نكشف تجارب شباب الإخوان في الانضمام للجماعات المسلحة
منذ ظهور الرئيس عبد الفتاح السيسي على منصة قيادة الجيش المصري في 30 يونيو 2013، وكان يشغل وقتها منصب وزير الدفاع، واقتراحه بوضع مدة زمنية لجماعة الإخوان وعناصرها والرئيس المعزول محمد مرسي، لمراجعة مواقفهم من الدولة، بدأت الجماعة بتأسيس التنظيمات المسلحة.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، حاولت الدولة مواجهة العنف الذي قررت جماعة الإخوان انتهاجه ضد مؤسساتها، فكانت النتيجة القبض على كل من شارك في عنف وإرهاب للشعب المصري، تطبيقًا لمبدأ السجن "تهذيب وإصلاح"، وبالفعل نجحت الدولة في ذلك مع البعض، إلا أن البعض الآخر خرج كالذئاب المتوحشة فقرروا تشكيل تنظيمات خاصة كان من بينها "حسم" و"لواء الثورة" و"كتائب حلوان"، بالإضافة إلى جانب إمداد الجماعة للتنيظمات الكبرى كداعش وغيرها بالعناصر البشرية من أعضائها.
وزادت الحاجة إلى معرفة التفاصيل الخاصة، بعد الإصدار المرئي الذي نشره فلول تنظيم داعش الإرهابي، وأظهر نجل أحد قادة الإخوان "عمر الديب"، بعدما قتل ليعلن التنظيم عدة رسائل مباشرة وغير مباشرة، أهمها أنه استطاع خلال السنوات الماضية تجنيد شباب الجماعة وضم العشرات منهم.
كما نقل إصدار آخر بثه التنظيم بعدها بأيام قليلة، تحدث خلاله شاب يُدعى أحمد وجيه أحد شباب الإخوان الذي انضم إلى "أنصار بيت المقدس" فيما بعد، والذي قال: "كنت فردا في جماعة الإخوان وكنت أثق في قياداتها تمام الثقة، لم أكن أتخيل يوما أن تضللني هذه القيادة..".
ورغم كل ما سبق يخرج علينا قادة الجماعة لينفوا الحقائق التي تقع يوميًا أمام أعين الجميع، لهذا بدأ "أمان"، رحلة البحث عن إجابات على الأسئلة المطروحة والخاصة بكيفية تحول شباب الإخوان وانضمامهم إلى التنظيمات الإرهابية.
من اعتصام رابعة إلى سوريا
ليتحول فيما بعد ضمن الصفوف الأولى فى التشدد، فكان يمنع إخوته من الخروج نهائيًا من المنزل، ليحضر المؤتمر الذي عقده الرئيس المعزول محمد مرسي في يوينو 2013، بستاد القاهرة لنصرة سوريا، وبدأ يبحث عن سبل لمساعدة "المستضعفين" كما أطلق عليهم مشايخه، لكن الأحداث الجارية في البلاد وقتها منعته من السفر، ليشارك جماعته فيما يحدث لها من أرض الواقع".
ويضيف: "شارك 5 أيام فى اعتصام رابعة العدوية، وبعدها حجز تذكرة طيران إلى تركيا ومجموعة أخرى من الشباب، وكنت على تواصل دائم معه عبر برنامج الشات فيديو الشهير الإسكيب".
واستكمل: حكى لى بعدما وصل إلى هناك أنه انتقل من تركيا إلى سوريا عبر الحدود ودفع وقتها 300 دولار لوسيط كان ينقل يوميًا أكثر من 50 شابا، داخل عربات نقل المعدات الثقيلة، وانضم بعدها إلى حركة "تحرير الشام" بمدينة إدلب السورية، وبعدها كان يتحدث عن بعض الخلافات التى كانت تقع مع بعض القادة بسبب الاستحواذ على الأموال، كما نقل أنه التقى هناك بـ"أبوالعلاب عبدربه" أحد قادة الجماعة الإسلامية الذى هرب بعد نجاح ثورة 30 يونيو إلى سوريا، كما التقى "إسلام يكن" أحد الشباب الذى انضم إلى تنظيم داعش هناك، قبل انضمامه إلى التنظيم.
ويتابع: "إسلام" أصبح مصيره مجهولا منذ مطلع العام قبل الماضي، حيث كانت آخر مكالمة هاتفية فى ديسمبر 2015، ومنذ ذلك الحين لم يحدث أحدا من أهله أو أسرته ولم يبلغهم التنظيم بأنه مات أم ما زال حيا، وخلال هذه الفترة توفت والدته حزنا عليه، بعد إصابتها بجلطة إثر علمها بسفره إلى التنظيمات الجهادية فى سوريا
هذه القصة كانت أحداثها أسرع، وذلك لان الشاب قرر السفر قبل أن تحسم جماعته مصيرها في مصر، لهذا كان اللقاء الثاني لـ"أمان"، مع شاب يُدعى عبد الرحمن، والذي كان مسجون لأكثر من عامين بسجن الطرة، وكان يتعامل داخل السجن بالشباب المنتمين لتنظيم داعش فكريًا وأيدلوجيًا.
