ماذا يخطط العائدون من داعش مستقبلا؟
العائدون من أفغانستان: خربوا البلاد وأرهبوا العباد.. شاركوا في محاولة قتل وزير الداخلية زكى بدر واغتيال رئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب
عائدون من التكفير يتحدثون لـ"أمان" عن تجاربهم من التكفير إلى الوسطية
خبير أمني: يجب التنسيق بين الدول بلجنة أمنية مشتركة
فتوى الأزهر: وضع لجنة من الأزهر للتحدث مع هؤلاء
خبير نفسي يضع عدة خطط للتعامل معهم أبرزهم النظام الروسي
كشفت صحيفة "ذا صن" البريطانية، عن أن 400 متطرف بريطاني يتجولون بحرية في المملكة المتحدة بعد العودة من القتال مع داعش في سوريا، حيث تمت مقاضاة واحد فقط من عشرة أشخاص.
وقالت الصحيفة، في تقرير نشرته الأربعاء الماضي، إنه يوجد حاليًا حوالي 400 بريطاني ممن عادوا إلى المملكة المتحدة من الشرق الأوسط، حيث فروا للقتال من أجل تنظيم داعش، مؤكدة أنه تمت مقاضاة 40 منهم فقط بسبب "عمل مباشر قاموا به في سوريا".
جاءت العودة بعد ثلاث سنوات من السيطرة على سوريا والعراق، واللتين كانتا تعتبران "عاصمتى" التنظيم، لهذا كان لازمًا عليه إعادة العناصر كالفئران يهربون إلى بلدانهم وإلى بعض المناطق التي يسيطر عليها، ليتم الاعلان عن تطهير هذه المناطق بالكامل.
وهذه الخسائر تزيد من غموض مصير 30 ألف داعشي "حسب الأرقام الرسمية التي أصدرتها عدة مراكز بحثية"، حيث إما أنهم قتلوا خلال الحرب أو الهروب إلى الصحراء أو العودة إلى بلدانهم، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد "الأوروبيين الدواعش" أكثر من 5 آلاف شخص، بعضهم قتل في المعارك في سوريا والعراق، وبعضهم ما زال يقاتل، بينما عاد قرابة 1750 منهم إلى بلادهم، وفقا لتقرير قدمه منسق مكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف، إلى الوزراء في الاتحاد الأوروبي.. وينص التقرير، الذي لم يتضمن أرقاما محددة حول العائدين، بوضوح على أن الدواعش العائدين ينتمون إلى فئتين محددتين، الفئة غير المؤذية، والفئة عالية التدريب التي تشكل تهديدا محتملا للأوروبيين.
وأكدت الدراسة الألمانية، التي حصل عليها موقع "دي فيلت" الإخباري، أن 48 في المئة من العائدين يظلون ملتزمين بأيديولوجية التنظيم الإرهابي، أو يظلون على اتصال مع أصدقائهم المتطرفين.
تتضارب الأنباء حول أعداد المقاتلين العرب والأجانب الذين التحقوا بتنظيم داعش، خصوصا مع كثرة الحديث عن احتمال عودة الآلاف منهم، والجدل حول استقبالهم في دولهم أو رفضهم، من منطلقات عدة، أبرزها أنهم قد يشكلون قنبلة موقوتة في بلادهم.
وتشير تقديرات دولية إلى أن عدد المقاتلين في صفوف داعش في سوريا والعراق يزيد على 30 ألف عنصر، بينما تقدرهم دراسات أخرى بما بين 90 و360 ألف مسلح.
ولعل هذه الأرقام المفزعة ستتحول إلى نار تقضي على الأخضر واليابس في بلدانهم، إن لم يتم التعامل الأمثل معهم، خاصة أنهم ما زالوا محملين بأفكارهم التي تلقوها في خلال فترة التجنيد داخل التنظيم.
أوروبا تكتوي بنار العائدين
ومع هروب عدد قليل من عناصر التنظيم، ووصولهم إلى بلدانهم، بدأت أوروبا في الاكتواء بالنار، حيث استطاع الإرهاب ضرب العديد من الدول الأوروبية.. مؤخرا في 24 مارس 2017، قُتل خمسة أشخاص وجُرح 50 آخرون في هجوم إرهابي بالقرب من مبنى البرلمان البريطاني، وقالت الشرطة البريطانية إن المسئول عن الهجوم اسمه خالد مسعود، ويبلغ من العمر 52 عاما، وكانت له ميول متطرفة، وقد أعلن داعش عن تبنيه العملية، مؤكدا أن منفذها أحد مقاتليه.
