الأم تريزا... نموذج فريد تحتاج اليه البشرية
فتاة في الثامنةعشرة من عمرها تترك وطنها وذويها واصدقاءها وابن عمها لورنز الذي أحبها وينويالزواج منها لتواجه المجهول في بلدناء هو الهند.ولتصبح محط أنظار العالم المؤمن وغير المؤمن.
تنتمي الأم تريزا الى اسرة البانية من طائفة الروم الكاثوليك وهي طائفة قليلة العدد في البانيا التي أغلب سكانها من المسلمين لكونها كانت تابعة للامبراطورية العثمانية. يليهم المسيحيون من كاثوليك لاتين وارثوذكس. الأب نيقولا والأم درانا رزقا بالطفلة أجنس جونكسي بوجاكسيو في 16 أغسطس 2010 وهي خامسة اخوتها والتي أصبحت من بعد الأم تريزا من كالكوتا نسبة الى المدينة الهندية التي مارست فيها رسالتها.لم تبحث عن الشهرة وانما الشهرة بحثت عنها. سعى رؤساء وأمراء العالم الى معرفتها ولقائها من بينهم الأميرة ديانا التي كانت صديقة مقربة لها واختارت أن تعمل كمتطوعة في مؤسستها. قال عنها سكرتير عام الأمم المتحدة آنئذ: انها اقوى امرأة في العالم.
وقال عنها الرئيس الفرنسي جاك شيراك عند وفاتها:"انه بوفاة الأم تريزا تناقص الحنان في العالم". تردد اسمها على السنة الكثيرين في مؤتمرات السلام والحوار بين الأديان. وقال عنها المفكر عاطف العراقي:"ان القديسة تريزا ستظل ذكراها في وجدان كل فرد من أفراد البشرية وسيظل العطاء الذي قدمته للبشرية عطاء خالدا، لأنه يتخطى الزمان ويتخطى المكان". وقال الأب رفيق جريش المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية في مصر:
" عرفتالأم تريزا وقد أثرت في جدا. ففي حضورها كنت أشعر أنني في عالم آخر، عالم الملكوت.كنت أشعر بسلام وهدوء وتقوى يصعب وصفها". وقال عنها الأنبا أباكير الأسقف العام للكنيسة الأرثوذكسية:
" عاشت حياة الجهاد الروحي على الأرض. داست غنى العالم وشهواتهلأنها ذاقت ماهو أفضل مع الهها واثقة أنه لايوجد شيءعلى الأرض يشبع قلبها متذكرة أنه سيزول العالم بأكمله...". فالذي يشبع قلبها هو الله وحده.أما هي فقد قالت عن نفسها:"أنا قلم صغير في يد الله. وهو الذي يفكر وهو الذي يكتب. ولا دخل للقلم في ذلك. فهو مجرد أداة في يده". و"أنا افعل الأشياء الصغيرة بمحبة عظيمة". وأيضا: "ان الله خلق كل كائن حي لهدف واحد وهو أن يُحِب وأن يُحَب. " الفقر الأعظم هو أن لاتجد حبا تمنحه... اذا اردتأن ترتقي الى السماء فعليك أن تنزل الى من يتألم وأن تهرع الى الفقير".
كرست حياتها من اجل افقر الفقراء كما سمتهم وخصتهم بكل ما أوتيت من جهد وتبرعات ومنح وجوائز بما في ذلك جائزة نوبل للسلام التي حصلت عليها عام 1979. فكان سبب سعادتهاالبالغة أن تخصص للفقراء المليون دولار التي حصلت عليها من الجائزة بل ورفضت أن تقام مأدبة لتكريمها وطلبت أن تضاف تكلفة المأدبة وقدرها سبع آلاف دولار الى حصيلة الفقراء. ووسط مظاهر الفخامة والازياء الراقية التي ارتداها الحاضرون تقدمت الأم تريزا لاستلام الجائزةبثوبها الرهباني المتواضع تنتعل صندلا مكشوفا في شتاء أوسلو القارس. وحصلت الأم تريزا اضافة الى جائزة نوبلعلى عشرة أوسمة استحقاق وعضوية شرف من مختلف الدول منها الميدالية الذهبية من الكونجرس الأمريكي ووسام الحرية الرئاسي من الولايات المتحدة ووسام بهارات راتنا من الهند.
