رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلاج بأسماء الله الحسنى .. اسم الله «المسعر»

جريدة الدستور

أسماء الله الحسنى، ليست مجرد ألفاظ ينطقها العبد ويرددها، بلسانه، فتنحل عقد حياته؛ بل لابد لذلك من عقد القلب عليها، والإيمان الكامل بأنها سر الله عز وجل في تسيير حياة عباده، فكل اسم من أسماء الله الحسنى يرتبط ارتباطا وثيقا بجانب من الحياة منفردا، من ناحية ويتآلف مع أسمائه تعالى المطلقة والمقيدة، من ناحية أخرى؛ لتوحيد الله عز وجل بأمور الخلق والتدبير، فإذا ربط العبد نفسه بالله، تحقق في قلبه معاني الخضوع والانقياد لله وحده، فيصير أسعد الناس في الدنيا والآخرة، قال تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف: 180].

اسم الله المسعر

يرتبط اسم الله المسعر بقضاء الله وقدره، فهو تعالى الذي قدر في الأرض أقواتها قال تعالى : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) [فصلت: 10]، وليس لمخلوق كائنا من كان أن يتحكم في أقوات العباد، أو يسيطر عليها، بالزيادة فيرخص سعرها، أو بالنقصان فيزيد السعر ويسود الغلاء، وهذه من الأمور المرتبطة بمشيئة الله الكونية التي لا دخل لأحد فيها، أما ما يقع في نطاق مسئولية العباد عن أفعالهم في زيادة الأسعار ورخصها فيرتبط بتنفيذ مشيئة الله الشرعية من أوامر ونواهي، فلا يحاول العبد أن يتدخل في حجب الأقوات التي قدرها الله لعباده في أرضه أو يمنع وصولها إليهم، فيما يعرف بالاحتكار ونحوه، ومن يفعل ذلك فقد شارك الله في صفة من صفاته التي اختص بها نفسه وهي التسعير.

والله تعالى هو الخالق المدبر وهو على كل شيء قدير، يقدر الأقوات بالمقدار الذي يريده، فتزداد الأسعار أو ترخص فينبت في الأرض ما يريد من الرزق، بالمقدار الذي يريد، ويسبب لذلك الأسباب التي يجتهد فيها عباده، ولا تنتج الأرض إلا بما شاء، فتزيد أسعار السلع وتنقص بحسب ما قدر الله، من وفرة وندرة وجودة، فلا يكون بذلك الرخص والغلاء إلا بمقدار ما تقتضيه حكمته وعدله، فسبحان من له الملك والملكوت.

وتقع مسئولية البشر من هذه الناحية في أنهم أمناء فقط على ما استخلفهم الله واسترعاهم عليه في ملكه، ومن عصى الله وخان الأمانة فقد توعده الله بأشد العقاب.

فإذا قدر الله قيمة شيء بمقدار وجوده في الطبيعة، وتدخل العباد في ذلك بالاحتكار وغيره لمنع وصوله إلى خلق الله، فيكون العبد بذلك قد خالف الإرادة الشرعية المأمور بتنفيذها؛ بل وشارك في صفة من صفات الله وهي التسعير.

فإذا علم العبد أن التسعير من أفعال الله تعالى، وتعبد إلى الله بهذا الاسم، اطمأن قلبه، مهما ارتفعت الأسعار، لأن العبادة تضمن حسن الظن بالله تعالى، ومن حسن الظن بالله اليقين بأن كل الأمور تدور بتقديره وحكمته، وأن الله تعالى لا يظلم أحدا، غير تعلق العبد بالمخلوقين حكاما ومحكومين الذي لا يخلو من الظلم، فإذا قدر الله الغلاء، قدر معه الرزق، وكل ميسر لما خلق له.

كما لا يمكن لمن تيقن واطمأن قلبه لهذه الصفة أن يتجرأ على مخالفة أوامر الله تعالى باحتكار السلع أو التلاعب في أسعارها بالزيادة أو النقصان.

أدلة ثبوت الاسم في الكتاب والسنة

لم يرد اسم الله المسعر في القرآن الكريم، ولكن ورد بنصه في حديث ثابت صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فعن أنس رضي الله عنه، قال : غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: يا رسول الله سعر لنا ، فقال: " إن الله هو القابض والباسط المسعر الرزاق ، وإني أرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في نفس ولا مال".