أفريكوم: داعش استثمر الفقر في غرب إفريقيا لتعزيز نفوذه فيها
قالت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، "أفريكوم"، إن هناك مؤشرات قوية على تغلغل نفوذ تنظيم "داعش" الإرهابي في منطقة غرب إفريقيا من الناحية السياسية والمجتمعية.
واعتبرت "أفريكوم"- ومقرها مدينة شتوتجارت الألمانية- في تقرير لها، أن تنظيم داعش في غرب إفريقيا المنسلخ عن عباءة حركة بوكوحرام المتطرفة في نيجيريا قد تحول شيئا فشيئا إلى "قوة متوسعة ذات طموح سياسي وثقل مجتمعي"، برغم كل النجاحات العسكرية التي حققتها القوات النيجيرية لمكافحة أنشطة التنظيم وحلفائه، وفي مقدمتها بوكوحرام، خلال الأعوام الـ3 الماضية، الأمر الذي يؤكد أن مواجهة إرهاب هذا التنظيم لن يتم بقوة السلاح فقط بل بقوة التحصين الفكري والتعليمي والتنموي أيضا.
ويرى الجنرال توماس والدوزر، قائد القوات الأمريكية في إفريقيا، أن مكافحة إرهاب تنظيم داعش وتمدده في غرب إفريقيا تحتاج إلى ما هو أبعد من العمل العسكري والقتالي، وشدد على ضرورة إيلاء حكومات غرب إفريقيا ومنطقة الحوض التشادي اهتماما أكبر بتقديم الخدمات الصحية والتعليمية لأبناء المناطق النائية في دولهم، وعدم ترك الفراغ الخدمي للحكومات الوطنية ليشغله داعش، والعمل على إفقاد هذا التنظيم الإرهابي جاذبيته في أعين السكان المحليين، وذلك قبل أن يتحول إلى قوة سياسية موازية للحكومات الوطنية ذات تأثير بفضل ما تقدمه لهم من فرص للتشغيل وكسب الرزق لإخراجهم من دائرة الفقر الذي يعيشونه بسبب غياب أدوار حكومات الدول تجاه مواطنيها في هذا الجزء من القارة السمراء.
ورصدت "أفريكوم" تمددا لنشاط تنظيم داعش انطلاقا من مناطق شمال شرق نيجيريا باتجاه دول الحوض التشادي العظيم في غرب إفريقيا، وعلى رأسها جمهورية النيجر، التي استطاع مقاتلو التنظيم إلهاب شريط حدودها مع نيجيريا بعمليات قتالية متوالية منذ مطلع العام الجاري.
وقالت سامنثا ريو، الناطقة باسم "أفريكوم"، في معرض تقديم التقرير التقييمي نصف السنوي لأنشطة الإرهاب في إفريقيا للعام 2019، إن تنظيم "داعش" يحاول الحلول محل مؤسسات الدولة في المناطق التي استطاع بسط سيطرته عليها في غرب إفريقيا، وإنه من خلال هذا النهج صار التنظيم قادرا على حشد الأتباع، وشراء الذمم والولاءات، وتهريب الأسلحة والذخائر لمقاتليه، وتأمين الملاذات الآمنة لهم والحاضنات الاجتماعية اللازمة لذلك.
والتقى تقرير "أفريكوم" في هذا المنحى مع تقرير تقييمي آخر، صدر مطلع الشهر الماضي، عن مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية، تتخذ من واشنطن مقرا لها، أكدت فيه نجاح تنظيم داعش في إعطاء سمة مميزة لنفسه عن باقي الحركات المسلحة التي تعج بها إفريقيا، وأن السر في ذلك هو نجاح التنظيم في كسب ولاءات السكان المحليين من خلال أنشطة تنموية تصب في حياة السكان المحليين اليومية عجزت الحكومات عن تقديمها، مثل حفر آبار مياه الشرب النقية، وتقديم الخدمات الطبية، بل وتقديم الخدمات ذات الطابع القضائي في التحكيم فيما ينشب بين القبائل المحلية الإفريقية من خلافات على المراعي والأراضي والأملاك، وتقديم التعليم الأولي لأطفالهم، وهو الباب الذي استطاع التنظيم من خلاله النفاذ إلى أفكار الناشئة والصغار مثلما استطاع تثبيت مكانته في نفوس الكبار.
كما نبه تقرير "أفريكوم" إلى خطورة ممارسات تنظيم داعش في مناطق سيطرته في غرب إفريقيا في مجال الرعاية الاجتماعية للفقراء، وذلك من خلال جمع الإتاوات المالية من وجهاء القبائل وأثريائها ورجال أعمالها، وتقديم المساعدات المالية لفقراء مناطق سيطرته، الأمر الذي خلق ارتباطا قويا بين التنظيم وعموم أبناء المناطق في غرب إفريقيا، وغالبيتهم من الفقراء، وهو ما مكنه من تجنيد معظمهم كمقاتلين أو اجتذاب الباحثين عن فرصة عمل أيا كانت، ولو وصل الأمر إلى العمل كمسلحين لحسابه.
وقدرت "أفريكوم" إجمالي القوة العسكرية لتنظيم "داعش" في غرب إفريقيا بما يتراوح بين 3500 و5000 مسلح، وكشفت عن أن الجانب الأعظم من تسليحهم لا يعدو كونه "غنائم حرب" في مواجهات مجموعات التنظيم مع التشكيلات العسكرية والأمنية التي تلاحقه.
وأكدت "أفريكوم"، في تقريرها، استمرارها في تقديم الدعم اللازم لمكافحة إرهاب داعش للقوات المسلحة وقوى الأمن في بلدان غرب إفريقيا، وفي مقدمتها نيجيريا ودول الحوض التشادي، مشيرة إلى أن بناء قواعد لتشغيل الطائرات المسيرة في جمهورية النيجر يصب في هذا الاتجاه بهدف تحسين الخدمات الاستطلاعية اللازمة لمكافحي الإرهاب، كما ألمح التقرير في هذا الصدد إلى إمكانية إنشاء مزيد من قواعد تشغيل الطائرات المسيرة في عدد من بلدان الإقليم.
وكانت القيادة الإفريقية في القوات المسلحة الأمريكية قد قللت من تواجد أفراد الجيش الأمريكي في منطقة غرب إفريقيا لمهام مكافحة الإرهاب، وذلك على خلفية كمين النيجر في العام 2017، والذي أوقع 7 قتلى من العسكريين الأمريكيين برصاص المتشددين المسلحين، وعلى إثر هذه العملية وإزاء ضغوط الرأي العام الأمريكي في الداخل، قررت "أفريكوم" سحب 300 من أفراد مشاة البحرية المتخصصين في مكافحة الإرهاب من منطقة غرب إفريقيا، وفي المقابل تعزيز أنشطة التدريب، ونقل الخبرة إلى الشركاء في الجيوش وقوى الأمن في القارة.