ناجح إبراهيم: «داعش» استقطب مخطط عمليتىّ المنيا من «السوشيال ميديا»
- قال إن الإرهابى عمرو سعد عباس وتلاميذه نفذوا حادثتى أتوبيس دير الأنبا صموئيل
- ما زالت هناك مجموعة من تلاميذ الإرهابى عمرو سعد عباس فى الصعيد
- الإرهابيون الآن «بيأجروا شقة بملاليم يقعَّدوا فيها اتنين ينفذوا العملية المطلوبة»
«الإخوان» هيأت الجو للجماعات الإرهابية وأتوقع تراجع العمليات خلال الفترة المقبلة
قال الدكتور ناجح إبراهيم، الكاتب والمفكر الإسلامى البارز، إن تنظيم «داعش» الإرهابى استقطب عمرو سعد عباس، المتهم بالتخطيط لحادثتىّ دير الأنبا صموئيل فى المنيا، عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وذلك بعدما فشل إمام مسجد فى الرد على أسئلته.
وأرجع القيادى السابق فى الجماعة الإسلامية، اتجاه «داعش» نحو الصعيد، إلى تضييق الجيش الخناق عليهم فى سيناء، متوقعًا فى حواره مع «أمان» تراجع وتيرة الأحداث الإرهابية خلال الفترة المقبلة، لكنه طالب بمعالجة الأسباب المهيئة للتطرف مثل الفقر والبطالة والظلم الاجتماعى.
وحذّر «إبراهيم» من تنامى الصراع السياسى الدينى بين السُّنة والشيعة، باعتباره السبب الرئيسى للاضطرابات التى تحدث فى المنطقة العربية، داعيًا إلى حله على طريقة «دفن كل الخلافات فى صندوق أسود»، والعيش سويًا وفق المشتركات المتاحة.
■ كتبت فى مقال لك مؤخرًا عن عمرو سعد المتهم فى تفجيرى أتوبيسى دير الأنبا صموئيل فى المنيا.. ماذا تعرف عنه؟
- هو أحد شباب الصعيد، وتحديدًا من قنا، حاصل على دبلوم متوسط، ونتيجة للفقر والمعاناة التى يموج بينهما، والبطالة وعدم وجود أى نشاط رياضى ولا ثقافى له، كان عقله مستعدًا لأن تستوطنه الأفكار المتطرفة.
■ كيف جرت عملية تجنيده؟
- البداية كانت عن طريق سؤاله إمام مسجد فى قريته عن أحكام شرعية معينة فى عدة قضايا تشغله فلم يجبه الإمام إجابات كافية، ولم يستطع أن يقرأ عقله ويجذبه لطريق الدين الصحيح، فتوجه مباشرة إلى الأستاذ الجاهز الذى لا يكل ولا يمل، وهو «صفحات التواصل الاجتماعى»، فجاءته الإجابة سريعًا، واستمر فى هذا التواصل والحوار فترات كبيرة، مناقشات وردود وأسئلة كثيرة وإجابات أكثر مثيرة.
حينما أصبح جاهزًا للانضمام إليهم، طلبوا منه القدوم إليهم فى سيناء، ووقتها لم يكذِّب الخبر ولم يرد الطلب، وهناك تم تصنيعه على أعينهم ليكون المنتج النهائى تكفيريًا وداعشيًا.
بعد ذلك، فكروا فى إنشاء فرع لهم بالصعيد بعدما تفوقت عليهم القوات المسلحة فى سيناء وتم التضييق عليهم، فاستعانوا به، وفى البداية فكر فى أهله وأقاربه وكأن «الأقربين أولى بالتكفير»، ثم كبر مجموعته، واستغل صحراء قنا وأسيوط ودربهم فيها، ثم ضم بعض الذين شهدوا «رابعة» وتأثروا نفسيًا بها.
■ كيف يمكن إقناع شخص عن طريق «السوشيال ميديا» بتبنى أفكار الإرهاب؟
- طالما هناك حالة صراع سياسى فهناك استعدادات للتطرف، و«الخوارج» أنفسهم نشأوا حينما نشأ الصراع السياسى بين سيدنا الإمام علىّ بن أبى طالب وسيدنا معاوية رضى الله عنهما، فكفرت الطرفين وأحلت دمهما. وبداية عمرو سعد كذلك، من صراعات كثيرة عقب ثورة ٢٥ يناير وفض «رابعة».
■ هل انتهى وجود تلاميذ الإرهابى عمرو سعد فى الصعيد بعد عملية المنيا الأخيرة؟
- ما زالت هناك مجموعة موجودة من تلاميذه هى من ضربت أتوبيس المنيا أثناء زيارته دير الأنبا صموئيل خلال الأيام الماضية، والأتوبيس الذى سبقه.
