خطر البعد الثقافي للعولمة
ويعني بث قيم ومبادئ ومعايير نموذج معين وجعله نموذجًا كونيًا يجـب تبنيه وتقليده. وهذا ما جعل العولمة في جانبها الثقافي تمثل خطرًا حقيقيا، وربما نقارنها بالاحتلال العسكري الذي فرض ثقافته على الشعوب بحكم القوة المباشرة. فقد صاحب ظاهرة العولمة في الآونة الأخيرة، موجات إعلانية؛ لتهيئة الأجواء أمام مستقبل أفضل لكل قادر على أن يرسم لنفسه طريقا في هذا العالم الجديد الذي بدت ملامحه تتفتح في إطار ما يعرف بالشراكة الدولية أو الأيدولوجيا الواحدة على امتداد الخطوات الثقافية.
إلا أن هذه الظاهرة جعلت إمكانية نمـو الثقافــات القومية، والعربية على وجه الخصوص أمرًا صعبًا، كما جعلت الأقوياء والأغنياء أكثــــر قدرة على التدخل أو العدوان على ثقافـات الشعوب الضعيفة والفقيرة. إن العولمة الثقافية أساسها قيام القوى المهيمنة على النظام العالمي باختيار المجالات التي تتمتع فيها بميزة نسبية، وتركز عليها، فالتغير هنا مفروض من جانب واحد وفي اتجاه واحد. فهناك محاولة لفرض القيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الليبرالية على المجتمعات الناميـة أو المتخلفة. فهي تهـدف إلـى إقصـاء وتهميش الثقافات المحلية.
إن السعي إلى فرض هيمنة ثقافة واحدة تكون نتيجته إمـا انتهاء الثقافة الأضعف وذوبانها، أو تقوقعها حول نفسها، أو تفتيتهـا لصالح جماعات داخليـة، أو خارجية، مما يشجع على الانقسامات ويؤدى في النهايــة إلى صـراع الثقافـات والتطـرف الفكري، وانتشار العنف والإرهاب الدولي،. ولعل ما تمر به الأمة العربية الآن يؤكد ذلك، إلا أن ذلك لا يعني أننا نقف مكتوفي الأيدي بل لابد من مواجهة ذلك بكل حسم، وهو ما يتم بالفعل علي ارض الواقع؛ بهدف الحفاظ علي الهويه المصرية والعربية. وبات البحث عن آليات تقوية ونمـو الثقافــة القومية لمصر بخاصة، والعربية بعامة أمرًا ملحا، بل وأمن قومي.