أعلن قداستها البابا فرنسيس في 4 سبتمبر سنة 2016 وسط جمع غفير من محبيها في ميدان القديس بطرس بالفاتيكان بعد سنتين فقط من وفاتها، وقد استثناها من القاعدة السائدة في الكنسية الكاثوليكية والتيتقضي بان لاتقام دعوى اعلان قداسة أحد المؤمنين الا بعد خمس سنوات من وفاته. والكنيسة الكاثوليكية شديدة البحث والتدقيق فيما يتعلق بسيرة وأعمال المرشح لهذا الشرف العظيم. فتقوم لجان متخصصة في الفاتيكان بفحص سيرته في كافة جوانبها ومراحلها لتتيقن من أنه لاغبار عليها.
كما تشترط الكنيسة أن تجري على يديه معجزتان.الأولى قبل اعلانه طوباويا والثانية قبل اعلانه قديسا.ولاتأخذ مأخذ الجد الا القليل من الأحداث الخارقة التي يتم تداولها فتتناولها بالبحث والتحقيق للتأكد من صحتها. وأكثرها معجزات شفاء من مرض عضال يشترط أن يكون فيها الشفاء فورياوأن بعجز الطبعن تفسيره. وقد جرت المعجزة التي سبقت تطويب الأم تريزا بشفاء امرأة هندية تدعى مونيكا بسرا كانت مصابة بسرطان في البطن. وقد تركت المريضة المستشفى لعدمتحملها تكاليف العلاج وطلبت الالتحاق بأحد مراكز مرسلات المحبةالتابعة للأم تريزا.
وهناك أعلنت أنها رأت اثناء الصلاة صورة للأم تريزا وشعاعا من نور ينبعث من عينيها نحوها. وفي عصر ذلك اليوم وضعت ايقونة للأم تريزا فوق الورم. واسترسلت في الصلاة. وصباح اليوم التالي احست بأن الورم قد زال.وقامت اللجنةالكنسية المختصة بفحص دعوى اعلان القداسة باستجواب 113 شخصا حول الواقعة وجمعت 35 الفصفحة من الوثائق انتهت بعدها الى اعتبارالواقعة حدثا خارقا لاتفسير له.
وعلى اثر ذلك أعلن البابا يوحنا بولس الثاني في 19 اكتوبر 2003 الأمتريزا طوباوية لدى الكنيسة.
أما اعلان قداسة الأم تريزا فقد كان مقرونابمعجزة أخرى. وهي شفاء رجل في مدينة سانتوس في البرازيل كان مصابا بالتهاب فيروسي في المخ ولم تفلح كافة انواع العلاج في تحسين حالته التي ازدادت سوءا.
ودخل المريض في غيبوبة الموت. وقررالاطباء اجراء جراحة عاجلة له. وواصلت زوجته الصلاة طالبة شفاعة الأم تريزا يشاركها الأقرباء والاصدقاء. وعندما دخل جراح المخوالاعصاب حجرة العمليات وجد المريض في يقظة ووعي كامل وقد شفي تماما. ونتيجة لضعف المناعة الحاد وتناول المريض كميات كبيرة من المضاضات الحيوية اظهرت الفحوص أصابته بالعقم ومع ذلك فقد رزق وزوجته من بعد طفلين في صحة جيدة.
أصدرت العديد من الدول طوابع بريد تكريما للأم تريزا أولها الفاتيكان ثم ايرلندا وموناكو وفرنسا وايطاليا والمانيا ودول البلقان والولايات المتحدة.
وقد عانت الأم تريزا من الجفاف الروحي الذي كثيرا مايواجهه النساك والصوفية حتى كادت لاتشعر بوجود الله. وقد عبرت عن ذلك بمثال طريف. بقولها انه في هذه الحال يشعر العابد بان الله كأم تختفي عن عيني صغيرها.ويبحث عنها قلقا بالنداء والدموع ثم تظهر له بعد حين لتقول له: أنا هنا. فيمتلئ فرحا وامانا.
تركت الأم تريزا أكثر من 585 دارا تأوي المرضى والمعدمين، و4500 راهبة تقمن على رعايتهم ضمن رهبة "مرسلات المحبة" التي التي أسستها. وهي الراهبة البسيطة التي لاتمتلك شيئا. وقد المح بعض المغرضين من المناوئين للدين الى أن حساب الأم تريزا يضم مليارات الدولارات. ولا شك أن حجم التبرعات والهبات من مريديها والمؤمنين برسالتها كان كبيرا، وقد تركت كل شيئ لأبنائها من المعدمين والمرضى. وكانت خلال حياتها مثالا للزهد والتجرد.
هذه صورة لملامح الأم تريزا وهي نموذج فريد للمحبة والعطاء قلما يتكرر. وهي نموذج تحتاج اليه البشرية في كل زمان ومكان.