تجديد الخطاب الدينى بين المعقول والمنقول
ان تجديد الخطاب على وجهه السديد يمثل منهاجا واعدا يهدف الى ايقاظ الضمير العام وشحذ ارادة الأمة واستنهاض عزيمتها من كبوتها واستنفار طموحاتها وقواها المذخورة حتى تضع أقدامها على طريق النهضة الحضارية الشاملة.
وما المقصود من الخطاب الدينى الذى نريد تجديده لقد عرف العلماء المقصود من الخطاب الدينى هو النتاج الفكرى والثروة العلمية والفقهية التى تركها لنا الأئمة العظام ممن قدحوا زناد الفكر وتأملوا حق التأمل فى نصوص الشريعة الاسلامية فاستنبطوا لنا هذه المفاهيم المتعددة وتلك القضايا الوافرة.
ومن ثم فليس التجديد الذى نعنيه متعلقا بالنصوص الشرعية من كتاب أو سنة صحيحة ثبت نقلها عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم.
واذا كان الواجب الشرعى يحتم علينا النظر بامعان فى هذه النصوص التى نقلت الينا عنهم-رحمهم الله تعالى-فأنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الأصل فى تلك النظرة ان يكون صاحبها واقفا موقف الحكم بين طوائف العلماء مجليا ما لهم تارة وما عليهم أونة أخرى.
وان كان المراد بتجديد الخطاب الدينى هو مجرد أسلوب الدعوة الى الاسلام ووسائل الاقناع التى تتنوع وتتغير تبعا للتطور المذهل فى علوم الاتصال الحديثة فلا جدال فى التجديد والحاجة المتجددة الى هذا التطوير وهو تطوير لا يخرج-على أية حال- عن انماط ثلاثة حددها القرأن الكريم وهى:الحكمة التى تقوم على استخدام منطق العقل الخالص والموعظة الحسنة التى تقوم على العواطف والمشاعر والوجدانات والجدال الجاد المثمر الذى يهدف الى الوصول للحق بعيد عن اللجاجة والمراء.
وان كان المراد من تجديد الخطاب الدينى اعادة النظر فى مضامين هذا الخطاب ولبنات تكوينه تارة بالتنصل من النص الدينى الموثق كتابا أو سنة وبابطال(مطلقية)هذا النص تحت ستار مزعوم هو تاريخية النص حينا ونسبيته حينا وتارة بفرض تصور مسبق على مضامين هذا النص بزعم أنه يشكل عبئا على حركة الواقع وصيرورته؟
هنا تكمن الخطورة فى دعوى تجديد الخطاب الدينى وههنا يكمن السر ارتياب الناس فى مغزاه وجدواه لأن لأمة تدرك بوعيها الفطن أن مثل هذه الدعوات المراوغة هى دعوات الى هدم النص المقدس ذاته.
وان كان المراد بتجديد الخطاب الدينى مصلحة الأمة واليقظة العلمية والوثبة الحضارية فلا بئس لأن الاسلام لن يرضى للمسلمين أمة خانعة ولا مستجدية ولا مستكينة ولا يرضى للمسلمين أن يكونوا عالة على الاخرين.
وان كان المراد بتجديد الخطاب الدينى محاربة الأمراض الاجتماعية السائدة مثل الأنانية والفردية والنفاق الاجتماعى وعدم الجدية فى العمل واستباحة المال العام والتكاسل عن أداء الواجب كل تلك سوءات تفت فى كيان الأمة.
ان تجديد الخطاب الدينى ليس مجرد وظيفة أو مهمة تلقى على كاهل هيئة أو مؤسسة ابراء للذمة بل هو مشروع نهضوى كامل ينبغى أن تحتشد له الارادات وتتحفز له العزائم لأنه المشروع الذى يشع ببوارق الأمل الذى تلوح بشائره من قريب.