قراءة الخارجية البريطانية لمظاهرات الاسكندرية خلال ثورة 1919
لم تكن مدينة الاسكندرية ببعيدة عن مشاركة بقية المدن المصرية خلال ثورة 1919، فقد تفاعلت مع أحداثها ومجرياتها بقوة منقطعة النظير.
غير أن تخصيص زاوية مستقلة لأخبارها عبر وثائق الخارجية البريطانية للحديث عن فعالياتها وتطوراتها، يشى بخصوصية مظاهراتها وتميزها.
لكن المدهشفى القراءة البريطانية لمظاهرات تلك المدينة، أنها ظلت مشتعلة ومتدفقة،ولم يتم السيطرة عليها حتى نهاية عام 1919. وربما كان تخصيص وثائق الخارجية البريطانية لعناوين مستقلة عنها بعد حادثة 31 أكتوبر 1919 وما تلاها منأحداث، يؤكد على أن المدينة كانت لها طبيعة خاصةفى التعامل خلال فترة الثورة. حيث نقلت لنا تلك الوثائق أحاديثًا متناثرة حول فشل القوات البريطانيةفى التعامل مع تلك المظاهرات، وقالت بأنه كلما كانت القوات البريطانية تسعى لتفريق مظاهراتها، سرعان ما كانت تعود من جديد. وأنهم حين استخدموا العنف وقتلوا من الأهالي عددًا من الأفراد، رد عليهم الأهاليبأحراق السينما والشاحنات وعمليات سلب ونهب. وربما كان رصد وثائق الخارجية لتخوف الإدارة البريطانية من انتقال شغب الاسكندرية "واضطراباتها فى شهر نوفمبر 1919إلى بقية المدن المصرية، بالصورة التى كان عليها،والمتمثل فى عمليات النهب التى كان يقوم بها البعض، كلما تدخلت الشرطة للسيطرة على الموقف، كان هذا يشكل قلقًا كبيرًا لتلك الإدارة ومأزقا لا تعرف كيفية الخلاص منه. حيث ظلت التقارير تتحدث عنالخطب الملتهبة الصادرة عن مساجد الإسكندرية، وما يعقبها من مظاهرات، وتدخلات للشرطة وإصابات. وبالتالىظل الأمر محيرًا ومزعجًا. وأنه فى الوقت الذى كانت القاهرة تعود فيه للهدوء، نرى الوضع فى الاسكندرية خلافذلك تمامًا.
من هنا، جاءت ورقتنا لمؤتمر مئوية ثورة 19 لترصد الدور الذى قامت به مدينة الاسكندرية خلال ثورة 1919، والأسباب التى جعلت مظاهراتها متدفقة حتى بداية سنة 1920.
وفى هذا الاطار تطرح الورقة على نفسها سؤالًا مهمًا: كيف كانت مشاركة الاسكندرية خلال ثورة 1919؟ ولماذا استمرت مظاهراتها متدفقة حتى سنة 1920؟ ولماذا كانت لها خصوصية فى تقارير المسئولين البريطانيين خلال تلك الفترة؟ ومن ثم سنقوم بتقسيم الدراسة الى أربعة محاور رئيسية:
الأول- قيام ثورة 1919 وانتشارها عبر المدن المصرية.
الثانى- قراءة الخارجية البريطانية لمشاركة الاسكندرية فى بداية الثورة.
الثالث- قراءة الخارجية البريطانية لمظاهرات الاسكندرية خلال شهرى نوفمبر وديسمبر 1919.
الرابع- تقييم القراءة البريطانية ونقدها.
*أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر
كلية الدراسات الافريقية العليا-جامعة القاهرة