تسييس الحج.. لماذا يهاجم الإخوان الركن الخامس من أركان الإسلام؟
لم يكن استغلال شعيرة الحج أمرا جديدا على جماعة الإخوان المسلمين، فالجماعة تضع عينيها على الاجتماع السنوي الأكبر والأهم للمسلمين من كل أنحاء العالم، منذ تأسيسها على يد إمامها حسن البنا منذ ما يقرب من 90 عاما.
لم يكن الموسم الحالي أكثر المواسم التي تعرضت لهجوم أتباع الجماعة، في محاولة منها لتحقيق مكاسب على الأرض؛ بتحويل الركن الخامس من أركان الإسلام إلى عملية سياسية، تستطيع بها اختراق العالم الإسلامي، بحجة التنديد بما أسمته تسيس الحج.. السطور التالية تلقي الضوء علي التاريخ الأسود لجماعة الإخوان في استغلال موسم الحج.
حسن البنا ونشر التشيع في البقاع المقدسة
ارتبط مؤسس جماعة الإخوان ارتباطا وثيقا بالمرجع الشيعي محمد تقي القمي، الذي شاركه في تأسيس دار التقريب في القاهرة، وكشف الكاتب الإيراني محمد علي أذرشب مدى تطور العلاقة بين حسن البنا والشيعة الذين استخدموه في نشر مذهبهم بين الحجاج، وقال أذرشب أن القمي اعترف باستخدام حسن البنا في نشر أفكاره بين الحجاج فيقول:
"ولا بأس أن نذكر أن الشيخ كان مهتما أن ينشر في صحيفته ما يقرب بين أهل السنّة والشيعة، وكان يتعاون مع دار التقريب في إيصال صوتها إلى السعودية التي حظرت هذا الصوت آنذاك، ولا بأس أن أذكر إحدى ذكريات الشيخ القمي في هذا المجال، بعد حادثة إعدام السيد أبو طالب اليزدي في الحجاز انقطع سفر الإيرانيين إلى الحج لسنوات، ثم عاد حج الإيرانيين، وعمدت دار التقريب إلى نشر مناسك الحج على المذاهب الخمسة أي مذاهب أهل السنة الأربعة ومذهب الشيعة الإمامية، من أجل إزالة ما علق في الأذهان تجاه الشيعة إثر التشويش الذي حدث بعد إعدام السيد الإيراني، وخلال سنوات انقطاع الإيرانيين عن الحج، هذه المناسك توضح بما لا يقبل الشك أن السنة والشيعة متفقان في معظم مناسك الحج إن لم يكن كلها، وما كان بالإمكان إدخال هذه المناسك إلى السعودية لتوزيعها في موسم الحج، لأن التعليمات هناك لم تسمح بذلك آنئذ، ولكن الشيخ حسن البنا وجد الطريق إلى ذلك، فطبع كل هذه المناسك في صحيفته، وأدخلها في موسم الحج إلى السعودية، وتوزعت بين الحجاج وكان لها أبلغ الأثر بين المسلمين".
البنا والكاشاني وتأصيل العنف بمكة
ومما يشير إلى أهمية الاستغلال السياسي لموسم الحج عند جماعة الإخوان المسلمين ما ذكره راينر برونر الذي نقل لقاء حسن البنا وآية الله الكاشاني في موسم الحج فقال:
"وقد بلغت أنشطة "حسن البنا" في مجال التقريب ذروتها في الفترة القصيرة السابقة على اغتياله في 12 فبراير 1949، وذلك في رحلة حج عام 1367هـ (أكتوبر 1948)؛ عندما التقى آية الله "أبي القاسم الكاشاني" في مكة وناقش معه تحسين العلاقات بين السنة والشيعة. وبين اختيار البنا لعالم كان وقتذاك ناشطا سياسيا وحركيا وكان له تأثير كبير على التكوين السياسي للخميني أن عملية التقريب لا يمكن أن تؤتي ثمارها من وجهة نظره عن طريق النقاش الفقهي أو العقدي وحده بل يتطلب بدلا من ذلك تعاونا راسخا ذا توجه سياسي مع الطرف الآخر.
وقد كان الكاشاني هو الشخص المناسب تماما للحوار مع البنا بسبب الصلات التي تمتع بها من "فدائيان إسلام" وقادها نواب صفوي، وهو تنظيم عنيف لم يتورع عن محاولة اغتيال خصومه".
(انظر: الأزهر والشيعة، التقريب الإسلامي في القرن العشرين، راينر برونر، ص 215)
الهضيبي تأسيس مجلس الشورى في موسم الحج
وانتقل هذا الاهتمام بعد اغتيال حسن البنا إلى أتباعه، وكان موسم الحج عام 1389هـ، الموافق مارس 1970م، أي بعد وفاة جمال عبدالناصر، ويذكر مؤرخو الحركات الإسلامية أن حسن الهضيبي مرشد الجماعة استغل هذا الموسم لتشكيل مجلس شورى الجماعة، يقول عبدالله النفيسي:
" ظل الإخوان المسلمين يعملون بصمتٍ وفِي الخفاء، ويتخذون من موسم الحج مكانًا للالتقاء برموز وقيادات الجماعة من شتى البلدان، وتعزيز تنظيماتهم، ووضع خططهم وضمان التكامل فيما بينهم. ومن ذلك على سبيل المثال ما صنعه حسن الهضيبي، المرشد الثاني للجماعة، في موسم حج 1973؛ فبعد وفاة عبدالناصر والإفراج عن الهضيبي والإخوان عام 1971 انتهز الهضيبي فرصة الحجّ سنة 1973، فعقد أوّل اجتماعٍ موسّعٍ لللإخوان في مكة المكرّمة. وكان هذا الاجتماع هو الأوّل من نوعه منذ محنة 1954. كان من قرارات هذا الاجتماع إعادة تشكيل مجلس الشورى ليمثل جميع الإخوان العاملين، وتكوين لجنة عضوية لتحديد "الإخوان" العاملين نظرًا لضياع الكشوفات خلال الأحداث.
(انظر: عبدالله النفيسي، الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية )
شعار رابعة في الحج
وفي عام 2013 وجهت جماعة الإخوان المسلمين دعوة عالمية من خلال مواقع التواصل الاجتماعى من أجل رفع نصف مليون شعار من شعارات "رابعة" على جبل عرفات خلال موسم الحج، وطالب جمعة أمين، نائب المرشد، قيادات التنظيم الدولي لاستغلال هذا الموسم لتحقيق مكاسب للجماعة التي انهارت في مصر.
وقال الموقع الرسمي لحزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وقتها: إن أحد الناشطين على موقع "فيسبوك" لم تكشف عن هويته اقترح "فكرة رفع إشارة رابعة على جبل عرفات بصمت بدون ترديد أي هتافات من أي نوع منعاً لأي ضوضاء قد تؤذي باقي الحجاج، وللمساعدة في تمضية الوقت في الاستغفار فقط".
ونقل الموقع عن الناشط قوله: "الحج هو أكبر مؤتمر إسلامي على وجه الأرض لمناقشة هموم المسلمين والتكاتف فيما بينهم .. فسنستغل الفرصة لإبلاغ الحجاج بالفكرة للاعتراض على مجازر الانقلاب العسكري والقمع والظلم في مصر بصورة سلمية برفع شعارات رمز الصمود والعزة بعد صلاة العصر ليوم عرفة وحتى قبيل المغرب".
وأضاف: "جميع القنوات الفضائية ستنقل هذا الحدث وأن المطلوب هو طبع 500 ألف بوستر لشعار رابعة وتوزيعه على جميع الجاليات المسلمة، وخاصة المصريين والأتراك والباكستانيين والماليزيين، على أن تساعد في عملية الطبع الجالية المصرية في السعودية وإيصال البوسترات إلى جبل عرفات".
القرضاوي: الحج ليس لله حاجة فيه
ولم يفوت القيادي الإخواني يوسف القرضاوى فرصة لاستغلا موسم الحج سياسيا، ونشر مؤخرا تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، زعم فيها أن الحج حاليا ليس لله، وهي التهمة التي تشكك في إخلاص أكثر من 2 مليون مسلم لم ينتهوا بعد من أداء مناسك الحج في الأرض المقدسة.
قال القرضاوي في تغرديته التي أثارت حالة من الجدل بين المسلمين: " هذا الحج ليس لله تعالى حاجة فيه.. الله غني عن العباد، وإذا فرض عليهم فرائض فإنما ذلك ليزكوا أنفسهم وليرتقوا في معارج الرقي الروحي والنفسي والأخلاقي إلى ربهم، ولتتحقق لهم المنافع المختلفة في حياتهم".
وأشار النشطاء إلى أن القرضاوي بهذه التغريدة يؤكد بطلان مناسك الحج هذا العام، ويتهم جميع من يؤدون المناسك حاليا بعدم الإخلاص لله في عبادتهم.
السخرية من الحج
وانتقلت مقولة القرضاوي إلى أتباع الجماعة، ونشر الإعلامي الإخواني الذي يعمل بقناة الجزيرة الفضائية أحمد منصور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تدوينة قال فيها:
"تحولت تغطية يوم عرفة من معايشة المسلمين فى العالم للحجيج إلى دعاية مقززة لخادم الحرمين وأولاده وشركاه الذين تمتلأ سجونهم بالدعاة والمصلحين ويحاصرون إخوانهم المسلمين فى قطر ويتكفلون بدعم النظام المجرم فى سوريا ويمارسون الإفساد فى الأرض فى اليمن ويتعهدون بحماية إسرائيل ورعايتها".
ووصل الحال بأتباع الجماعة إلى السخرية من الركن الخامس من أركان الإسلام، ونشر الكاتب الإخواني الأردني نصير العمري تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قال فيها إن مصيبة الأمة في تعظيم شعائر الحج والطواف بدلا من تعظيم المظاهرات.
وكتب العمري على صفحته الخاصة : "نطوف حول الكعبة بالملايين ونخرج في مظاهرات ضد الحكام بالعشرات. هذه هي مصيبة هذه الأمة. ضحكوا عليهم بتعظيم الشعائر بدل تعظيم المظاهرات السياسية. أصبحنا قطعان يحركنا رجل الدين لمصلحة الحاكم المشغول بنهب المليارات بينما يلهو المؤمنون بأداء الشعائر".
وقال أيضا: "سفك الدماء كان رمز العبادة في الحضارات البدائية. في الحضارات الحديثة سفك دم الحيوان والإنسان هما رمز التخلف. الحفاظ على الحياة والبيئة انتصار للبشر على الطبيعة العمياء وعلى شهوة سفك الدماء البدائية".
وأضاف: " الشعائر الأتوماتيكية تقتل الروح وتبلد العقل. التفكر هو الروحانية التي تقود الى الإرتقاء البشري، التفكر والتفكير بتحسين الحياة وشن حرب شعواء على الفقر والعازة والجهل والظلم. حضور العقل هو العبادة وتغييب العقل هو الكفر".
استغلال سقوط كسوة الكعبة
ولم يفت أتباع الجماعة واقعة سقوط كسوة الكعبة بفعل الرياح الشديدة التي هبت على الحرم الشريف يوم وقفة عرفات والتي أكدوا فيها بأن ذلك نبوءة من الله بزوال دول أعدائهم خاصة السعودية ومصر.
وكتب سعيد بن ناصر الغامدي: "قال بعض المؤرخين أن انكشاف الكعبة بالريح (قد) يشير إلى هلاك السلطان او زوال حكمه، فلما نزل المنصور الزاهر هبت ريح كشفت جدران البيت فتفاءل الناس بموت المنصور فحصل.
أما القيادي الإخواني الهارب إلى تركيا محمد الصغير فقال:
"قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في أحداث سنة ٦٤٤ه ما نصه:
(( وفيها هبت *رياح عاصفة شديدة* بمكة في يوم الثلاثاء من عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، *فَأَلْقَتْ سِتَارَةَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ*، وَكَانَتْ قَدْ عَتُقَتْ، فَإِنَّهَا مِنْ سَنَةِ أَرْبَعِينَ لَمْ تُجَدَّدْ لِعَدَمِ الْحَجِّ فِي تِلْكَ السِّنِينَ مِنْ نَاحِيَةِ الْخَلِيفَةِ، فَمَا سَكَنَتِ الرِّيحُ إِلَّا والكعبة عريانة قد زَالَ عَنْهَا شِعَارُ السَّوَادِ، *وَكَانَ هَذَا فَأْلًا عَلَى زَوَالِ دَوْلَةِ بَنِي العبَّاس*، وَمُنْذِرًا بِمَا سَيَقَعُ بَعْدَ هَذَا مِنْ كَائِنَةِ التَّتَارِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.)) منقول.(البداية والنهاية -مكتبة المعارف ببيروت - ط07- ج13 - ص 170-171).