حسن الغرباوي.. قصة أقدم سجين سياسي في مصر
- الغرباوى اعتقل فى عهد زكى بدر وقضى ١٧ عامًا فى السجن
- أُفرج عنه فى ٢٠٠٦ وألقى القبض عليه بعد سقوط «الإخوان»
فترة طويلة تفصل ما بين عام 88 الذى رأيت فيه حسن الغرباوى، ولحظة خروجه عام ٢٠٠٦، كان قد تغير تمامًا، كأنه شخصان، عاشا فى عالمين، ما بينهما وبين بعضهما بون شاسع. مات الغرباوى أمس الأول بعد معاناة طويلة مع مرض القلب، ونعته الجماعة الإسلامية، التى كان يقودها فى منطقة عين شمس. الغرباوى هو أقدم معتقل سياسى بمصر، إذ قضى فى سجون مبارك 18 عامًا، وكان منذ اعتقاله فى عهد وزير الداخلية الأسبق، زكى بدر، يودع كل المساجين، ويعلم أنه لن يخرج، أو يُفرج عنه.
المسألة كانت فى غاية الخطورة، فمنطقة عين شمس بأسواقها ومساجدها أصبحت تحت سيطرة الجماعة التى يقودها الغرباوى، ولم تجد الحكومة حلًا، فأرسلت وفدًا من علماء الأزهر لمناظرة قادة التنظيم، لكنهم فشلوا فى إقناعهم بخطأ أفكارهم.
وقع حادث فى ديسمبر عام ٨٨ أدى إلى تدخل الأمن بالمنطقة وحصار الجماعة، وهو مقتل النقيب محمد زكريا، وبعدها ذبح الضابط عصام شمس، على يد عضو الجماعة أحمد كامل.
قال شهود عيان: إن بعض الأهالى اغتالوا النقيب لأن إحدى السيدات شاهدته، وهو يعتدى على ابنها، وقال شهود عيان للواقعة: إن أبناء الجماعة هم من قتلوه.
أما أفراد الجماعة الإسلامية فيتبنون رواية أخرى، عن مقتل الضابط، كانوا يذكرونها ونحن بالسجون، وهى: إن عصام شمس قتل بسبب احتجاز عدد من النساء والأطفال فى حجز قسم عين شمس ما أشعل الغضب فى نفس أحمد كامل فتخلص من الضابط فى نفس التوقيت الذى كان يسير فيه بشارع السوق فى إبراهيم عبدالرازق.
وكان فى هذا الوقت، يخطب فى مسجد آدم الدكتور علاء محيى الدين، الذى كان يشغل منصب المتحدث الرسمى باسم الجماعة لعدة أعوام، وعزت السلامونى صاحب خطبة «ولنا يوم مع الشرطة» التى أدت إلى أحداث عين شمس الثانية.
بعدها خرج بيان علماء المسلمين الذى عرف بالبيان الثلاثى الذى أصدره بعض مشايخ الأزهر فى صحن الأزهر الشريف، كان على رأسهم الشيخ محمد الغزالى، والشيخ الشعراوى، والشيخ أحمد النجار.
فى ديسمبر ١٩٨٨ انتشرت قوات الأمن بمنطقة عين شمس، واعتقلوا كل من دخل مسجد آدم وهنا بدأت الأحداث تشتعل وقتل الرائد عصام شمس.
يقول حسن الغرباوى: فى 8 أغسطس عام ١٩٨٨، نزلت بعض قوات الأمن لاقتحام المنازل، وتم إبلاغنا بأن المنطقة كلها محاصرة بمصفحات وعربات أمن مركزى وآلاف الجنود، بداية من شارع أحمد عصمت وحتى قسم عين شمس، ووجدنا أهالى المنطقة تقف معنا وتناصرنا، وازدادت الأعداد دفاعًا عنًا.
اعتقل حسن الغرباوى على اعتبار أنه أمير الجماعة بعين شمس، ومعه القيادى محمد أمين، والقيادى بهيج حسن، وذلك بعد الأحداث بما يقرب من ٢٠ يومًا.
قدم الغرباوى للمحاكمة فى قضية أحداث عين شمس، لكن محكمة الجنايات برئاسة المستشار محمود رفقى، أفرجت عنه، والغريب أنها قالت إنه كان يطهر المنطقة من البلطجية.
حسن الغرباوى عندما ألقى القبض عليه كان قد أنهى الثانوية العامة، فالتحق بكلية الحقوق، وأنهى الليسانس ثم الماجستير ثم الدكتوراه، وهو فى السجن.
حين خرج أسس الغرباوى، جمعية خيرية باسم (الغرباوى)، كانت مدعومة من الجماعة الإسلامية، كما شارك فى تأسيس حزب البناء والتنمية.
صنعت الجماعة من الغرباوى أيقونة، على اعتبار طول الفترة التى قضاها فى السجون، وكانت طوال الوقت تطالب بالإفراج عنه، وجعلته على رأس المطالب التى قدمتها إلى وزير الداخلية عبدالحليم موسى، ولما لم يفرج عنه قررت البحث عن نقطة ساخنة أخرى، وكانت هى إمبابة، لكن الضربة الاستباقية التى قامت بها الحكومة أفشلت الخطة، وبعد أن قام جمال هريدى بعمل مذبحة قتل فيها حوالى ثمانية من الأقباط اشتعلت أحداث العنف فى التسعينيات، وبدأت الجماعة فى تسكين السلاح فى بلبيس أواخر عام ٩٢ وفى كوم أمبو بمحافظة أسوان، ومن ثم إرسال المجموعات من الخارج، وتحديدًا من أفغانستان، حيث نزل أحمد حسن الأستاذ، وأرسلت جماعة الجهاد عصام عبدالجواد، وحسن عبدالجليل، لكن تم القبض على عصام، وقتل الأستاذ فى صعيد مصر، وكان قتله ضربة موجعة للجماعة.
أفرج عن الغرباوى عام ٢٠٠٦، وألقى القبض عليه عقب سقوط حكم الإخوان، ثم أفرج عنه مرة أخرى، حتى توفاه الله.