وفي 4 أبريل 2017، ضرب الإرهاب الأراضي الروسية في معقلها رغم الإجراءات الأمنية المشددة، وآخرها تفجير سان بطرسبرج، وأسفر عن مقتل أكثر من 10 أشخاص وإصابة حوالي 45 آخرين، ولم يعلن أي تنظيم حتى الآن مسئوليته عن الهجوم.
واعترف الداعشي الأوزبكي، رحمت عقيلوف، الموقوف بتهمة تنفيذ هجوم الدهس، بجريمته خلال التحقيق، وقال إنه "دهس الكفار بأمر مباشر من تنظيم داعش"، بزعم أن "السويد هاجمت بلاده"، وقال إنه مسلم وينتمي إلى داعش، وإنه تلقى أوامر مباشرة لتنفيذ الهجوم من قيادة التنظيم في سوريا.
العائدون من أفغانستان
وهذا الخطر ليس وليد اللحظة الحالية، حيث عانت مصر على مدار 3 عقود من عمليات إرهاب وقتل على أيدي المعروفين باسم "العائدون من ألبانيا"، والذي تحاول فيما بعد إلى رصاص في صدر الدولة من خلال عمليات الاغتيالات التي قاموا بها واستهداف مؤسسات الدولة.
جاء هؤلاء وقتها، وحسبما جاء في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"العائدون من ألبانيا"، وكان على رأس المتهمين في هذه القضية "محمد شوقي الإسلامبولى، وعثمان خالد إبراهيم، ومصطفى حمزة، ورفاعي أحمد طه"، وجميعهم كانوا أعضاء بالجماعة الإسلامية في مصر قبل سفرهم والتحاقهم بالجهاديين في أفغانستان من أجل إسقاط الاتحاد السوفيتي.
وحينما عادوا لم يخضع هؤلاء إلى مراجعات حقيقية، ثم يفجأ البعض وقتها بمشاركتهم في عمليات إرهابية، أبرزها: محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري زكى بدر عام 1989، واغتيال رئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب عام 1990، ومحاولة اغتيال وزيري الداخلية حسن الألفي والإعلام صفوت الشريف 1993، والرئيس حسنى مبارك في إثيوبيا عام 1995، وتفجير السفارة المصرية بإسلام آباد في العام نفسه.
ولم ننتهِ سريعًا من هؤلاء إلا أن عادت موجة جديدة من عناصر جهادية من العراق، بعد تفكيك تنظيم "القاعدة" في نهاية عام 2002، ليعودوا إلى مصر مرة أخرى بعمليات إرهابية في "شرم الشيخ والأزهر وطابا وميدان الحسين"، قبل أن تطوقهم وزارة الداخلية آنذاك وتزج بهم في السجون، وشهدت مصر أيضًا ظاهرة "العائدين من اليمن" من أعضاء تنظيم القاعدة المصريين الذين هربوا إليها عن طريق السودان، وكان أشهرهم "الدكتور سيد إمام"، مفتى تنظيم القاعدة، قبل أن يقود المراجعات الفقهية لمجموعات الجهاد من داخل السجون عام 2008.
وفي تقرير أصدره الاتحاد الأوروبي، مايو الماضي، ويحمل اسم "جيلز دي كيرتشوف، منسق مكافحة الارهاب بالاتحاد الأوروبي"، والذي ترجمته "الدستور"، قدر أن هناك ما يتراوح بين 2000 و2500 مقاتل إرهابي اجنبي أوروبي لا يزالون في سوريا والعراق.
وقد لقى ما بين 600 و1000 شخص مصرعهم فى الصراعات هناك، وعاد 1200 الى 750 شخصا آخرين إلى اوروبا، وفقا لما ذكره التقرير، وقال: "من المهم تبادل المعلومات حول العائدين الذين يعودون بالفعل الى اوروبا، والى الدول التي تمر بالمرور العابر، والتي لا تزال في منطقة النزاع"، مضيفًا: "هناك في الغالب فئتان من العائدين؛ أولئك الذين ينتمون الى الغالبية، والذين سيعودون الى مهمات محددة".
كما يمكن للاتحاد الأوروبي أن يعزز التعاون مع تركيا، الطريق الرئيسي لأوروبا للمقاتلين العائدين، وينبغي أن يعزز برامج إعادة التأهيل وإعادة الإدماج "داخل وخارج السجن" بالنسبة لأولئك الذين يعودون.
