د. أحمد عبدالدايم: انفتاح بين مصر وإفريقيا فى عهد السيسى وأهدينا لهم الأزهر..( حوار)
اهتمام
مصر بإفريقيا لم ينقطع منذ بداية التاريخ
دور
مصر في انتشار الإسلام في القارة السمراء كبير
للسودان
وإثيوبيا خصوصية لدي مصر لعدة أسباب
أمننا
القومي مرتبط باستمرار فيضان النيل
قال الدكتور أحمد عبد الدايم محمد حسين،
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بكلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة، يربط
مصر بإفريقيا تاريخ مشرف طويل، فقد نشرت مصر الإسلام بها، كما أهدت لها الأزهر بأروقته،
مؤكدًا أن مصر لم تغب عن إفريقيا إلا فى مجال الدبلوماسية الرئاسية فقط، وسرعان ما
عاد بشكل قوي في عهد الرئيس السيسي حيث شهدت العلاقات عمقا أكبر في جميع المجالات.
وأضاف "حسين" في حواره لـ"
أمان"، أن كل الذين حكموا مصر يعرفون أن حكمهم مرتبط بضمان استمرار فيضان النيل
واستمرار وصول المياه للأراضى المصرية، وإلى نص الحوار:
هل يمكن أن يلعب المحدد التاريخى دورا مهما
فى التخديم على سياستنا الحالية؟ وهل معرفة هذا التاريخ والتوعية به هى أمر واجب فى
الانطلاقة الحادثة الآن نحو إفريقيا؟
لدينا تاريخ عميق ومشرف في إفريقيا، حيث
تربط بين البلدين علاقات متبادلة، في كافة المجالات، السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي
والتعليمية، فقد صدرنا لها الثقافة السياسية، فى شكل تنظيمات الدولة وخلق مؤسساتها،
وصدرنا لها الرغبة فى الاستكشاف والتعرف على المجهول، بالوصول لبلاد الصومال ورحلة
نخاو حول إفريقيا فى عصر الفراعين.
وفى العصر الحديث، منذ عهد محمد على، وبعد أن وصلت مصر إلى عمق إفريقيا، وأصبحت لها حدود حتى جنوب خط الاستواء، وبلاد الحبشة شرقا ومع كينيا جنوبا، حيث تم رفع العلم المصري في تلك المناطق، وتم اكتشاف بحيرات منابع النيل، أدخلنا لإفريقيا العمران فى مختلف نواحييها، وأدخلنا لها الحداثة فى شتى مفرداتها، عبر التعليم الحديث والمدارس والطب والعلاج فى المستشفيات، وأنشأنا لها السكة الحديد والبوستة والتلغراف.
ورسمنا أول خريطة للنيل من البحر المتوسط
إلى منابع النيل، وقمنا برصد أول كسوف مرئى فى إفريقيا فى دنقلة السودان، ونظمنا الحدائق
فى شمال أوغندا والمديرية الاستوائية، وأدخلنا المطابع، ووفرنا الكتب والجرائد، وشاركنا
فى أول صدمة حضارية فى إفريقيا فترة الإمبراطورية المصرية فى القرن 19.
وفى الفترة المعاصرة منذ الحرب العالمية
الاولى وحتى الآن قمنا بنصرة ليبيا فى فترة الاحتلال الايطالى، وقمنا بنصرة إثيوبيا
فى فترة الاحتلال الايطالى 1935-1941، ووقفنا ضد الأحلاف العسكرية وتمددها فى شمال
إفريقيا وجنوبها وشرقها منذ نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات.
هل لمصر دور كبير في انتشار الإسلام في
القارة؟
لمصر دور كبير في انتشار الإسلام في إفريقيا،
إضافة إلي الدور الذي يلعبه الأزهر في إفريقيا من إرسال قوافل دعوية، ومبعوثين لنشر
صحيح الإسلام، كذلك يدرس في الأزهر 2437 طالبا وافدًا من القارة بمنح دراسية، وشهد
عام 2018، 2019 تخصيص 767 منحة، فيما وصل عدد الوافدين من غير المنح من أبناء القارة
6500، وبدأ الأزهر مرحلة جديدة بمضاعفة المنح الدراسية إلي 1600 خلال عام 2019،
2020.
