الخرقة والعمامة عند الصوفية.. النشأة والأصول
تعتبر العمامة أو الخرقة أبرز ما يميز الطرق الصوفية عن بعضها البعض، سواء في اللون أو طريقة لفها على الرأس، وهناك طقوس خاصة لتسليم عمامة شيخ الطريقة إلى مريديها، وارتداؤها ليس مجرد شكل خارجي فقط، وإنما هي تعبير ظاهري عن معنى باطني يجعل ارتداءها شيئا مقدسا لدى المريدين، خاصة إذا عُرف أنها أهم الطقوس في عملية تولي مشيخة الطريقة، ولا تتم مراسم تنصيب الشيخ إلا بعد ارتداء العمامة التي يتلقاها عن شيخه السابق، ويمتد سندها، كما يروج الكثير من شيوخ الطرق الصوفية، إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
الخرقة والعمامة سند متصل برسول الله
يقول أبوالهدى الصيادي:
"وقد أخذنا سند الخرقة بقصد التزيي بزي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالأسانيد الصحيحة، التي ضبطها الحفاظ أمناء الرسل علماء المسلمين حفظة الحديث ورجاله- رضي الله عنهم- فإن الخرقة أعني: الزي الذي اختاره السادة الرفاعية، ومضوا عليه خلفا بعد سلف، إنما هو العمامة السوداء مرسلة الطرف، واختار بعضهم بغير إرسال".
ونقل عن بعضهم إن العمامة حاجز بين الكفر والإيمان.
وذكر الصيادي سند العمامة التي يرتديها فقال: "أما مشايخي فثلاثة، أولهم سيدي وسندي ووالدي وقرة عيني أبوالبركات وادي المكارم، الأستاذ الأوحد السيد الشيخ حسن آل خزام الصيادي الرفاعي، ثم الخالدي الذي سبق ذكر نسبه الكريم إلى النبي العظيم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، وهو أعاد الله علي من بركة أحواله وأنفاسه، ألبسني الخرقة الأحمدية، وأجازني بالطريقة العلية الرفاعية، كما ألبسني الخرقة وتلقى عهد الطريقة عن شيخه وابن عمه الولي الأنجب الشيخ رجب المحمدي الصيادي، وهو لبس الخرقة من يد شيخه السيد أحمد الجندي الصيادي، وهو لبسها من يد أبيه السيد مصطفى، وهو لبسها من يد شيخه وخاله السيد محمد عرفات الصيادي، وهو لبسها من شيخه وابن عمه صاحب العلم السيد خيرالله الكبير بحلب... وأوصل السند إلى: الإمام علي بن موسي الرضا، وهو من أبيه الإمام موسى الكاظم، وهو من ابيه الإمام جعفر الصادق، وهو من أبيه الإمام محمد الباقر، وهو من أبيه الإمام زين العابدين علي السجاد، وهو من أبيه أسد الله الغالب سيدنا ومولانا الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، كرم الله وجهه ورضي عنه، وهو من ابن عمه سيد المخلوقين وسند المرسلين محمد الأمين عليه وعليهم صلوات الله أجمعين".
(انظرباختصار: الفرقان الدامغ بالحق أباطيل البهتان، ويليه نفحات الأمداد، أبوالهدى الصيادي، ص 93- 99)
اللافت في هذا السند أنه يلتقي مع أغلب، إن لم يكن كل، الأسانيد عن الطرق الصوفية في الخرقة والعمامة، ومن أشهرها السند الذي رواه الحبيب الجفري لعمامته.
آداب ارتداء الخرقة والعمامة
وقد وضع الصوفية قواعد وآدابًا لارتداء الخرقة، لا يجوز لأحد من أتباع الطريقة تجاوزها أو التخلي عنها، ومنها ما ذكره عبدالوهاب الشعراني:
"ولا سبيل إلى بيع الخرقة إذا وقعت، فإن في ذلك استهانة بالفقراء، إذ الخرقة مثلا إذا دخلت في النداء في السوق أو غيره تدنست بالأيدي الغافلة، وذلك استهانة بطريق القوم في عيون الناس من العوام... وإذا سقطت عمامة الشيخ عن رأسه أو وضعها لثقلها أو لشدة حر ونحو ذلك، فمن الأدب موافقة الفقراء له في ذلك فيضعون عمامتهم كذلك، وإن رمى الشيخ عمامته إلى القوال أو رداءه فلهم أن يوافقوه بصدق، وليحذر أحدهم أن يرمي خرقته للقوال من غير إشارة الشيخ، فإنه ترك للأدب، وإن وقعت خرقة أو عمامة في غير وجد فيستحب للنقيب رفعها عن مواقع الأقدام إكراما لها، وإن كانت عمامة الشيخ رفعها كذلك وصار قائما بها إلى أن يطلبها الشيخ بالقرينة أو الإشارة، فهناك يتقدم النقيب ويضعها على رأس الشيخ قائلا باسم الله الرحمن الرحيم مع استشعار الحياء والأدب".
(انظر: الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية، للشعراني، 135- 136).
وكان السيد البدوي يرتدي عمامة حمراء، وهذا السبب الرئيسي لتسميته بالبدوي لأنه يلبس عمامة مثل البدو، وذكر الشعراني أيضا أنه " كان إذا لبس ثوبا أو عمامة لا يخلعها لغسل ولا لغيره حتى تذوب فيبدلونها له بغيرها".
(انظر بتصرف: الطبقات الكبري المسماة لواقح الأنوار في طبقات الأخيار، للشعراني الجزء الأول ص 185)
أصول
العمامة في المسيحية
وتتشابه العمامة أو الخرقة لدى الصوفية مع الأزياء الكهنوتية في
المسيحية التي تحتفي أيضا بها باعتبارها رمزا دينيا يعبر عن بهاء المسيح، وقد ورد
استخدام العمامة كرمز طقسي في الكتاب المقدس في أكثر من موضع، ومنها ما ورد في "سفر
حزقيال" العدد 26، الإصحاح 21: "هكذا قال السيد الرب: انزع العمامة، ارفع
التاج، هذه لا تلك، ارفع الوضيع، وضع الرفيع".
وهي من الثياب المقدسة للكهنة كما في سفر الخرج، الإصحاج 28، العدد
2-3: "واصنع ثيابًا مقدسة لهارون أخيك للمجد والبهاء. وتُكلِّم جميع حكماء
القلوب الذين ملأتهم روح حكمة أن يصنعوا ثياب هارون لتقديسه ليكهن لى".
وقد ذكر مفسرو الكتاب المقدس أن العمامة أحد الملابس الكهنوتية العشرة
التي تميز رجال الكنيسة باعتبارها تعبيرا عن مجد المسيح، وذكروا أنه "لا يمكن
أن تفهم هذه الثياب الكهنوتية المقدسة إلا من خلال ربنا يسوع المسيح، فإنها صنعت
"للمجد والبهاء"،
ليس لمجد الكاهن وبهائه الشخصي، وإنما لمجد السيد المسيح الذي يتمثل الكاهن به،
يحمل سماته، ويختفي داخله".
ويدل على ذلك ما قاله القديس أثناسيوس الرسولي عن ثياب هارون:
"إن هارون لبس ثيابًا كهنوتية ليعمل ككاهن، وكان هذا رمزًا لابن الله الذي
لبس جسدًا حتى يخدم لحسابنا ككاهن يشفع فينا بدمه".
وتظل الملابس، رمزا دينيا مقدسا في الديانات السماوية والوضعية أيضا.