وحسب ما قاله التقرير الأوروبي على وضع برامج إعادة تأهيل ودمج هؤلاء العائدين إلى المجتمع الأوروبي، في هذا الملف يضع "أمان"، هذا البرنامج والذي يشمل عدة محاور أبرزها "التأهيل النفسي والأمني والمجتمعي والفكري"، بالإضافة إلى التأهيل المجتمعي للشعوب والأنظمة لعدم استنساخ تجارب عودة الإرهابين التى حدثت في مصر خلال مطلع القرن الحالي.
وقبل عرض العلاجات نستعرض حالات كانت ضمن قادة الفكر الإرهابي داخل مصر، وأولى هذه الحالات، هو محمود عزام، أحد مؤسسي جماعة التكفير والهجرة، خال زعيم القاعدة أيمن الظواهري، ورفيق درب رأس الجماعة شكري مصطفى، يعتبر "شكري" هو منظر الفكر التكفيري، والذي قال إن فكر جماعته هو تكفير أي مسلم يرتكب ذنب، بقوله: "إن التنظيم وضع النقاط على الحروف وحدد مَن الكافر وكيف التعامل معه، ويعتبر هو أول مَن كفّر بالإصرار، أي كان يُخرج المسلم من الملة طالما كرر المعصية، كما كان يعتقد أن مجرد السقوط في الذنب كفر، وإن جماعته هي الوحيدة التي تحمل الصواب، وكل مَن لا ينضم إليها كافر يستوجب قتله".
وبينما اشترك التنظيم في وضع اللبنة الأولى للإرهاب في العالم، عاد "عزام" عن أفكاره وهو داخل السجن، بقوله: رأيت أن التكفير بالإصرار لم يكن موجودًا فى عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، بل كان الرسول يقول عن المرء خطاء، أي يقع في الذنب مرة واثنتين وعشرة ولا يكون قد خرج من الملة.. أما بخصوص أنها الجماعة الوحيدة التي تحمل الصواب فهذا ليس سليمًا لأننا لسنا في عهد الخلفاء الراشدين الذين كانوا يحكمون أرض المسلمين ويحكمون سيطرتهم عليها".
وبصفته أحد عابري التجربة، طرحنا عليه سؤال: "ما السبب في انتشار الأفكار الإرهابية خلال السنوات الماضية؟"، رد بقوله: "المشايخ يقعون في خطأ لا يقل عن الذي يقع فيه "داعش"، فمثلًا تجد الشيخ بدلًا من أن يوضح أن "داعش" اعتمد على نصوص دينية مجتزأة ومقطوعة من سياقها، يذهب إلى التشكيك في الحديث النبوي رغم الاتفاق على صحته، ما يعني ضرب الدين في ثوابته، ونكون بذلك أمام تنظيم يضر ثوابت الدين ومشايخ يشككون فيها، أو يكتفون بوصف التنظيم بخوارج العصر دون توضيح ماذا يعني بالخوارج".
"عقد جلسات لمراجعة الأفكار، يشملها التأهيل النفسي والديني والاجتماعي"، بهذه الكلمات أكد عزام أن العائدين من التنظيمات الإرهابية البعض منهم يجب دمجهم في المجتمع، ولكن كلهم يحتاجون إلى عدة جلسات متتالية، أولاها الجلسات مع علماء متخصصين في الازهر ويواجهون الحجة بالحجة، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى الجوانب الأخرى لمعالجة ما دمره التنظيم خلال فترة انضمامهم له.
بينما نستعرض تجربة أخرى، وهي للداعية السلفي أسامة القوصي، الذي قال: "كنت متطرفا ولم أكن إرهابيا، حيث حملت فكر سيد قطب في بدايات شبابي، وقد فرقت ببن التطرف والإرهاب، بأن التطرف فكري أما الإرهاب فسلوكي فيه أفعال وتصرفات عدوانية لا مجرد أفكار، وبعد مرحلتي القطبية التي استمرت حوالي 5 سنوات سافرت في رحلة عمرة 1977 وتخلفت عن الرحلة إلى الحج بل بقيت في السعودية سنة تحولت فيها من قطبي إلى سلفي متطرف جدا في فقه العبادات والمعاملات والأحكام وبقيت سلفيا جامدا حتى 1996".
"كنت مخالطا لكثير من الإرهابيين وعصابات التطرف والإرهاب بحكم المصاهرة والنسب لاثنين ممن شاركا في اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، وهما خالد الإسلامبولى وعبدالحميد عبدالسلام، وكذلك مخالطتي لجهيمان العتيبي قائد العصابة التي اقتحمت الحرم.. من يرفع السلاح فلا علاج له إلا الإبادة الفورية"، بهذه الكلمات لخص "القوصي" خطة القضاء على العائدين من داعش، مؤكدًا أن من يحمل الفكر الإرهابى وينفذ أفكاره بالقتل وحمل السلاح من الصعب العودة مرة أخرى.
