مسجد ابن طولون.. تحفة معمارية على أرض مصرية
في الأونة الأولى لانتشار الإسلام داخل مصر، بدأت الحضارة الإسلامية في بناء المساجد ذات طابع خاص، حيث كان الاهتمام بالبناء والمعمار من أهم الأولويات التي أظهرت الإبداع داخل المصريين، كان من بين هذه المساجد مسجد "ابن طولون"، الذي يجمع بين البساطة فى البناء والإبداع فى الزخارف المتشابكة والمتناسقة التى تدل على عظمة الصانع.
من هو "ابن طولون"؟
ولد بمدينة سامراء فى العراق، ودرس الفقه والحديث بعد حفظ القرآن، وكانت نقطة التحول الكبرى فى حياته بعد وفاة والده وزواج أمه من باكباك الذى تقلد إمارة مصر من قبل الخليفة العباسى المعتز، والذى أناب أحمد عنه فى ولايتها، فبدأ حاكمًا للفسطاط، واستطاع بسياساته الهادئة توسيع نفوذه ليشمل مصر كلها، بل وامتد إلى الشام وبرقة أيضًا، حتى استقل بمصر عن الخلافة العباسية مكونًا دولة جديدة بزعامته حكمت مصر منذ عام 254هـ إلى 292هـ.
جامع أحمد بن طولون يعد نموذجًا فريدًا فى العمارة الإسلامية ودليلًا قويًا على ازدهار الحضارة الإسلامية فى مصر بالعصر الطولونى، تلك الفترة التى استطاع ابن طولون تحويل مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات حكم ذاتى، لذا فإنه يعتبر من الشخصيات المؤثرة فى تاريخ مصر الإسلامية، حيث نقل مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات استقلال ذاتى، حكمها خمس شخصيات طولونية هم أحمد بن طولون، خمارويه، أبوالعساكر حيش، أبوموسى هارون شيبان، وظلت الطولونية تحكم إلى أن أرسل الخليفة العباسى قائده محمد بن سليمان الملقب بـ"الكاتب" فقبض على شيبان وأنهى حكم الدولة الطولونية.
وفي هذا التقرير التعرفي بالمسجد، نكشف الحقيقة التي لا يعرفها الكثير بأنه حول بناء المسجد، تلك الصورة المعمارية المطبوعة على العملة المصرية فئة الخمسة جنيهات، والذي يعد ثالث أقدم المساجد فى مصر، والوحيد الذى لم تتغير ملامحه، بعد مسجدى عمرو بن العاص، الذى تغيرت معظم معالمه بمرور الوقت، ومسجد العسكر الذى زال مع زوال مدينة العسكر، والتى كانت تشغل حى زين العابدين "المدبح"حاليًا.
وعلى الرغم من أن نظام تخطيط جامع بن طولون تقليدى بصحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات أكبرها للقبلة، وعلى الرغم من أن جامع أحمد بن طولون يتربع على ربوة صخرية، إلا أن تخطيطه يتفق مع النظام التقليدى السائد للمساجد الجامعة المكون من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات، أكبرها ظلة القبيلة، وإن كان إلا أنه ينفرد عن غيره من المساجد بوجود سور خارجى بنفس ارتفاع الحوائط، واستخدم المعمارى أسلوبًا هندسيًا يتمثل فى الصعود المتدرج الذى يهدف لعزل المصلى عن العالم الخارجى وتهيئته نفسيًا للتقرب إلى خالقه وتحقيق الطمأنينة أثناء أدائه الصلاة والعبادة.