الحركات الإسلامية بالجزائر.. الأصول والجذور والتحولات المستقبلية (1)
تتشابك الحركات الإسلامية في دولة الجزائر مع شبيهاتها في دول الشمال الإفريقي، في العصر الحديث من حيث النشأة والمرجعيات والتحولات والشخصيات المؤثرة، إلا أن خصوصية الجزائر تعطي هذه الجماعات ملامح متباينة معها في أحوال كثيرة، إذ تمنحها طبيعة البلاد شكلا ولونا متفردا بين الحركات الأخرى، ولعل أبرز ملامح الحركة الإسلامية بالجزائر، تلك المرحلة الخطيرة التي شكلت انطباعات عنيفة عنها في ذهنية المواطن والتي سميت "العشرية السوداء" خلال التسعينات من القرن الماضي والتي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الجزائري على يد الحركات المسلحة.
السطور التالية تلقي الضوء على تكوينات وتاريخ الحركات الإسلامية في
الجزائر، وعلاقاتها المتشعبة مع محيطها الإقليمي.
مرحلة مقاومة الاحتلال
لعب الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830م، دورا محوريا في نشأة الحراك الإسلامي
لدى الشعب الجزائري، الذي وقف حائلا في وجه تغيير هوية البلاد إلى النمط الفرنسي،
عن طريق تحويل مؤسسات الدولة وإخضاعها للفرنسية خاصة التعليم الديني والقضاء
الشرعي، وبرزت في مرحلة المقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي شخصيات مؤثرة منها
الإمام عبدالحميد بن باديس.
استفاد ابن باديس من الحركات الإصلاحية التي ظهرت في الشمال الإفريقي خاصة
مصر، ومنها حركة محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، كما استفاد أيضا من الحركة الإصلاحية
السلفية التي نشأت في الجزيرة العربية (1).
وتميزت دعوة ابن باديس، عن غيره من الحركات الإصلاحية، بأنها حركة مقاومة
للاستعمار، مناهضة لمحو الهوية القومية للجزائر، انطلاقا من الدين فقال:" إنّ الذي نوجه
إليه الاهتمام الأعظم في تربية أنفسنا وتربية غيرنا هو تصحيح العقائد وتقويم الأخلاق
فالباطن أساس الظاهر"(2).
ويمكن فهم منهج حركة ابن باديس الإصلاحية من خلال
الدستور الذي وضعه لجمعية علماء المسلمين والتي أكد فيه مرجعية الجمعية السلفية فقال
في المادة الخامسة منه:" سُلُوك السلف
الصالح – الصحابة والتابعين وأتباع التابعين – تطبيق صحيح لهدي الإسلام"، وقال
في المادة السادسة :" فهوم أئمة السلف الصالح أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص
الكتاب السنة ". وقال في المادة العاشرة :" أفضل أمته بعده هم السلف الصالح
لكمال اتباعهم له". وقال في السابعة عشر:" ندعو إلى ما دعا إليه الإسلام
، وما بيناه من الأحكام بالكتاب والسنة وهدي السلف الصالح من الأئمة مع الرحمة والإحسان
دون عداوة أو عدوان(3).
ولعبت الحركة الإصلاحية وعلى رأسها جمعية ابن باديس التي تم تأسيسها عام
1931م دورا مهما في الكفاح الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي إلى أن نالت الجزائر
الاستقلال عام 1962م.