وفى دراسة أعدها آنجيل بايستيروس، مدير المعهد الإسباني للدراسات الاستراتيجية، عبّر عن قلقه من عودة تنظيم داعش إلى أوروبا، مؤكدًا أن هناك ما يقرب من 1700 أوروبي عادوا من مناطق الصراع في سوريا، وأنه يتعين على أجهزة الأمن التحلي بيقظة دائمة لمواجهة هذا الخطر، ويقول: "لذلك لا ينبغي أن يلهينا تراجع التنظيم وخسارته لأرضه أمام قوات التحالف الدولي عن الكارثة الكبيرة التي ستنتج عن هذا التراجع، والتي ستؤدى إلى محاولة أعضاء التنظيم الثأر في أي مكان، ومن كل أحد، خاصة في ظل التقارير الصادرة حول عودة أتباع التنظيم إلى بلدانهم وخطورة ذلك، خاصة أن هؤلاء الإرهابيين الإسبان ينظرون إلى إسبانيا باعتبارها بلادًا كانت إسلامية، ولا بد أن تعود إسلامية".
من واقع التجارب
ومن بين أبرز الذي قاموا بمراجعات فكرية حقيقية خلال الشهور الماضية، هو عمرو عبدالحافظ، قائد المراجعات الفكرية داخل سجن الفيوم، والذي ما زال نزيلا داخل السجن حتى الآن، تحدث عنها مع "أمان"، قائلا إنه تم حبسه خلال مشاركته في إحدى التظاهرات التي كان يقودها ضد الدولة المصرية، وكان في هذه الفترة يرى أن الدولة تحارب الإسلام والدين، موضحًا: "كنا نكفر بعض قادتها في ذلك الحين، كما أن أفكاري كانت قريبة للتشدد"، إلا أنه تم القبض عليه، ومكث في السجن لبعض شهور، خلالها بدأ في إعادة ترتيب أفكاره، ومن هنا عاد نحو منطقة المنتصف وبدا خلالها في تدشين أول حملة داخل السجون المصرية منذ ثورة 30 يونيو تدعو إلى المراجعات الفكرية للجماعة.
ومن داخل سجن الفيوم، يواصل "عبدالحافظ" حديثه لـ"أمان"، عن مراحل التحول الفكري، يقول: خلال هذه الشهور والأيام كنت اجلس بين أفكاري وعدد من الكتب التي استطعت ادخلها السجن خلال الزيارات، وبدأت في اعادة ترتيب الأفكار، أنا ومجموعة من الشباب الذين دخلوا السجن نتيجة أفكار ظلامية، وقمنا بإصدار حتى الآن ثلاثة كتب تحمل مراجعات فكرية، الأول حمل عنوان "الصدمة.. بقلم متساقط على طريق الدعوة"، كتبه حمزة محسن، نزيل سجن الفيوم العمومى، يسرد فيه تجربته فى البحث عن مواطن الخلل داخل الجماعة، التى بسببها تلحق بالتنظيم الضخم الهزائم المتتالية.
والكتاب الثانى، الذي عكف على كتابته عمرو عبدالحافظ، هو الذى يناقش فيه "المواقف السياسية التى اتخذتها الجماعة خلال السنوات الست الماضية"، ومن أهمها "الترشح للرئاسة، وأداء الرئيس المعزول محمد مرسي حيال الملفات الداخلية والخارجية، ورد الفعل على دعوة قوى سياسية لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والمنهجية التى تعاملت بها الجماعة مع الدولة بعد 3 يوليو 2013".
أما الكتاب الثالث فيستعرض الأزمة الحالية لجماعة الإخوان، والعنف الذي توارثته الأجيال من كتب سيد قطب قديمًا، والأفكار التي دعا لها حديثًا عدد من قادة الجماعة، من خلال فتاوى حضت على العنف والإرهاب، وسيتم الانتهاء منه خلال الأيام المقبلة، وتعقبه عدة كتب أخرى.
