رسالة بالأزهر تكشف مدي تأثر الحركات الإصلاحية في الفكر الديني اليهودي والمسيحي بالإسلام
ناقشت كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية، جامعة الأزهر، رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراه، موضوعها " الحركات الإصلاحية في الفكر الديني اليهودي والمسيحي، ومدي تأثرها بالإسلام (نماذج وأنماط)، المقدمة من الباحث أحمد عبد الله أمين إسماعيل المدرس المساعد بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية.
وقال الباحث خلال رسالته العلمية، أن الإسلام كدين إلهي لا يتعارض مع رغبات الإنسان وميوله، وإنما يضبطها، ويوجهها لتصب في النهاية في خدمة وصالح الإنسان، كما أن الإسلام يُقدم في المباديء السلوكية والأخلاقية تشريعًا إلهيًا متكاملًا، تصلح عليه المجتمعات البشرية كافة، ويُمكِّنها من معالجة أخطائها وانحرافاتها وفق هديه وفي ضوء ما جاء به من عقيدة وشريعة وأخلاق.
وأضاف إسماعيل أن أبرز الخصائص التي تفرد بها الإسلام عن غيره من سائر الأديان أن رسالته هي الرسالة الوحيدة التي سلمت من تدخل البشر وتحريفاته، فقد تولي الله تعالي حفظ مصدرها بنفسه، أما بقية الرسالات الأخري (اليهودية والنصرانية) فقد أُسند حفظ مصدرها إلي أتباعها، فغيّروا وحرّفوا وبدّلوا، وأدخلوا فيها ما ليس منها، وتأثرت هذه الرسالات بتأثيرات وثنية خرجت بها عن الصبغة الإلهية.
وأوضح أنه تأثرت اليهودية في مراحل تاريخها المختلفة بعدد من الأديان الوثنية التي اعتنقتها الأمم المحيطة بها، فلم يستطع بنو إسرائيل أن يستقروا علي عقيدة التوحيد الخالص لله رب العالمين،وكان اتجاههم إلي التجسيم والتعدد واضحًا في جميع مراحل تاريخهم المختلفة، وبالنسبة للنصرانية فقد ترك المسيح رسالته نقية خالصة من كل الشوائب والتحريفات، ولكن لم تمض سنوات علي رفعه حتي أخذت الوثنية ومظاهر الشرك تتسرب إلي رسالته شيئًا فشئ حتي شوهتها وغيّرت معالمها وخرجت بها عن جوهر الرسالة الإلهية إلي ديانة جديدة اختلط فيها الحق بالباطل.
وتابع: وفي ضوء ما سبق يمكن القول بأن: أتباع كلٍ من اليهودية والنصرانية قد تأثروا واقتبسوا من عقائد وحضارات الأمم الوثنية المحيطة بهم، لكنهم لم يقتبسوا من تلك الأمم سوي عيوبها وخرافاتها وأخس ما في حضارتها، وقد تغلغل هذا التأثير داخل عقائد اليهودية والنصرانية وأفكارهما حتي أصبحت كلًا منهما مسخًا مشوهًا من مختلف المناهج والمذاهب والأديان الوضعية.
ويري الباحث أنه رغبة من بعض أتباع اليهودية والنصرانية في تنقيتها مما لحق بها من شوائب، وما أُدخل فيها من تحريفات، فقد ظهرت في كلًا منها عدد من الحركات الإصلاحية التي تمردت علي تلك الأفكار التقليدية الموروثة التي أُدخلت إلي اليهودية والنصرانية وهي ليست منها، وتبنت تلك الحركات مناهج وأفكار إصلاحية تنادي بضرورة العودة إلي الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد – علي الرغم من تحريفه ورفض أقوال وتفسيرات وتعاليم الأحبار والبابوات، وقد تأثرت تلك الحركات الإصلاحية بالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقًا، كما تأثرت بالفكر والثقافة الإسلامية، لا سيما وأن الإسلام هو المصدر الصافي الذي لم تشبه أي شائبه، ولم تطله يد التحريف والتبديل.