■ هل يأتى الدعم لهؤلاء الإرهابيين من جماعات سيناء الإرهابية.. أم من جهات أخرى؟
- لا أعلم، لكن هذه العمليات لا تحتاج إلى دعم لوجستى كبير، كل ما هناك أنهم «بيأجروا شقة بملاليم، يقعَّدوا فيها اتنين ينفذوا العملية المطلوبة»، وهناك عملية نفذها بالفعل فردان فقط.
■ هل تتوقع عمليات جديدة ضد الأقباط؟
- من الممكن أن يكرر «داعش» عملياته ضد الأقباط.
■ لماذا الأقباط على وجه التحديد؟
- لأن هذه العمليات تُحدث تأثيرات سلبية عديدة على مكانة مصر الدولية، وعلاقة المسلمين بالمسيحيين والوحدة الوطنية، وعلاقة الدولة بالمسيحيين والعكس. أضف إلى ذلك أن الدواعش لا يحبون مواجهة الجيش أو الشرطة، ويعشقون قتل العزّل فى المساجد والكنائس.
■ هل ظهرت الجماعات الإرهابية فى عهد «مرسى» أم بعده؟
- هناك عمليات حدثت فى عهد «مرسى»، مثل تفجير خطوط الغاز فى مصر وقتل ١٦ جنديًا، والتى عرفت بـ«مذبحة رفح الأولى»، ونفذت أيضًا عمليات فى عهد المشير طنطاوى، وهذه الجماعات كانت امتدادًا لتنظيم «التوحيد والجهاد» الذى كان موجودًا أيام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وتغلب عليه اللواء المرحوم أحمد رأفت، ثم قويت شوكته بعد ذلك عندما استقطب أناسًا من القاهرة والأقاليم، وهناك أسباب كثيرة لذلك، منها حالة الفراغ الأمنى آنذاك.
■ كيف ساعدت جماعة الإخوان الإرهابية على تفشى التطرف؟
- «الإخوان» هيأت الجو لهذه الجماعات الإرهابية الأخرى، لأن هناك خصمًا واحدًا يجمعها كلها هو الحكومة، كما أن حالة الهياج والصراع الموجودة، والفراغ الأمنى الذى حدث بعد ثورة ٢٥ يناير، كلها عوامل ساعدت على التطرف.
■ فى توقعك.. هل سيشهد الصعيد عمليات إرهابية أخرى؟
- العمليات الإرهابية ستقل عمومًا خلال الفترة المقبلة، لكن الخطر فى أن الظروف المهيأة للتطرف موجودة، مثل الفقر والبطالة والظلم الاجتماعى.
■ إذا انتقلنا لملف آخر.. البعض دعا إلى الحوار بين السُّنة والشيعة.. فى رأيك هل دعوة مقبولة أم مرفوضة؟
- الحوار بين المسلمين والمسيحيين مطلوب، الحوار بين المسلمين واليهود مطلوب، وأيضًا بين المسلمين والبوذيين، لكن فى حالة الحوار مع الشيعة لن يكون بين دينين، وإنما بين أصحاب مذهبين فى دين واحد، لأن هناك أمورًا تجمعنا طالما كلنا نعيش فى مكان واحد.
قضية السُّنة والشيعة يجب أن نتعامل معها مثل «قضية الصندوق الأسود».
■ ماذا تعنى بـ«قضية الصندوق الأسود»؟
- «البروستانت» حاربوا «الكاثوليك» ٤٠ سنة كاملة، قتل خلالها ملايين غير الجرحى والمصابين، فلما جلسوا للصلح قالوا «نضع كل الآلام الخاصة بالماضى والأحقاد والمحن فى صندوق أسود وندفنه تحت الرمال، ونلعن من يُخرج هذه الأحقاد والمحن».
■ لماذا يبدو الأمر صعبًا إذن فى حالة الشيعة؟
- لن تستطيع أن تبيد الشيعة كلهم، ولن تستطيع أن تحولهم إلى سُّنة مثلنا، وكذلك نحن السُّنة لن نتحول إلى فرقتهم، لأن تحويل الإنسان عن دينه أو مذهبه ليس أمرًا سهلًا، حتى لو علم أن الحق فى الدين الآخر، لأن لديه قيودًا اجتماعية واقتصادية وأسرية وغيرها.
قضية السُّنة والشيعة حلها «الصندوق الأسود» فقط، وصدام حسين حاول من قبل وفشل، وإيران الآن تحاول أن تُجبر «الأحواز» كلهم على تغيير مذهبهم بالسيف والذهب، لكنها لن تستطيع.
■ كيف ترى ما يحدث فى سوريا واليمن والعراق؟
- كل هذا نتيجة للصراع السنى- الشيعى، فهو صراع على النفوذ بين الإمبراطورية الفارسية التى تقودها إيران، وبعض البلدان العربية التى تطمح فى النفوذ، وأيضًا بين أصحاب النفوذ الغربى.
