كتاب: «التمكين بين وهم التيارات المتشددة والحقيقة القرآنية»
فى إطار الجهود التى تقوم بها مؤسسة «طابة» من خلال مبادراتها المختلفة وعلى رأسها مبادرة «سند»، وهى مبادرة اجتماعية تعنى بإزالة الغشاوة عن الناس لمعرفة تصرفات المتطرفين الذين ينسبون أنفسهم إلى نصرة الإسلام وإبطال شبهاتهم، فى إطار ذلك أصدرت المؤسسة كتاب: «التمكين بين وهم التيارات المتشددة والحقيقة القرآنية» للأستاذ الشيخ «محمد عبداللطيف الأزهرى».
وقف الباحث فى كتابه على إحدى الرؤى الفكرية المعاصرة التى ظلت فترة من الزمن تعصف بأفكار الشباب المسلم، حتى تجند لها الشباب، وضحوا وخاصموا وقتلوا من أجلها، ثم تبين أنها وهم وسراب، ولم تقم على أساس صحيح من التبصر وإعمال العقل والفكر فى النصوص الشرعية، فأتى بفكرة «التمكين» وتكونها على يد حسن البنا وتحويلها لفكرة عقدية، وعرض التصور الوهمى لهذه الفكرة موضحًا الحقيقة القرآنية التى تكشف زيف تصور الإخوان لها، وكيف أنه بتأمل النصوص الدينية نجد أن التمكين الوارد فى القرآن الكريم هو تصرف إلهى بحت وليس تصرفًا بشريًا يطلبه الناس.
كشف المؤلف فى كتابه كيف أن الجماعات المنحرفة سعت لزرع فكرة التمكين لتصل من خلالها إلى سياسة الأمة بالوصول للحكم، واعتبار ذلك من المسائل الأصولية العقدية، وجعلت الفكرة من أسس منطلقها الفكرى، وجيشت الشباب لإقناعهم بهذه الفكرة، كل ذلك تناوله الباحث وناقشه فى كتابه.
يتكون الكتاب من مقدمة تمهيدية وثلاثة مباحث، كل مبحث يحوى عددًا من المطالب، ومن المطالب المهمة التى تناولها ذلك المطلب الذى وضع له عنوان: (القراءة المختلة للسيرة النبوية وتوظيفها لمنطق التمكين)، حيث رصد كيف أن جماعة الإخوان استدعت السيرة النبوية وعسكرتها من أجل التمكين لها، ومن الكتب التى انتشرت بين الشباب واستدعت السيرة النبوية كتاب الإخوانى منير الغضبان، وعنوانه: «المنهج الحركى للسيرة النبوية»، الذى يبين فى مقدمته أنه استقى فكرته من كتاب «معالم فى الطريق» لسيد قطب، ثم عمل «الغضبان» على توظيف السيرة وتحويلها إلى سيرة صدامية لإقامة دولة الإسلام بمفهوم عجيب يتفق مع جماعته وتياره من خلال إسقاطات وتصورات وقياسات فاسدة، من دون إحكام الشروط العلمية المؤدية إلى المطابقة الصحيحة، ليصبح أسيرًا لاجتهاد واحد لا غير، وكل ذلك من أجل فكرة التمكين لجماعة الإخوان، وبث هذه المغالطة فى نفوس الشباب المتحمس.
وقد ناقش الكاتب هذه الفرية، وكشف ما فيها من أغلوطات، ناقلًا عن الدكتور «عمر حسنة» قوله: «إن الكثير من الكتب التى أُلفت حول السيرة النبوية تأثرت بالمناخ الثقافى والسياسى والحزبى والاجتماعى التى أنتجت فيه، وتمت الكثير من المحاولات لإسقاطها على الواقع، والإسقاط غير التنزيل، لإيجاد المسوغ والمشروعية لمسالك الأفراد والجماعات والأحزاب، الأمر الذى أفرز الكثير من الرؤى الأحادية والحزبية والسياسية التى تستظل بالسيرة للاحتماء بها فى مواجهة الأزمة، وهذا دفعهم إلى عسكرة السيرة والاقتصار على استحضار صور الجهاد والغزوات والتضحية مع غياب الكثير من الأبعاد السياسية والتربوية والاجتماعية والتنموية والتكافلية وتقسيم العمل والإدارة.. إلخ.
لم تكن فكرة التمكين هى وحدها التى تعصف بالشباب ثم يتبين أنها سراب، ولكن هناك أفكارًا مماثلة كفكرة الجاهلية والخلافة وتطبيق الشريعة وغيرها من أفكار لم تقم على أساس صحيح من التبصر والفهم المنضبط، وكل فكرة منها تحتاج إلى دراسة مستقلة لمناقشتها، وهو ما دعا إليه عبدالكريم شيخ باشراحيل، رئيس قسم المبادرات بمؤسسة طابة، فى إدارته لندوة ناقشت الكتاب.
وفى النهاية فإن الكتاب جدير بالقراءة، وقد أسهم به مؤلفه فى سد ثغرة اضطربت بسببها عقول كثيرة، وتتبقى ثغرات كثيرة ما زالت مفتوحة تنتظر من يسدها.
نقلا عن جريدة الوطن