الزعيم العجوز.. خطاب كرم زهدي عن توبة الجماعة الإسلامية
- كرم زهدى: أخطأنا فى تكفير السادات وقتله فهو كان مسلمًا
- عصام دربالة وعاصم عبدالماجد أثارا أزمة بشأن تكفير الحكام وقت مبادرة نبذ العنف
أخرجت أسماء بعينها من الزنازين كنت أحدها، وأدخلونا المستشفى لنفاجأ بوجود قيادات الجماعة، وعلى رأسهم كرم زهدى «من محافظة المنيا، وأمير الجماعة العام فى هذا الوقت» يلبسون لباس المحكوم عليهم وهو اللباس الأزرق.
قال لنا ساعتها إنهم راجعوا أنفسهم، وتبين لهم أنهم أخطأوا.
أخذونا على ملعب السجن، بعد أن جمعوا جميع المساجين، الذين بلغوا ٣ آلاف تقريبًا، قيادات الجماعة من أمامنا وضباط السجن من ورائنا، ونحن فى المنتصف لا نظن أبدًا أن يعترف هؤلاء بأخطائهم.
بعد دقائق معدودة بدأ كرم كلماته بعد أن حمد الله، وأثنى عليه، قائلًا:
- أقسم بالله العلى العظيم أنى أقول هذا الكلام ليس رهبة ولاخوفًا من هؤلاء، وأشار للضباط ولكنه اتقاء مرضات الله سبحانه.. إن ما فعلناه كان خطأً وماحدث كان فتنة.
أنا كنت أقول للجميع إن هذا هو ما سيحدث مستقبليًا لكنهم لم يكونوا يصدقوننى، فعادوا مصدومين مما جرى.
إلى صلاة عصر اليوم التالى كان السجن مغلقًا كالعادة، وكانت الأمور تجرى بشكل طبيعى، ولكن جموع المعتقلين تنتظر الشىء الذى عدنا للزنازين به.
فى أكبر سجن وهو الوادى الجديد الذى بدأ ندوات المبادرة- مبادرة نبذ العنف- التى استمرت عشرة شهور انتهت بسجن دمنهور.. أخرجنا عنبرًا عنبرًا، وكانت الأنباء بدأت تتوالى عن وصول قيادات الجماعة للساحة المواجهة لمستشفى السجن، ودخل المشايخ إلى التريضات التى نقف فيها ننتظر وصولهم.
رفع الشيخ كرم يده وعرف الواقفين باسمه، وقال أخوكم كرم زهدى فصاح العنبر وسلم عليه ثم أشار لرفقائه ليعرفوا الواقفين بأسمائهم، فأغلب المعتقلين لم يتقابلوا مع هؤلاء يومًا ما، ولكنهم كانوا يسمعون عنهم.
بعد ذلك مباشرة أخرجنا غرفة غرفة وعنبرًا وراء عنبر بالترتيب إلى ساحة واسعة أمام مستشفى السجن، وهذه الساحة والطرقات بين العنابر تتسع لأكثر من أربعة آلاف معتقل.
لم تبدأ الندوة الأولى لعموم السجن إلا بعد صلاة المغرب التى صلاها بنا محمود شعيب، وهو شقيق زوجة عمر عبدالرحمن، وبعد الصلاة بحوالى ثلث الساعة خرج من بوابة المستشفى كرم يتقدم طابور المشايخ الذى لم يكن حوله أحد من الضباط.
كنا ندقق فى كرم الذى كان يتمتم بشفتيه، وشعرت بأنه فى شبه حالة من الوجل، وتوقعت أنه خائف أن نعترض على ما جاء بشأنه.
حل علينا الصمت.. والقيادات يجلسون على المنصة، وبدأ كرم:
- لقد جئنا إليكم يسبقنا الشوق للقائكم، وكم هذه اللحظات جميلة ومؤثرة أن التقينا بكم، ونحن نعرف أننا لسنا فى نزهة خلوية لنتسامر معًا، ولكننا جئنا هنا لنصحح أوضاعًا كانت خاطئة.. كان الأمر صعبًا علينا ونحن نعرف أنه صعب عليكم، ولكن لا بد من خوضه، ولم يكن ثمة خيار، ولكن لا بد من إيصال الحق مهما كان مرًا ونحن نعرف أنكم ستقولون للحق سمعًا فلله دركم جميعًا.. إننا جئنا إلى هنا لتعظيم حرمات الله وإنهاء مسلسل البكاء والعويل ووقف نزيف الدماء.. ما أردنا إلا الحق، فالحق بغيتنا ومرادنا، ولم تعد الدنيا تمثل عندنا شيئًا بعد أن قضينا فى السجون ٢٢ عامًا، فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط.
إن المبادرة لا تعنى إهدارًا لفضل الصالحين من أبناء الجماعة الإسلامية، ولكنها حفظًا لفضلهم وصونًا لعطائهم، وهى لا تعنى الإساءة لأحد من أبنائنا فلكل الإخوة أحياءً وأمواتًا كل حب وود وكل دعاء بالخير والعافية، فما جئنا إلى هنا لنسىء لأحد ولكن لنبدأ صفحة جديدة بيضاء نقية مع الجميع.
بعد انتهاء الكلمات وصلاة العشاء أمسك مأمور السجن الميكروفون ونادى على العنابر عنبرًا عنبرًا وأدخلنا بالترتيب إلى عنابرنا وزنازيننا.
فى ندوات خاصة مع الأعضاء من محافظة المنيا، كانوا يلفون ويدورون حول هذه المسائل الفكرية دون حسم واضح لمسألة الحاكمية، والمشكلة التى جرت فيما بعد أن كرم فى ندوة خاصة، قال: إننا كنا نكفر السادات وقتلناه، لكنه كان مسلمًا، وقد أخطأنا، فأثار هذا لغطًا كبيرًا، وبعدها أرسل عصام دربالة، وعاصم عبدالماجد رسالة يؤكدان فيها أنهما ما زالا يكفران الحكام.
عاد كرم مرة أخرى ليؤكد فى ندوة أخرى أنه لا خلاف داخل الجماعة، وأنهم تجاوزوا مسألة الحكم على أنور السادات، ولم يعلق أحد على ما يجرى وما حدث.. الغالبية أعطت ظهرها للآخرين يتعمقون فى التفكير.. على كل حال كانت كل الوجوه مفروشة ببسمة أظنها بسمة الأمل فى قرب انتهاء الأزمة، ولكننى كنت تائهًا فى شىء آخر.. لقد كنت فى وقت مستقطع مع نفسى، أتذكر ما جرى، وكيف كان كل هؤلاء مع العنف وضد الدولة، وكيف أن مسألة مهمة كتكفير الحاكم ما زالت تسبب مشكلة كبيرة، وأنه لا بد من حسمها.
حتى الآن لم تحسم الجماعة هذه المسألة، وما زال عاصم يثير لغطًا كبيرًا، لكننى قابلت كرم زهدى فيما بعد وسألته، وكان فى زيارة لصعيد مصر، هل تكفر الحاكم؟ فقال لا، وألف لا.