وإيران لا تريد المذهب الشيعى وإنما تريد الإمبراطورية، وتأخذ المذهب الدينى سُلمًا للوصول إلى أهدافها التوسعية ولا يهمها سيدنا الإمام على ولا الحسن ولا الحسين، ولذلك هم لا يذكرون الإمام الحسن عندهم رغم أنه من آل البيت، وإنما يذكرون الإمام الحسين لأنه تزوج بنت ملك من فارس.
هى تغذِّى دماء الكراهية بأن الثأر للحسين لم يحدث بعد، وكل ذلك يوقد نفوس الشيعة، وأرى أنها صنعت إمبراطوريتها من فشل العرب. وهذا الصراع بين السُّنة والشيعة إن لم يُحل فسيدمر المنطقة كلها.
■ ماذا عن سوريا بالتحديد؟
- كل ما يحدث فى سوريا كان مخططًا له، إذ تحالفت بعض الدول الغربية مع تركيا لعزل بشار الأسد، وهو ما انتهى إلى تكون «داعش» وغيرها من الجماعات، وأرى أن فكرة «القاعدة» هى نفس فكرة «داعش».
كان هناك تحالف دولى فى أوائل الثمانينيات فى باكستان تقوده الولايات المتحدة وضم دول الخليج ومصر، لإسقاط التحالف السوفيتى، قام على فكرة تكوين جماعات من المتطوعين والمجاهدين ضد «السوفييت»، بدلًا من مشاركة الجيوش الغربية و«الناتو».
وفى النهاية، هزمت أمريكا الاتحاد السوفيتى دون أن تدفع شيئًا، لا جيش ولا مال ولا دماء، فالدماء والأموال عربية إسلامية، وكان فقط هناك دعم معلوماتى من «سى آى إيه».
وبعدما انتهى دور باكستان فجروا طائرة رئيسها ضياء الحق، وقالوا للمجاهدين: «اذهبوا إلى بلادكم»، فقامت الفصائل ضد بعض، وهو ما يحدث الآن فى سوريا، وتلعب فيه تركيا دور باكستان.
■ من منظور أوسع.. ما رؤيتك للوضع القائم بالمنطقة حاليًا؟
- إذا لم يلتهب ذاتيًا فالغرب سيساعد على اشتعاله، وسيمتد إلى دول الخليج، والموضوع مسألة وقت، والعرب لو تحاوروا مع إيران كان أفضل لهم من أن يعطوا كل هذه المليارات للغرب، والتى كان يمكن استغلالها فى إقامة مشروعات مشتركة كبيرة، مع الاتفاق على أن كل طرف لا يدعو إلى مذهبه فى بلاد الآخر.
■ كيف ننظر إلى المطالبات بتكفير تنظيم داعش الإرهابى؟
- البعض لا يفهمون فى العقيدة.. «أى حد قال لا إله إلا الله دخل خلاص فى العقيدة». تكفير المجاميع أمر خاطئ، لأن التكفير شىء ذاتى، بمعنى لو فلان الفلانى عمل كذا تقام عليه الحجة بقوله أو عمله، أما من يكفر بالجموع فهم جماعات التكفير ولا يمكن أن يتساوى معهم الأزهر.
حكم التكفير يكون على شخص وله ضوابط كثيرة جدًا، والشيخ «الطيب» رجل منضبط لأنه دارس للعقيدة، وهو يعرف أنه لا يكفّر المسلم بالشهادتين، وكذلك كل من دخل الإسلام باختياره فلا يخرج منه إلا باختياره، إلا إذا قال «أنا كافر بهذا الدين أو جاحد بمعلوم من الدين بالضرورة» وبشروط معينة.
أما العلمانيون الذين شتموا «الطيب» بسبب عدم تكفير «داعش» فهم لا يفقهون شيئًا لا فى الدين ولا فى الدنيا، لكن الإمام تحمّل كل ذلك، لأن التكفير ليس بالأهواء السياسية، والأزهر مهمته يُهدى ولا يكفِّر.
■ البعض يأخذ على الأزهر عدم تكفير «داعش».. ما تعليقك؟
- الأزهر هوجم و«اتبهدل» بسبب هذا الأمر، وظيفة الأزهر أنه يهدى ولا يكفّر، لأنه لو كفّر «داعش» فسيتساوى معه فى التكفير، والأزهر كذلك رفض أن يكفر الشيعة. الأزهر يعتمد مذهب سيدنا الإمام على بن أبى طالب حينما سأله الناس عن الخوارج فقال رضى الله عنه: «إخواننا بغوا علينا»، لكنه فى الوقت نفسه أباح قتالهم من أجل رد عدوانهم.