لماذا تغيبنا طويلا عن القارة السمراء؟
نحن لم نغب عن إفريقيا إلا فى مجال الدبلوماسية
الرئاسية فقط، وخلال الفترة من 1995 وحتى 2011، أى منذ محاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك
وحتى قيام ثورة 25 يناير 2011، وأعتقد أننا عدنا بعدها بشكل قوى، وبصورة تم تعظيمها
بعد ثورة 30 يونيو 2013، وخصوصا فى فترة رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ 2014 وحتى
الآن، فقد سعت نحو تنمية العلاقات مع كافة أشقائها الأفارقة، لاسيما دول حوض النيل،
وعلى استعادة الدور المصري في إفريقيا.
هل الاهتمام المصرى بإفريقيا في الفترة
الحالية مرتبط بالظروف السياسية الدولية والإقليمية المحيطة؟
لم ينقطع اهتمام مصر بإفريقيا منذ بداية
التاريخ المكتوب وحتى الآن، بل إن ما تمر به قارتنا الإفريقية من تحولات سياسية وسيوسيولوجية
وتقنية وثقافية، يستدعى منا التعرف على واقع تلك التحولات المتلاحقة، ورسم صورة لكيفية
التغلب على التحديات التى تواجهها، وما سنقوم به خلال سنة تولينا رئاسة الاتحاد الإفريقى
ما هو إلا عبارة عن تظاهرة ثقافية هدفها لا يقتصر على تثمين دورنا، ليس فقط فى المجال
السياسى والأمنى والعسكرى والاقتصادى.
فهذا الدور الذى ستلعبه مصر خلال هذه السنة
لن يقتصر على مسائل التواصل والانفتاح والحوار بين الخبراء والمشتغلين بالعمل الإفريقى
وبين الشعوب والثقافات الإفريقية، بل سيصب فى توطيد العلاقة بين مؤسسات العمل المدنى
والحكومى المشتغلة بالعمل الإفريقى وبين نظيراتها الإفريقيات.
هل ترى أن أمننا القومي جزء منه مرتبط بتنمية
القارة فى شتى المجالات؟
أمننا القومى مرتبط بمياه النيل وبتوفير
مناخ الاستقرار والأمن جهة الجنوب والغرب والشرق، بل إن أمننا القومى لم يرتبط اليوم
بإفريقيا، بل كان المصري القديم يعرفه ممتدا حتى مدينة الخرطوم الحالية، وحتى بلاد
بونت في الصومال، وإن كل الذين جكموا مصر يعرفون أن حكمهم مرتبط بضمان استمرار فيضان
النيل واستمرار وصول المياه للأراضى المصرية، بضمان علاقات طيبة مع دول النيل عبر عصور
التاريخ المختلفة.
كيف ترى منظمة الاتحاد الإفريقى الآن؟ وهل
لعبت دورا إيجابيًا فى التقريب وحل النزاعات فى القارة؟
أعتقد أن دور الاتحاد أصبح فاعلا أكثر مما
كان عليه في فترة منظمة الوحدة الإفريقية، فالقيادات الإفريقية الجديدة لا تحمل عقد
النقص وهواجس عودة الاستعمار القديم لاحتلال إفريقيا من جديد، لكن أحلام هؤلاء القادة
لا زالت أقل من طموحات شعوبهم، ومع ذلك، نجح الاتحاد عبر مبادرة 2020 المختصة باسكات
البنادق في التخفيف من الصراعات التى كانت منتشرة في القارة وحصرها، والتخفيف من وطأتها.
ولاشك أن حرص الاتحاد على توفير قوة إفريقية
جاهزة سيقلل أكثر من حدة النزاعات ويخمدها، وأعتقد أن الاتحاد يمكنه أن يلعب دورا إعلاميا
مهما في توفير مراسلين إعلاميين عبر القارة لتقريب سياسات الاتحاد للشارع الإفريقى،
وليقرأ هؤلاء المراسلون المشهد السياسى والاقتصادى والثقافى، وينقلوه للشارع الإفريقى،
دون أن يتم توجيه تهمة له من قبل الأنظمة السياسية بأنه يعمل ضدها أو عكس أهدافها.