وتتطرق الباحث خلال رسالته للحديث عن نماذج من الحركات الإصلاحية التي نشأت في الفكر الديني اليهودي وبيان مدي تأثرها بالإسلام، ومن هذه النماذج:
أولًا:حركة القرائين اليهودية: أو (الحركة اليهودية القرائية) التي تمثل أكبر احتجاج على اليهودية التلمودية حتى العصر الحديث، حتي وُصفوا بأنهم (بروتستانت اليهودية)، وقد نبتت جذور هذه الحركة وترعرعت في بيئة إسلامية خالصة، وأينعت ثمارها في ظل أزهي فترات الازدهار الحضاري الإسلامي، حيث نشأت في كنف الدولة الإسلامية في العراق في القرن الثامن الميلادي، وتعتبر نتيجة مباشرة للتأثير الإسلامى، أوعلى الأقل فقد طورت أفكارها وآرائها نتيجة لهذا التأثير، وقد وصل هذا التأثر في مرحلة من المراحل حدًا أثر علي عقيدة بعض هؤلاء فتحوّلوا إلي الإسلام.
ثانيًا: حركة اليهودية الإصلاحية: هي حركة دينية يهودية نشأت في القرن التاسع عشر في ألمانيا الغربية وفي وسط أوروبا، وقد دعت هذه الحركة إلي ضرورة اندماج اليهود في مجتمعات الدول التي يعيشون بين ظهرانيها، وانهاء حالة الانغلاق والعزلة التي عاني منها اليهود واستمرت لسنوات طويلة، كما اعترفت هذه الحركة بالأديان الأخري، وبالكتب المقدسة لهذه الأديان، كما اتخذت اليهودية الإصلاحية موقفًا رافضًا لعقيدة أرض الميعاد، وغيرها من الدعوات القومية، وعارضت النزعة العنصرية السائدة في الفكر اليهودي التقليدي، وقد غالي أتباع هذه الحركة في بعض آرائها وأفكارها فخرجوا بها عن المسار الإصلاحي وأصبحوا أدعياء إصلاح وليسوا مصلحين بالفعل، وقد تأثرت هذه الحركة في بعض آرائها بالإسلام تأثرًا غير مباشر.
وأشار الباحث أن التأثير الإسلامي لم يكن قاصرًا علي الفكر الديني اليهودي فقط، بل امتد هذا التأثير ليشمل الفكر الديني النصراني أيضًا، وتظهر صورة هذا التأثير الإسلامي بوضوح في العصور الوسطي التي تمتد من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الميلادي، فقد عاني نصاري أوروبا خلال هذه الفترة زمنًا طويلًا من الظلم والذل والهوان بسبب تسلط الكنيسة الغربية، حيث شهدت هذه الفترة سيطرت البابوية على شئون الحياة فى أوروبا، وهيمنتها على الجوانب الدينية والاجتماعية والثقافية، كما بالغت في فرض آرائها عليهم مبالغة تجاوزت حد الغلو، فجعلت كل رأي يخالف رأيها كفرًا.
وذكر الباحث أن الكنيسة ادًعت أنها فوق العقل وفوق المساءلة، وأنها ممثل الله على الأرض، وأن رجالها ملهمون ومعصومون من الخطأ، وأعلنت وصايتها على العقل الأوروبى وحددت له الإطار الذى يسمح له بالتحرك فيه، فجعلت المصادر الرئيسية للعلم والمعرفة هى الكتاب المقدس وسير القديسين وقرارات المجامع الكنسية، وكانت محاكم التفتيش التى أُسست سنة 1231م هي سلاحها في سبيل إحكام سيطرتها علي عقول أتباعها ورعاياها، فكانت محاكم التفتيش تُلاحق من ينشر نظريات أومعلومات لا تقرها الكنيسة، وتسميهم بالهراطقة والمشعوذين، ووضعت ما يعرف بفهرست الكتب المحرمة على النصاري، وفي سبيل إتمام سيطرة الكنيسة الغربية على عقول الملايين من أتباعها فقد قامت بإحراق الكتب والمخطوطات، وتم تزوير البعض الآخر ليتفق مع آراء الكنيسة.
