«رسول الموت».. اعترافات عضو بالجماعة الإسلامية عن خطة اغتيال وزير الداخلية
لم يمر على خروج قيادات الصف الثانى بالجماعة الإسلامية من سجنهم عام ٨١ سوى أربع سنوات، إلا وقرروا بعدها رفع السلاح فى مواجهة الدولة بطريقة جديدة، وهى طريقة الاغتيال. فى هذا الوقت نشرت الجماعة بحثها الصغير «حتمية المواجهة»، ووزعت منه ٤ آلاف نسخة، وادعت أن منهج النبى وسنته هو اغتيال المعارضين، وأنه ورد فى السيرة اغتيال كبار مشركى العرب واليهود مثل أبى بن كعب.
تم القبض على عدد ليس بالقليل من أتباع الجماعة على إثر محاولتهم اغتيال عدد من الشخصيات العامة، وكان منهم محمد صبرة، الذى تم سجنه فى استقبال طرة.
التقيت محمد صبرة، وهو شاب قوى الجسم والبنيان، من محافظة سوهاج، وكانت أول مرة أقابل فيها انتحاريًا على قيد الحياة!
لمحمد صبرة حكاية طويلة مع الجماعة بدأت عام ٨٧ حينما جهزوه ليكون من بين الانتحاريين المنتمين للجماعة، وقبل شهر ديسمبر، وتحديدًا يوم ٦/٢ ١٩٨٩ كان بالقاهرة، حيث التقاه قائد الجناح العسكرى للجماعة، ليكلفه بتفجير نفسه فى مبنى أمن الدولة بلاظوغلى.
خطة الجماعة كانت كما حكاها صبرة لى تتلخص فى أن الجماعة ستغتال وزير الداخلية فى هذا الوقت بتفجير سيارة مفخخة أسفل كوبرى الفردوس، وهو طريق دائمًا ما يمر عليه الوزير، وعقب ذلك ستجتمع قيادات الداخلية فيقتحم الانتحارى عليهم المكان فيقتلهم جميعًا، ويخلو للجماعة الجو فى الدولة!
وكانت محاولة اغتيال وزير الداخلية زكى بدر بتفجير سيارة ملغومة أسفل كوبرى الفردوس بالقاهرة بالفعل، إلا أن أقدار الله أفشلت المخطط، فلم تنفجر السيارة، لأن المفجر أصابته (رطوبة)، وتوجه صبرة للوزارة فتم إلقاء القبض عليه قبل تفجير حزامه بدقائق.
حكى لى محمد صبرة قائلًا:
- جلس معى ممدوح على يوسف فى كافيتريا وأعطانى غيارا داخليا جديدا، وقال لى البس دا بكره علشان تقابل عروستك وإنت لابس جديد.
قال:
- عرفت أنى هقوم بعملية استشهادية خاصة، ولم أسأل إلا عن دورى فقط الذى كان يتلخص فى أنه بعد تفجير السيارة أسفل كوبرى الفردوس سيأتينى الأمر فأنطلق إلى مبنى مباحث أمن الدولة، الذى سيجتمع فيه عدد كبير من قياداته، وأفجر المبنى بمن فيه.
كان المشهد سيصبح داميًا بهذا الشكل، وكان سيتهدم كوبرى الفردوس بمن فوقه والعمارات والمساكن المجاورة له على مساحة كيلو متر، ولم يفكر أحد فى رد الفعل الذى سيجرى وما سيدور فى الدولة بعد ذلك، بل الأدهى هو مدى شرعية ما سيجرى.. ما كان سيحصل كان عبارة عن سلسلة من ردود الفعل الشبابية غير المدروسة.
فشلت العملية بسبب حادث قدرى وهو عدم انفجار المفجر الذى سيفجر السيارة وقبض على صبرة وباقى المجموعة.
قال لى صبرة:
- لم أتعرض للتعذيب إطلاقًا.
أضاف صبرة:
- كانت فكرة الجهاد لدينا ولدى الجماعة غريبة الشكل، حيث كنا نعتقد أن الدولة مسلمة، ولكن قتالها واجب وهذا ما جرى بالضبط من استهداف مراكز الشرطة وحوادث الاغتيالات للشخصيات الهامة، ثم حدثت بوادر التطور الفكرى بالسؤال الذى يقول هل الحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله يعذر بالجهل أم لا؟، وكان بعض ما يصلنا عن قيادات سجن ليمان طرة مشوشًا ومهزوزًا مثل تأييد العمليات القتالية أو الاعتراض عليها، لكننى شخصيًا كنت أرى أن رضوخهم لهذه العمليات نتج عن حرصهم على قيادة الجماعة ولم يكن أمامهم سوى الرضا، وكان السؤال المطروح هو هل السكوت أولى أم الإنكار؟
تابع: كان السكوت مثل سكوت هارون على قوم موسى بنى إسرائيل وفى ذات الوقت كان الرهان على الحصان الأسود، وهو قدرة الجماعة على أن تحقق المكاسب بعملياتها القتالية.. لقد راهن البعض ومنهم أسامة حميد، القيادى فى جماعة الجهاد، على قدرة الصعايدة على تحقيق المكاسب من وراء عملياتهم، ولكنهم خذلوه وخذلوا قادة الجماعة، وكان أمام الجميع خياران لاثالث لهما إما ثورة التجديد أو ثمرة النصر، وبين الثورة والثمرة بون شاسع، فانتظروا الثمرة ولكنها لم تسقط، فعادوا لما هم مؤمنون باعتقاده وهو التجديد والمراجعة، وحتى عام ٨٨ كانت الجماعة تقتبس عملها من الثورة الإيرانية فكونت خلية واحدة، وذلك بهدف الردع من ناحية الجماعة، وقالت إنها ستقطع الأيادى التى تعرقل الدعوة!
انشق صبرة عن الجماعة، ورأى أن كل ما كان يفعله كان خطأً كبيرًا، وأفرج عنه بعد محاولته الإرهابية الفاشلة بسنوات، وانزوى ليستغفر ربه مما كان سيفعله.