الحركات الإسلامية بعد الاستقلال
بعد أن نالت الجزائر استقلالها من الاستعمار الفرنسي، ظهرت الخلافات
الداخلية، حول ماهية الدولة ومرجعيتها، وبدأ الصراع بين التيار الديني وغيره من
التيارات، الأمر الذي أدى لظهور جماعة "الموحدين" السرية التي أسسها محفوظ نحناح، والشيخ
محمد بوسليماني، وضمت مجموعة طلبة وأساتذة الجامعات والمدارس المتأثرين بجماعة
الإخوان المسلمين ، وكانت تعمل على "مواجهة التوجه الاشتراكي للنظام الجزائري
بعد أحداث عام 1965م، وأدت نشاطات هذه الجماعة المعادية لاشتراكية الدولة إلى
اعتقال الشيخ نحناح مع عدد من اعضائها، وبعد خروجهم من السجن نهاية الثمانينات
أسسوا جمعية الإرشاد والإصلاح الخيرية والتي تحولت إلى حزب بعد دستور فبراير
1989م، الذي اباح التعددية، وفي ديسمبر 1990م، تحولت الحركة إلى حركة المجتمع
الإسلامي (حماس)، برئاسة الشيخ نحناح، وفي عام 1997م، اضطرت الحركة إلى إزالة صفة
الإسلامي من اسمها لتصبح حركة مجتمع السلم (حسم) للتكيف مع قوانين الجمهورية لعام
1996م، والتي تحظر "استخدام الثوابت الوطنية لأغراض سياسية. وترى بعض
الأدبيات أن الحركة ممثلة للتيار العالمي للإخوان المسلمين"(4).
وفي السبعينات، كان الظهور العلني لشباب الحركات
الإسلامية في الجامعات مثلما كان الحال في مصر، ومثل التيار الإسلامي حتى عام 1988
ثلاث جماعات هي: التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ممثلا في أتباع محفوظ نحناح، وجماعة
جاب الله أو الجماعة الإسلامية لمؤسسها عبدالله جاب الله، وجماعة مالك ابن نبي أو
جماعة مسجد الجامعة المركزي.
أسامة بن لادن ودعم الجماعات الجزائرية
بعد الدعوة العالمية للجهاد في أفغانستان في نهاية
السبعينات من القرن الماضي، استجاب عدد من الجزائريين ذوي التوجه الإسلامي للنداء،
وكان على رأسهم أتباع الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي اقترح عدد من قياداتها تاسيس
الجماعة الإسلامية المسلحة، والتي جاءت تسميتها من داخل افغانستان، فكانت
أفغانستان مشتلا للجماعات المسلحة التي ارتكبت الكثير من المجازر والفظائع بحق
الجزائريين خلال العشرية السوداء.
يروي أبو
العدلان عبدالحق أبولعيادة مؤسس الجماعة الإسلامية المسلحة قصة تأسيس الجماعة
فيقول:
"كانت هناك مجموعة من الأفغان الجزائريين تحمل هذا
الاسم من هناك ومن ابرز الأفغان الذين شاركوت في التأسيس ابو الليث المسيلي، وكان
أميرهم في أفغانستان، وغربي مراد الأفغاني.
ويقول إن الختم الأول للجماعة الإسلامية المسلحة لم يأت
من أفغانستان، صنع أمام عيني، لم يصنع ختم واحد فقط، كان هناك ختم الأمير الوطني،
وختم آخر مختلف لأمير الوسط، واربعة أختام أخري تختلف عن الختمين الأولين لأمراء
الشرق والغرب والشمال والجنوب"(5).
وفي اعتراف خطير نشرت دار إفريقيا المسلمة تحت عنوان
"مذكرات من دفتر مجاهد، لأبي أكرم هاشم، قال فيها:
"وظل دعم زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن للجماعة
المسلحة في الجزائر، "وما أن جاءت أحداث إضرابات (ذوالحجة 1411هـ/ مايو
1991م)، حتى بدا للشيخ ولكل متابع أن الجو متهيئ لبداية الجهاد، فشرع من أفغانستان
بتهيئة المضافات وبجمع الإخوة الجزائريين، وانفق في ذلك أموالا ضخمة، وقد كانوا
يتوافدون إلى الجزائر على نفقته لمشاركة إخوانهم في الداخل!!.