وتهدف هذه الدراسة إلي محاولة إبراز بعض نماذج وأنماط للحركات الإصلاحية في الفكر الديني اليهودي والنصراني وبيان مدي تأثر تلك الحركات بالإسلام، وذلك للوقوف علي الأتي:
أولًا: إبراز عظمة الإسلام وإظهار قوة تأثيره، وبيان ما تركه المسلمون الأوائل من أثر في فكر معاصريهم من أصحاب الرسالات والأديان الأخري، وبيان عوامل الجذب الإسلامي.
ثانيًا: بيان أن للبيئة أثرها الواضح في تشكيل وجدان الداعية أو المصلح، فهؤلاء المصلحون اليهود والنصاري الذين ظهروا في الشرق أو الغرب وقامت علي أيديهم تلك الدعوات الإصلاحية قد تأثروا بشكل كبير بالبيئة الإسلامية التي نشأوا فيها أو احتكوا بها.
ثالثًا: الرد علي شبهات المغرضين والمشككين من المستشرقين وغيرهم ممن يحاولون عبثًا التشكيك في ألوهية المصدر الإسلامي، والزعم بعدم أصالته، فقد تعالت بعض الألسنة التي تزعم كذبًا أن الإسلام ما هو إلا مسخ مشوه من اليهودية والنصرانية، وتقليد أعمي لما جاء في التوراة من شرائع وأحكام، ولما ورد في الأناجيل من أخلاقيات وآداب، فيحاول الباحث من خلال هذا البحث إثبات كذب تلك المزاعم وبيان تهافتها وتهاويها بالحجة والبينة والبرهان، ومقارعة الدليل بالدليل، فالإسلام إلهي المصدر، لم يتأثر بغيره من الرسالات السابقة عليه، وإنما أثر فيها وفي أتباعها.
رابعًا: تفنيد ودحض المزاعم القائلة بنقاء الفكر الديني اليهودي والنصراني.
خامسًا: تنبيه اليهود المعاصرين إلي فضل الإسلام والتراث الإسلامي علي اليهود واليهودية.
سادسًا: تنبيه المسلمين إلي قوة دينهم وعظمته وتعريفهم بفضله علي اليهودية والنصرانية وسائر الأديان الوضعية أيًا كان مسماها، وبيان الدور الإيجابي الذي لعبته الثقافة الإسلامية في خدمة الحضارة والتراث الإنساني كله.
سابعًا: كما تتضح أهمية دراسة هذا الموضوع من أنها تكشف عن روح التسامح التي كانت سائدة في ظل الحكم الإسلامي، وقبول الدولة الإسلامية لمبدأ التعددية الدينية.
وقد تكونت لجنة المناقشة والحكم علي الرسالة من: الدكتور مرسي شعبان السويدي،أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية المتفرغ وعميد الكلية السابق" مشرفًا أصليًا"، والدكتور محمد محمد عبد العزيز يحيي، أستاذ ورئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بالكلية، مشرفًا مشاركًا، والدكتورعطية مصطفي حسين، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية ووكيل الكلية، مناقشًا داخليًا، والدكتور أحمد حسين إبراهيم أستاذ الأديان والمذاهب ووكيل كلية الدعوة بالقاهرة،مناقشًا خارجيًا.
وقد أوصت اللجنة بمنح الباحث أحمد عبد الله أمين إسماعيل المدرس المساعد بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بالكلية درجة العالمية الدكتوراه بتقدير (مرتبة الشرف الأولي).