ويحكي عبد الرحمن، في حديثه لـ"أمان": هناك داخل العنبر الواحد على الأقل يوجد شاب أو اثنين من شباب الإخوان انحرف بالمزيد ناحية العنف فكريًا، حيث بعضهم أصبح يؤمن بفكرة الدواعش وهو القضاء على الأنظمة العربية وتكفير عوام المسلمين، حتى من لا يعلم بالمعاصية.
ويضيف الشاب الثلاثيني، في إحدى الليالي جلست مع أحد الشباب الذي انضم فكريا للتنظيم، واكد لي أنه حال خروجه من السجن سيكون هناك تواصل مباشر مع قادة التنظيم لمعرفة طرق الدعم والوصل إلى الأماكن المتواجدين فيها، كما أنه بدأ خلال تواجده في السجن بتجيند بعض الشباب لتشكيل فيما بعد خلية جديدة خارج السجون.
وتأكيدًا لهذه الحديث، والذي نقل لإحدى المصادر الخاصة داخل الجماعة، والتي طلبت بالحفاظ على هويتها، مؤكدة على أن شباب الإخوان الذين انتهجوا العنف بعد عزل مرسي من الحكم، وشكلوا كتائب مسلحة، بدأوا يتواصلون مع تنظيمات جهادية. وأضافت، أن بعض هؤلاء الشباب بعدما تمكنت الأجهزة الأمنية من تفكيك مجموعاتهم المسلحة، بحثوا عن وسيلة للانضمام لتنظيمات أخرى أكبر مثل أنصار بيت المقدس.
وتتابع أن شباب الإخوان الذين انتهجوا العنف انقسموا إلى تشكيل مجموعات مسلحة خاصة بهم، وحاولوا تمييز أنفسهم ولكن أجهزة الأمن تمكنت من ضربها تماما، وتحديدا تلك التي تشكلت في مدينة نصر بالأساس، والتي تولدت من رحم اعتصام رابعة.
وأشارت إلى أن بعض هؤلاء الشباب في "اللجان النوعية" أو ما تسمى "كتائب الردع"، دخلوا السجون بعد القبض عليهم، وفي الداخل بدأت عملية اختلاط كبيرة بمجموعات تحمل أفكار جهادية، وحينها ظهرت تحولات أكبر، ونشأت صلات توطدت بعد خروج بعضهم من السجن.
وأوضحت أن بعض الشباب الذين لم يتم القبض عليهم لجأوا إلى تنظيمات جهادية، خوفا من القبض عليهم، دون أن تكون هناك تحولات فكرية، ولكنهم اضطروا إلى ذلك.
وأكدت على وجود فصيل من شباب الإخوان تعرض لصدمة شديدة بعد فض الاعتصامات، الصدمة الأكبر كانت في قيادات الجماعة، وبعض هؤلاء الشباب سعوا مبكرا إلى الانضمام لـتنظيم "بيت المقدس" التي تحولت إلى "مبايعي داعش".
وحول عملية الانضمام إلى تنظيمات جهادية والارتباط بالإرهابيين في سيناء، شددت على أن اعتصامات مؤيدي مرسي، ضمت بالإضافة إلى جماعة الإخوان عناصر جهادية، ونشأت روابط خلال تلك الفترة، وهي أحد محاور التواصل مع المجموعات الإرهابية بسيناء.
الاخوان في السجون
وانتقل "أمان" في رحلتها للبحث عن حقيقة ما تحويه زنزانة الإخوان داخل السجون، يقول عماد على أحد قادة المراجعات للإخوان والذي كان مسجون لأكثر من عامين: إن السجن لا شك بيئة غير صحية فيه من الآفات التي تصيب الإنسان الكثير، هو الخطاب الذي يسمعه الشخص في السجن، فخطاب الإخوان مثلًا، يقوم على فكرة المظلومية، وأنّهم الجماعة التي تدافع عن الدين ضد كل من يحارب الإسلام، فكل ما يتعرضون له هو ظلم نتيجة مبادئهم وأهدافهم النقية التي لا يشوبها خطأ ولا عيب؛ كيف وهي مبادئ الإسلام!!
ويضيف: وبالتالي، لا مجال لمراجعة ولا إصلاح الأخطاء، ومن ثم يتولد شعور لدى البعض بالرغبة في الانتقام، ونتيجة للقناعات السابقة يفسر الصراع على أنّه صراع بين الحق والباطل وأنّه صراع ديني وليس سياسيًا، فتستدعى كل النصوص المتعلقة بالجهاد ضد أعداء الإسلام وما يترتب على ذلك من أفكار توضع في غير موضعها، ومن هنا تولد الأفكار المتشددة التي تصل أحيانًا للتكفير ومحاربة من يصفونه بهذه الأوصاف من وجهة نظرهم. وهناك من يرى أنّ هناك أخطاء لديه، وأفكارًا تحتاج لتغيير، ويقوم بذلك التغيير بالفعل؛ فتتولد لديه رغبة في الإصلاح بنفس لا تحمل ضغينة ولا ترغب في الانتقام".
تجارب في الخارج
وهنا بقى في القصة طرف وهو الشباب الذي سافر خارج البلاد هربًا من الملاحقات الأمنية لاتهامهم في قضايا عنف وإرهاب، حيث يقول محمد طلبة أحد شباب الإخوان الهارب خارج البلاد وبالتحديد في السودان، والذي لفت إلى مفاجات غريبة، عن علاقة شباب الإخوان والتنظيمات الإرهابية: إن هناك عدة أسباب لانضمام الشباب إلى التنظيمات والجماعات المسلحة، الموجودة داخل أو خارج مصر، وأهمها هو ما حدث لهم من تشريد من قبل الجماعة والعيش في المظلومية التي انتهجتها الجماعة منذ 30 يونيو، بالإضافة إلى استخدام هذه التنظيمات بعض الشعارات التي تستخدمها الإخوان، كما يزعمون أنهم سيثأرون للشباب الذين قتلوا خلال عمليات مع قوات الأمن، وكفرهم بخيار السلمية كحل للأزمة.
أما عن أعداد شباب الإخوان الذي قرر الانضمام المشاركة في الأعمال الإرهابية، يقول طلبة: أكاد أجزم أن أكثر من 70% من شباب الإخوان إما انضموا أو يفكرون في داخل وخارج مصر، في الانضمام إلى التنظيمات المسلحة.
وفيما سبق تمكنا من عرض وجهات نظر من مروا بالتجربة، وبقى رأي المتخصصين في الحركات الإسلامية، حيث بدأ أحمد بان، الباحث في الحركات الإسلامية، تفنيده للظاهرة بقوله: إن جماعة الإخوان تؤمن بما يعرف بـ "العنف المؤجل"، وأنها تنفي علاقاتها بالتنظيم الخاص وتنظيم الفنية العسكرية، رغم وجود صلات بين هذه التنظيمات والجماعة، وحتى الآن لم تعتذر عن أي عنف ارتكب لا قديما ولا حديثا.
وأضاف، أن أدبيات الجماعة بداية من مؤسسها حسن البنا وتحمل أفكار استخدام القوة، من دون وجود حسم في هذه المسألة، في ظل النفي المتكرر لعلاقة الإخوان بحوادث عنف منذ تأسيسها.
ويتابع: أن القيادي الإخواني محمد كمال هو من أسس للعنف بعد عزل مرسي من الحكم، ولا تزال أصداؤها قائمة داخل جسد الإخوان، حتى أن محمود عزت بعدما تمكن بشكل كبير من السيطرة على مفاصل الجماعة، لم يتمكن من القضاء على فكرة حمل السلاح والعنف.
ويشير إلى أن هذه الحالة داخل جسد الجماعة أسفرت عن تسرب شباب الإخوان وتحديدا أعضاء اللجان النوعية إلى تنظيمات جهادية كبرى، باعتبارها أكثر إلهاما لدى هؤلاء الشباب.
بينما يقول الباحث في شئون الحركات الإسلامية هشام النجار، إن الجماعة كانت الأرضية ممهدة لتحالف مع التنظيمات الأكثر تشددا وتكفيرا، فخلال وجود الإخوان فى السلطة كان الطرح بأن الجماعة لن تستطيع الصمود والتعامل فى المشهد السياسى مع مؤسسات الدولة والمناورة السياسية ألا بوجود معها أذرع عسكرية من داخل الفصائل الجهادية وذلك لمؤازرة الجماعة فى الانفراد بالسلطة ومواجهة الخصوم.
وأضاف "النجار" أن انضمام أعضاء من الإخوان لتنظيم داعش أتى فى وجود أرض ممهدة من الجماعة للتحالف مع فصائل أخرى تكون سند لها، مشيرا إلى أن الجماعة كانت لها تحالفات مع تنظيم القاعدة قبل داعش، وبعد عزل الإخوان من الحكم ظهر التحالف بين داعش والإخوان بشكل قوى.
واختتم حديثه، أن جماعة الإخوان تمر بأزمة وجودية لم تحدث من قبل فى تاريخها، مضيفا أنه كانت هناك رؤى لبعض القيادات فى الجماعة أن تفتح أبوابها للتنظيمات لمحاولة استعادة قوتها والصمود ولو من خارج الجماعة.