وفي (شوال 1412هـ/ ابريل 1992م)، دخل المجاهدون كابل،
ولم تدم فرحتهم طويلا، حيث بدأ الاقتتال بين مختلف الأحزاب والفصائل، وبدأت تضيق
الدائرة على المجاهدين العرب من طرف حكومة باكستان التي ترأسها الهالكة
"بوتو"، مما زاد من اهتمام سائر الأخوة الجهاديين بالتفكير بما يحدث في
الجزائر، وعلى راسهم الشيخ رحمه الله- أسامة بن لادن- وقد قام بتسليم الأخوة
الجزائريين "معسكر الفاروق" بكامل معداته؛ لاستغلاله في التدريب،
و"معسكر بدر" في منطقة جلال أباد لنفس الغرض، ولم تتوقف مساعدة الشيخ
لإقامة ومساندة الجهاد في الجزائر إلى هذا الحد، بل كرس جهده ووقته لتطوير الجهاد
في المنطقة؛ لكي يكون على أعلى مستوياته"(6).
الجبهة الإسلامية للإنقاذ
في 12 نوفمبر 1982 اجتمع مجموعة من عناصر الحركة
الإسلامية بالجزائر منهم: احمد سحنون وعبد اللطيف سلطاني وعباسي مدني ووجهوا نداءً
من 14 بنداً يطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية بالجزائر.
ودعا الشيخ الشاب علي بلحاج إلى تشكيل الجبهة الإسلامية الموحدة
إلا أن عباسي مدني اقترح لها اسما آخر هو الجبهة الإسلامية للإنقاذ، معللاً هذه التسمية:
بأن الجبهة تعني المجابهة، والاتساع لآراء متعددة، الإسلامية لأنه هو السبيل الوحيد
للإصلاح والتغيير، الإنقاذ مأخوذ من الآية (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها)
[ آل عمران: 103]
رفض الشيخ محمد السعيد بداية تشكيل الجبهة لكنه التحق بها
بعد الانتخابات البلدية. كما رفض محفوظ نحناح أيضاً الفكرة في البداية ثم أسس حركة
المجتمع الإسلامي وأسس عبد الله جاب الله حركة النهضة الإسلامية.
تم الإعلان الرسمي عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في 18 فبراير
1989 م، بمبادرة من عدد من الدعاة المستقلين من بينهم عباسي مدني الذي أصبح رئيسًا
للجبهة ونائبه علي بلحاج.واعترفت بها الحكومة الجزائرية رسميا في 6 سبتمبر 1989(7).
وخاضت الجبهة الانتخابات البلدية في عام 1990م، وحققت فوزاً
كبيراً في 856 بلدية، وبعد هذا الفوز بدأ الحزب الحاكم في الجزائر وهو ـ جبهة التحرير
ـ يشعر بخطر الجبهة على وجوده في الحكم والبلاد ايضا، فوقع الصدام بين الطرفين، وعلى
إثر ذلك نشبت مظاهرات كبيرة تطالب بالإصلاح، انتهت بمصادمات دامية طيلة 10 أعوام
هي العشرية السوداء.
الحلقة
التالية.. الحالة السلفية في الجزائر
الهوامش والمراجع:
(1)عبد الحميد بن باديس مفسرا، عبد الرحمان السلوادي، ص.204.
(2) ابن باديس: التفسير، ص.192-169.
(3)الآثار، لابن باديس، 4/154-155.
(4)أمريكا وحركة الإسلام السياسي، أيمن محمود السيسي، ص48،
وانظر: الحركة الإسلامية في الجزائر وأزمة الديمقراطية، إبراهيم البيومي، ص40.
(5)القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب، كميل الطويل.
(6)رسائل من دفتر مجاهد، الشيخ اسامة بن لادن وقصة دعمه
للجهاد الجزائري، أبو أكرم هاشم، ص5.
(7)انظر: الصحوة الإسلامية والعودة إلى الذات. مصطفى حلمي. عبد الحميد بن باديس رائد الحركة الإسلامية
المعاصرة بالجزائر. محمد فتحي عثمان. نماذج من حركات الجهاد الإسلامية الحديثة "السنوسية
ـ الباديسية ـ القسامية، صفوت منصور.