بل يمكن للاتحاد أن يعمل على إنشاء قمر
صناعى إفريقى من خلال وكالة الفضاء التى أعلن عنها في القريب، لتبادل الصور الإعلامية
والأفلام الوثائقية والمسلسلات والمواد المعرفية والثقافية بين الدول الإفريقية بعضها
البعض، عبر القنوات التى سيحملها هذا القمر الصناعى.
لماذا توجد خصوصية للسودان وإثيوبيا في
السياسة الخارجية المصرية؟
يطول شرح الحديث عن الاهتمام المصرى بالسودان،
ويصعب حصره، إلا أننا نختزل مظاهره عدة أمور أبرزها: متابعة الإدارة المصرية مع السودان
لكل المشروعات المائية التي تقام في دول حوض النيل على مجرى النهر بهدف ضمان عدم المساس
بحصتها المائية، واهتمامها بموضوع الربط الكهربائى وربط السكك الحديدية ومكافحة الإرهاب.
وأولت مصر اهتماما كبيرًا بالشأن السوداني
فى المحافل الدولية، حيث قامت من خلال عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي بتبني
جميع القضايا السودانية، ودعمت القرارات الأممية التي تصب في تحقيق مصالحها وقضاياها
العادلة، أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وخلال عضويتها في مجلس السلم والأمن الإفريقي
والدولى.
وأيضا موافقة الدولتين مصر وإثيوبيا على
تبنى رؤية مشتركة قائمة على احترام حق كل منهما في تحقيق التنمية دون المساس بحقوق
الطرف الآخر، حيث سعت مصر لتطوير العلاقات مع إثيوبيا، فى إطار إعمال مبدأ المنفعة
المشتركة، دون الإضرار بأى طرف، موضحًا أن القيادة السياسية المصرية والإثيوبية قطعتا
شوطًا مهمًا على صعيد بناء الدولة، وتجاوز أى تحديثات مشتركة. لكن حين تعنتت إثيوبيا
فى شان سد النهضة اقترحت الادارة المصرية مشاركة البنك الدولي، كطرف محايد في مفاوضات
اللجنة الثلاثية الفنية.
ما اقتراحاتك لحل مشاكل القارة وإعطاء دور
أكبر لمصر فى هذا الشأن؟ لاسيما وأن مصر كانت أحد قادة حركات التحرر وكان لها اليد
الطولى فى الستينيات؟
لا تحصل مصر على مكانتها في إفريقيا لدورها
التاريخى، ومكافأة على ما قدمته لإفريقيا عبر عصور التاريخ المختلفة، فمساهمة مصر فى
ميزانية الاتحاد الإفريقى بنسبة 12% من إجمالى مساهمة الدول الأعضاء، يجعلها على رأس
الدول الخمس الأكبر مساهمة في ميزانية الاتحاد.
والذي سيجعل لمصر دور أكبر في حل مشاكل القارة الإفريقية خلال الفترة المقبلة، هو تقديمها العديد من المبادرات الأفريقية داخل الإتحاد، واستضافتها للعديد من المؤسسات الإفريقية، وفاعليتها فى التجمعات الاقتصادية الإفريقية ومبادرة النيباد، ورغبتها الصادقة فى تعزيز حركة التجارة البينية، وزيادة التدفقات الاستثمارية، وفتح المزيد من الأسواق، ودعم تنمية البنية التحتية، مركزة على أن سياستها الخارجية تقوم على تأسيس علاقات متوازنة ومنفتحة مع جميع الدول، وأنها لا تتآمر ولا تتدخل فى شئون الدول الأخرى، وأنها تسعى إلى البناء والتعاون والتوصل إلى تسويات سياسية للأزمات القائمة بالشرق الأوسط وإفريقيا.