاسم الصفحة نفسه، نجد أن المعنى الظاهر يتمحور حول وجود موطأ قدم رسمي لإسرائيل في مصر وهذا الأمر بطيعية الحال مقبول من الناحية الدبلوماسية الرسمية بحكم اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين.
أما الأمر المسكوت عنه في تحليل عنوان الصفحة فإنه يخفي بين طياته معنى دلاليا وكأن إسرائيل لا تزال محتلة مصر ولم تنسحب من سيناء بعد العبور العظيم وتوقيع اتفاقية السلام عام 1979.
ففي العموم أي من الصفحات الرسمية للسفارات في مختلف دول العالم تطلق صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي بلسم السفارة والبلد التي تعمل لديها، ولكن الأمر مع السفارة الإسرائيلية لدى القاهرة بات مختلفًا من الناحية الظاهرية وبالطبع المسكوت عنها في تحليل دلالات العنوان.
وللانتقال إلى نقطة أخرى حتى لا أطيل على القارئ، فما خفي بالفعل كان أعظم ففي إحدى الأبحاث الإعلامية التي قمت بإعدادها في السنوات الأخيرة بحث جاء بعنوان "اتجاهات محافل التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي نحو مصر دراسة في تحليل المضمون"، توصلت من خلاله إلى نتائج بشأن العلاقات الإسرائيلية - المصرية خلصت إلى أن نشاط السفارة الإسرائيلية لدى مصر كان موضع انتقاد حتى من قبل الباحثين الإسرائيليين المتخصصين في الشأن المصري بمعهد دراسات الأمن القومي، حتى إن السمات والأدوار المنسوبة للسفير الإسرائيلي الحالي نفسه ديفيد جوفرين كانت سلبية، وذلك على خلفية إخفاقه في توطيد العلاقات بين البلدين.
فهذا الأمر قد دفعني حقًا لالتماس العذر لإخفاق أدمن صفحة" إسرائيل في مصر"، خاصة بعد تغريدته التي نشرها على موقع التواصل بتاريخ 22 أغسطس الجاري حول حرب الاستنزاف والتي أضافت إخفاقا إعلاميا جديدا ينضم إلى اخفاقات أخرى في الحجج والاستراتيجيات الإقناعية لخطاب السوشيال ميديا الإسرائيلية لإقناع الجمهور المصري المستهدف بتحسين صورة إسرائيل والقبول بالتطبيع الشعبي معها.
فقد جاءت هذه التغريدة التي نشرتها صفحة إسرائيل في مصر مؤخرًا ردًا على مقال نشر بعنوان "مهمة استطلاع خلف خطوط العدو عبر الشعر العبري"، بقلم الدكتور إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات الصهيونية والأدب العبري بكلية الآداب جامعة عين شمس، وهو ما أثار انتقادات صفحة "إسرائيل في مصر"، حيث كتبت إجمالا في ردها تقول "كانت حرب الاستنزاف حرب معاناة كبيرة وخسائر فادحة للجانبين.. من الجيد أن نرى أن الصحف المصرية تكتب عن الشعر الإسرائيلي. ومع ذلك، من الأفضل أن تكتب عن جميع الأغاني الأخرى التي كُتبت في هذه الأوقات، بما في ذلك أغنية "أغنية من أجل السلام" الشهيرة التي كُتبت في عام 1969".
ففي إطار تحليل البعد الزماني لنشر تغريدة الصفحة الإسرائيلية بشأن حرب الاستنزاف، نجد أن اختيار الصفحة للتعليق على مقال الدكتور البحراوي على وجه الخصوص لم يأت مصادفة بل كان اختيارا دقيقا وموفقا من الأدمن لاختيار الموضوع الذي كان يظن أنه موائم من ناحية الزمان والسياق لتوجيه دعوة منه للصحفيين والمتخصصين في الشأن الإسرائيلي والأدب العبري لتناول الإيجابيات في العلاقات بين البلدين والتغاضي عن السلبيات الواردة حتى في المنشورات والأدب العبري التي تظهر فشل إسرائيل وانهزاميتها في حرب الاستنزاف التي بدأت في مارس 1969 حتى أغسطس 1970.