ويوضح أن المراجعات تتم عن طريق طرح الاسئلة الكبرى التي تخص المواقف السياسية للجماعة ومنطلقاتها الفكرية، ثم جمع المراجع اللازمة وقراءتها فرادى، ثم مناقشتها في ورش عمل صغيرة، ثم طرحها في منتديات عامة لمزيد من النقاش، ثم استخلاص اهم النتائج وتدوينها، ثم نشر هذه الاستخلاصات بين السجناء في لقاءات ننظمها، الى جانب نشر هذه الافكار في مقالات وكتب.
بينما تأتي تجربة أخرى تعود إلى منتصف القرن الماضي، حيث جماعة المسلمين، أو كما يسمونها جماعة التكفير والهجرة، وهنا يأتي الحديث مع محمود عزام، رفيق قائد هذه الجماعة في ذلك الوقت شكري مصطفى، الذي أكد لـ"أمان"، أنه كان يحمل أفكار الجماعة، فكان يرى أن قاعدة التبين، هي المرتكز الفكري الأساسي للجماعة، ومعناها التوقف عن الحكم على من هو خارج جماعتهم حتى يتبين حالهم، والبينة هي لزوم جماعتهم ومبايعة إمامهم، أو من ينوب عنه، فمن أجاب كان مسلمًا ومن رفضها كان كافرًا، على الرغم من أن قاعدة التبين كمبدأ الاستعراض الذي قال به وطبقته طائفة الأزارقة الخوارج.
كما أنه كان يرى أن تقديم الهدف الأكبر، إقامة الخلافة، على غيره من الأهداف، ومفاصلة المجتمع وهجرته، فأعلنوا المفاصلة التامة بينهم وبين مجتمع المسلمين الذي وصفوه بالجاهلية والكفر، والامتناع عن الزواج من أفراد هذا المجتمع، تحت دعوى أن الله حرّم نكاح المشركات، وكل من يرتكب معصية هو كافر وكل معصية هي شرك.
وزعموا أن شكري مصطفى هو مهدي هذه الأمة المنتظر، وأن الله تعالى سيحقق على يد جماعته ما لم يحقق على يد محمد، صلى الله عليه وسلم، من ظهور الإسلام على جميع الأديان، وعليه فإن دور الجماعة يبدأ بعد تدمير الأرض بمن عليها بحرب كونية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، تنقرض بسببها الأسلحة الحديثة كالصواريخ والطائرات وغيرهما، ويعود القتال كما كان في السابق رجل لرجل بالسلاح القديم من سيوف ورماح وحراب.
وبعد أكثر من 50 عاما، تحدث "عزام" عن هذه الأفكار، ورأى أن الجماعة كانت ظلامية ولا بد ان يعلن توبته منها، فيقول: "بعد سنوات من إلقاء القبض علينا، ومعنا شكري مصطفى، وظللنا لسنوات داخل السجن، وخلال هذه الفترة بدأت في مراجعة أفكاري كاملة وعلى إثرها قررت ترك الجماعة والعودة إلى كتاب الله وسنته"، وبعد عشر سنوات من سجني وخروجي إلى النور كانت فكرة الذهاب بلا عودة، وهنا أعلن التبرئة من الجماعة وبدأت في مواجهة أفكارها داخل القرية التي أعيش فيها في حلوان ومن ثم في مصر كلها".
وعن التجربة يقول "عزام": أعتقد أن التجربة كانت مختلفة في تاريخ الحركات الإسلامية، خاصة أن الجماعة حملت فكرًا مختلفًا عن نظيراتها من التنظيمات، فـ"التكفير والهجرة" اعتبرت الجماعة الوحيدة التي لها فكر وسعت إلى تطبيق الشريعة على كل مستوياتها وتمسكت بالبيعة والولاء والبراء والتكفير ورفض المجتمع وتعليمه، وظهر ذلك في التعامل مع الناس، بخلاف الجماعات الأخرى التي كانت تقتصر كل اهتماماتها على الحاكم، ويمكنك أن تتأكد من ذلك بالرجوع إلى الجماعة الإسلامية التي اعتبرت أنها أنجزت مهمتها باغتيال رئيس، أو سيد قطب الذي دار فكره كله حول الحاكم والحكم.
أما بخصوص مدى انتشار الجماعة، فخلال فترة السبعينيات قُدرت الأعداد التي اقتنعت بفكر "التكفير والهجرة" بالآلاف، وذلك راجع إلى أن عامة الناس في الشعوب لها الغالب، أي أنهم يأخذون الظاهر دون المضمون، فداعش مثلًا عندما وجد الفرصة للاستيلاء على ثلث العراق فعل، مستغلًا وضع الاضطهاد للسُّنة من قِبل الشيعة، ما سهل عملية النزوح الشبابي للالتحاق به.