قصة فتوى دينة وعملة معدنية تسببتا في الغزو العثماني لمصر
النقود رمز من رموز السيادة والإعلام في أي دولة، وهي أقدم صحفي وإعلامي لاي دولة ايضًا، هي إحدى شارات الملك والسلطان، هي اللوحة التذكارية والتاريخ لأي مؤسسة أمنية وثقافية، لذا حرص أي حاكم أو سلطان على تخليد ذكراه علي العملات المعدنية والورقية وسكها في دار سميت بـ"الضرب أو السك" أو مصلحة سك العملة في العصر الحديث.
الدولة التي لا تهتم بنقودها ونقش ذاكرتها على نقودها وعملاتها تفقد حضارتها ومن ثم عبقها التاريخي ورونقها وبريقها الحضاري والفكري.
قد تسببت بعض العملات الورقية والنقدية إلى كوارث غيرت بسبب ظهورها خرائط بعض الدول ومنها عملة الدولة الدولة المملوكية في القرن الخامس عشر الميلادي. وبسبب فتوى شرعية بتحريم تداول هذه العملة "تحركت الجيوش" وقتل العديد من المسلمين بين الطرفين، الجيش العثماني والجيش المملوكي المصري.
بدأت القصة عندما سُئل شيخ الإسلام ومفتي السلطنة العثمانية في عهد السلطان سليم الأول (962ـ 918هـ ـ 1512ـ 152م )، الشيخ علي جمال أفندي عن أمة المماليك التي تنافق في احتجاجها برفع كلمة الإسلام، فتنقش آيات كريمة على الدنانير والدراهم مع علمها بأن اليهود والنصاري يتدولونها هم والملاحدة من أهل الأهواء والنحل، فيدنسونها ويرتكبون أفظع الخطايا بحملها معهم إذا ذهبوا إلي محل الخلاء (الحمام أو الكنيف)، لقضاء حاجتهم فكيف نتعامل مع هذه الأمة؟ فكان جواب المفتي.. بأن هذه الأمة إذا رفضت عن ارتكاب هذا العار جاز إبدتها.
ورد نص الفتوى في كتاب المؤرخ النمساوي hammar (تاريخ الدولة العثمانية)، وكذلك كتاب عبد الرحمن فهمي (تاريخ النقود العربية ماضيها وحاضرها)، سلسلة 103، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، 1964م، ص 112ـ 113، وكذلك في (موسوعة النقود المصرية)، تأليف مجدي حنفي الصادرة عام 2018.
فتوى تحريم استخدام العملة المعدنية التي تتداولها الدولة المملوكية المصرية لوجود آيات قرآنية على هذه العملة كانت هي الذريعة لدخول العثمانيين مصر.
حرم المفتي العثماني استخدام العملة المملوكية المصرية، وتطبيقا لهذه الفتوى يجب منع هذه العملة من التداول فجرر السلطان سليم الأول العثماني جيشا جرارًا لغزو مصر، ومن ثم اخضاعها تحت السيطرة في عام 1517م.
كم جرت هذه الفتوى الويلات علي مصر وأهلها، وكم جرت هذه العملة وقتلت من الجنود المصريين في المعارك بين الجانبين.
الحقيقة أن الدولة المملوكية بحسب د. حسام عقل، صاحب كتاب "نقود إسلامية من فلسطين" الذي يؤكد أن الدولة المملوكية لم تكن تضع على المسبوكات الخاصة بها أي آيات قرآنية أو أدعية نبوية سوى اسم ملوكها أم اسم السلطان أو أبيه أو عبارات مثل "خلد ملكه" أو"دام ملكه" وعبارة "عز نصره"، رغم أن الدولة الثمانية فيما بعد وضعت على بعض مسكوكاتها عبارات مثل "حريت مساوات عدلت"، أي حرية ومساواة وعدالة وهي نفس شعارات الثورة الفرنسية الغربية.
في نفس السياق، قال المهندس مجدي حنفي صاحب أضخم موسوعة خاصة بالنقود والبنكنوت في مصر: "بأن النقود تعد من أهم المؤثرات في تاريخ العالم الحديث فهذه الفتوى أحدثت تغييرا كبيرا في تاريخ مصر الحديث وكانت بسب عملة نقدية صغيرة".
وأضاف أنه أشار في موسعته عن النقود في مصر إلى العديد من العملات التي بها اسم الله أو بعض العبارات الدينية والتي أحدثت الكثير من الجدل في تاريخ مصر القديم والحديث.