وعن تحليل المحتوى الضمني لخطاب صفحة إسرائيل في مصر، كانت الحجج الاقناعية التي اعتمد فيها أدمن الصفحة في تغريدته تركزت بالأساس على الاستمالات العقلانية، إلا أن السحر قد انقلب على الساحر فالحجاجية التي اعتمد عليها خطاب الصفحة ردًا على مقال الدكتور البحراوي تركزت حول فقط أغنية من أجل السلام مقابل كم هائل من الأعمال لكتاب وأدباء إسرائيليين تعبر عن مدى فشل إسرائيل وسياساتها العدوانية التي تندرج تحت مسمى " أدب الحرب".
فهذه الأغنية التي اتخذ منها أدمن الصفحة حجاجية خطابه، كان الهدف منها تحسين صورة إسرائيل لدى المصريين على اعتقاد منه اننا نجهل الأدوات الإقناعية التي تدحض كل حجاجية خطاب الدبلوماسية العامة الإسرائيلية بل وتقلب السحر على الساحر.
فهذه الأغنية التي اتخذ منها الأدمن لصفحة إسرائيل في مصر حجاجية مضادة لدحض حجاجية الدكتور البحراوي الذي استشهد بعدد من الاعمال الإسرائيلية الأدبية التي تؤكد انهزامية إسرائيل في حرب الاستنزاف، قد أثار غنائها أثناء الحرب انتقادات واسعة بين أوساط قيادات الجيش الإسرائيلي، حيث اعتبرها البعض أنها بمثابة أغنية انهزامية وحظروا دخول فرقة ناحال والاستماع إلى الأغنية نفسها في القيادة المركزية بالجيش.
علاوة على ارتباط هذه الأغنية بحادثة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق يتسحاق رابين عام 1995، حيث وقع رابين على القصيدة أثناء المسيرة التي شارك فيها بحضور وزراء يوم وفاته لدفع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وظلت الصورة التي تعرض صفحة كلمات الأغنية في حافظته غارقة بالدماء بعد اغتياله، وبالتالي عن أي سلام تتحدث القصيدة التي استعان بها الأدمن في ظل دعاوى القتل لكل من يحاول تحقيق السلام.
علاوة على ذلك، فقد وجه أدمن صفحة إسرائيل في مصر حديثه إلى الصحفيين والمتخصصين في الشأن الإسرائيلي قائلًا: "ندعو الصحفيين إلى التعلم من الشعب الإسرائيلي نفسه، دون حواجز، ولمعرفة كم يحب الشعب الإسرائيلي السلام"، فهكذا كان الخطاب الظاهر للصفحة أم الخطاب المسكوت عنه، فقد دفعني للاستشهاد بما ورد عن مقال دكتور "داليا نوري"، الباحثة بمعهد ترومان لأبحاث السلام بالجامعة العبرية عام 2014،حيث كتبت تعقيبا على الاحتفال بالذكرى الـ35 على توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل تقول: هذا اليوم لم يحظَ بالدخول إلى تقويمنا لهذا العام، كونه "يوم السلام". في المقابل، فإن حضور الحروب واقعيا في الخطاب الإسرائيلي هو بلا شك دليل واضح على الأسرلة.
وفي النهاية أود القول إنه ما بين أغنية من أجل السلام وحقائق الانهزامية يتوالى فشل الصفحات الرسمية الإسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي في تحقيق أهدافها المرجوة بتحسين صورة إسرائيل من جهة واقناع الجمهور المصري المستهدف من جهة أخرى بالتطبيع مع إسرائيل.
*المتخصصة في تحليل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي