ما هو الأصل في الانسان: الايمان أم الالحاد ؟
إن إجابة هذا التساؤل تفيدنا بحثيًا في طبيعة الانسان الأساسية هل تميل بالفطرة إلى الإيمان ؟ أم إلى عدم وجود إله: الالحاد ؟ وهل في حالة أنها تميل لعدم وجود إله كيف كان يجيب الإنسان البدائي على السؤال الأزلي المهم: من خلقني ؟ ولماذا خلقني ؟ ومن خلق هذا الكون؟
لا شك أن الانسان البدائي وجد ضالته في الإجابة على هذه الأسئلة عندما رأي أن هناك قوة أكبر منه تحكم الكون، قوة تجعل المطر ينزل من السماء إلى الأرض، قوة تُحدث البراكين والزلازل، قوة تنظم هذا الكون وتجعله كالسيمفونية الرائعة التي تعزف بواسطة عازف متقن تمامًا لأوتارها.
وقد وصل الانسان بفطرته ان هذه القوة ممثلة في " إله " يحكم هذا الكون، وهو الذي أبدع هذا الكون في ثوبه الفيزيائي الدقيق.
ولكن هل يكفى أن يصل الانسان بفكره البدائي إلى أن هناك قوة كونية تحكمه وتتحكم في كل الظواهر الطبيعية وهذه القوة ممثلة في وجود ( إله ) ؟ الإجابة بكل ثقة وطمأنينة علمية: ( نعم )، حيث أن الانسان الأول لم يرم بنفسه في أحضان حقيقة وجود إله إلا إذا كان وجد نفسه ضعيفًا امام ظواهر أقوى منه، وأحكم منه، ومهما بلغت قوته البدنية بل والعقلية من التحكم والسيطرة عليها لن يستطيع أن يكون أقوى منها.
لذا، يؤدي بنا هذا الحديث إلى تساؤل آخر وهو: ما هو الانسان ؟
هل هو مجرد كائن طبيعي بدرجة أعلى عن بقية الكائنات الطبيعية ؟
أم هو كائن يقف في مركز الكون ولا يمكن رده إلى قوانين الطبيعة ولا مساواته بالكائنات الأخرى ؟
وقبل مناقشة إجابة ذلك التساؤل نود ألاتصيب الباحث والقارئ في( الايمان والالحاد ) بلبلة فكرية وترجع هذه البلبلة إلى وهم الانسان المعاصر بأنه مَلَك الكون بالعلم، وأنه يستطيع استطاعة مطلقة في الكون.
وانعكس ذلك الوهم في نظريات وكتب ومجلدات وأعمال درامية تعبر عن كلمة واحدة وهى ( لا إله إلا الإنسان ).
نعم يا سادة، إننا أمام عصر " تأليه الإنسان لنفسه " فعبد عقله، ودخل في منازلات فكرية هدفه الأول فيها ليس الحقيقة بل الانتصار لنشوة العقل والعلم والمادية ونشوة الانتصار في الصراع المادي، وجعل غرائزه من جاه وسلطة ومال ونساء هي محور حياته.
ونعود لاجابة التساؤل: ما هو الانسان ؟
يمكننا القول بأن الانسان هو ذلك الكائن الطبيعي والإنساني معًا، أي أنه كائن في مظاهر عيشه مثل الكائنات .
وبهاتين الاجابتين على التساؤلين السابقين وهما باختصار: ( حتمية وجود إله )، ( طبيعة الانسان الثنائية الجامعة ، الانسان هو مركز الكون وليس فقط جزءًا منه.
إذن، الأساس الفلسفي لغياب الاله أو عدم وجوده أصلًا هو أساس واهٍ، لأنه يؤدي بنا إلى تهميش الإنسان لشقه الأعلى عن الكائنات الأخرى وحبس جوهر الانسان داخل القفص المادي وحده، ويتحول إلى مجرد كائن طبيعي مادي ويفقد ما يميزه كإنسان، يفقد حرية الاختيار والمقدرة على التجاوز والتسامي نحو المطلق الإلهي.
إن الانسان لا يحفظ إنسانيته إلا بإيمانه بوجود إله متجاوز مفارق للطبيعة فوجوده هو ضمان إنسانية الانسان وهو ما يعني أن داخل الانسان ذلك النور أو القبس الإلهي الذي يميزه عن الكائنات الطبيعية الأخرى ويدفعه دائمًا للتسامي لربط كل فعل دنيوي بالكل المطلق بما يضفي عليه الدلالة والمعنى والقيمة.
وجدير بنا أن نشير في هذا المقام بأن ما سبق يوضح جليًا الفارق الجوهري بين الفلسفة الشرقية الإسلامية والفلسفة الغربية، من حيث تناولهما لقضيتي الايمان والالحاد وكذلك قضية جوهر الانسان.
وفي ظل هذه الفلسفة نجد أن كل طريق لابد وأن يؤدي في نهايته إلى الله واجد الوجود، حتى طريق الالحاد فإنه إذا مشى العاقل فيه خطوات متأملة متأنية لوجد نفسه امام حقيقة الانسان، وهي ( الله ).
ولا أنسى قولًا لأحد القساوسة حينما قال له ملحد: أنني لا أؤمن به، فرد عليه الأب قائلًا: ولكنه مؤمن بك، وفي يوم ستصل إليه.
اما الفلسفة الغربية، عالم الحداثة الداروينية، عالم منفصل عن القيمة وعن الانسان، عالم يتصارع فيه الجميع مع الجميع والبقاء فيه للأصلح والأقوى ماديًا، عالم مفرط في ماديته، عالم وجد ملاذه في ( موت الاله ) فتسير الإنسانية في درب تحرير الانسان من أي أوهام ميتافيزيقية أي لا يوجد شيئًا وراء الطبيعة، اعتقادًا بأن هذا التحرير يجعل الانسان يتطهر من ( ظلال الاله ) الذي كبله بالقيم والثوابت والغايات الأخلاقية، فيتحرر بذلك الانسان عن لكل ما هو مقدس وكل ما هو مطلق وخيرًا وحقًا، والقضاء على أي يقين معرفي على الاطلاق، وعلى مفهوم أو فكرة الأخلاق ذاتها، وعلى أي مركزية لأي كائن، إلهًا كان ام إنسانًا، أي ان العالم بذلك يصبح نسقًا هلاميًا سائلًا بلا يقين أو معنى ويصبح الانسان بلا ذات ولا حدود ولا مركزية ولا استقلال.
إن الطريق الحقيقي للالحاد سيؤدي حتمًا للايمان ويقود الانسان الى معرفة يقينية بوجود الله، فعندما عبر الحلاج وابن عربي واحمد زكي أبو شادي وغيرهم عن الله سنجدهم يصلون الى بواطن الأشياء في الكون، يصلون إلى باطن الإنسانية يصلون إلى ارتباط الجزء – الانسان – بالكل المطلق – الله. فيصل الانسان العاقل الى الحقيقة الطلقة ( الله ).
وللحديث بقية.