قاسم سليماني.. حصان طروادة لتشكيل الشرق الأوسط الجديد
بين أطلال مدينة حلب السورية بعد تخريبها بشكل كامل، أظهرت مواقع إيرانية يوم الجمعة السادس عشر من ديسمبر 2016، صورا لقاسم سليماني قائد فيلق القدس، القيادي الأبرز في الحرس الثوري الإيراني، أمام القلعة التاريخية للمدينة الباسلة التي سقطت أمام سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها ميليشيات ولاية الفقيه في الخارج.
في ذلك اليوم الذي شهد الظهور الأول لسليماني بين ركام الدمار المخيف في تلك المدينة السورية كانت حلب في التوقيت نفسه على موعد مع قتل 14 مدينا في أحيائها الشرقية بعد احتجاز مليشيات سليماني 800 شخص من المدنيين المحاصرين خلال عمليات الإجلاء القسري.
وبثت ميليشيا "حركة النجباء" العراقية المقاتلة في سوريا، مقطع فيديو لسليماني يتحدث عن الانتصار الذي حققته مليشيات إيران على أهل المدينة السورية، الأمر الذي دفع الكثير من السوريين لعقد مقارنة بين هذه الصورة وصورة وزير دفاع الكيان الصهيوني الأسبق آرييل شارون خلال اجتياح بيروت عام 1982 عند قلعة الشقيف في الجنوب اللبناني، وصورة موشيه ديان في القدس.
تاريخ من الدماء
ارتبط اسم قاسم سليماني قائد فيلق القدس بإراقة الدماء في سوريا والعراق، وقد صنفت الولايات المتحدة الفيلق ضمن الجماعات الإرهابية، وفي 24 يونيو 2011م أيضا وضع الاتحاد الأوروبي قاسم سليماني قائد فيلق القدس ومحمد علي جعفري القائد العام للحرس الثوري الإيراني على قائمة العقوبات، وفي أغسطس 2012 أدرجت الأمم المتحدة اسم سليماني في القرار رقم 1747 ضمن قائمة الحصار.
ورغم ذلك فإنه من المثير للسخرية، أن قاسم سليماني الذي تسبب في مقتل جنود أمريكيين أكثر من أي إرهابي آخر- بحسب تقارير أمريكية-، لم تخصص الولايات المتحدة مكافأة من برنامج المكافآت الذي تعرضه وزارة الخارجية الأمريكية في هذا الشأن للقبض عليه، والأغرب أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان يعتبر سليماني من المعتدلين والأقل تشددا في إيران، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول سليماني والولايات المتحدة.
يأتي ذلك رغم أن صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية، ذكرت فى تقرير معلوماتي وتحليلي أن قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى، لا يتفوق عليه فى الإرهاب إلا أسامة بن لادن، قبل أن تطالب إدارة الرئيس دونالد ترامب بـ"تصنيف الحرس الثورى منظمة إرهابية ومحاكمة سليماني بجرائم حرب وحظر أمواله وسفره.
واتهمت التقارير سليماني بأنه لعب دورا رئيسا، من أجل تمكين تنظيم " داعش" من السيطرة على الموصل ومحافظة نينوى ومن ثم إعلان خلافة أبو بكر البغدادي المزعومة صيف العام 2014، وأشارت التقديرات إلى أن إيران دفعت نحو هذا السيناريو حتى تجد مصوغًا للتدخل العسكري والسياسي الصريح في العراق وكذا سوريا.
واعتبرت التقارير أن قاسم سليماني يمثل حصان طروادة لإعاد تشكيل الشرق الأوسط الجديد، وذكرت صحيفة "نيويوركر" الأمريكية، أن سليماني "عمل كصانع قرار سياسي وقوة عسكرية: يغتال الخصوم، ويسلّح الحلفاء".
وأكدت الصحيفة أن من مهام سليماني ورجاله كذلك، استمالة إيرانيّ الشتات لاغتيال المعارضين الإيرانيين فى الخارج، فضلًا عن قيادة عمليات تضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية والخليجية السنية (السعودية على وجه التحديد)، فى مختلف بقاع الأرض، وبخاصة فى جنوب شرق أسيا وغرب إفريقيا وأوروبا.
يذكر أن قاسم سليماني ولد في إيران عام 1957، وانضم إلى الحرس الثوري بعد إنشائه، وكان سليماني ضمن القوات الموفدة من كرمان إلى مهاباد في مقاطعة أذربيجان الغربية، والتي كانت تاريخياً حصناً للمنشقين الأكراد. ويعرف القليل عن دور سليماني في قمع الجيش الوحشي للانتفاضة. وبعد عودته إلى كرمان أصبح سليماني مسئولاً عن قاعدة الحرس هناك ثم قائدا للفرقة "ثأر الله 41".
وفي الحرب العراقية الإيرانية لعب سليماني دورا بارزا خلالها ولعبت فرقته دوراً رئيساً في صد القوات العراقية عن اجتياح بلدة سوسنجرد في مقاطعة خوزستان. ووفقاً لعدة روايات، شارك سليماني في جميع العمليات المهمة التي شنها الجيش الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية، ثم تولي بعد ذلك قيادة "فيلق القدس" الذي اشتهر بعملياته الإجرامية في العديد من دول العالم خاصة العراق وسوريا والسعودية.
مجازر في سوريا
يعتبر سليماني أنه يشارك في حرب مقدسة لنصرة طائفته الشيعية، وأئمتها الحاضرين والغائبين، ومرشد الثورة الأعلى الخوميني، وخليفته خامنئي، وبالتالي فإن كل أعماله تنطلق من أرضية الانتقام للحسين.
وقد شارك سليماني من أجل ذلك في إدارة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وعدد من الفصائل الإيرانية في عدد من المجازر في سوريا، ويتزعم سليماني أكثر من 100 ألف من المليشيات المسلحة الطائفية في كل من البلدين إضافة لدعم حزب الله في لبنان، وأشرف بنفسه على معارك ريف حلب وساهم في تخريب المنطقة والتهجير القسري لمئات الآلاف من السوريين.
وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً يوثق المجازر والجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الطائفية بحق المدنيين، التي تسببت بمقتل ما لا يقل عن 1447 مواطناً سورياً. وتمّ حصر ما لا يقل عن 10 مجازر ارتكبتها الميليشيات الشيعية، قتل فيها ما لا يقل عن 1005 أشخاص يتوزعون إلى:962 مدنياً، بينهم 172 طفاً، و143 سيدة، 43 من مقاتلي المعارضة المسلحة .
وأبرز هذه المجازر، مجزرة دير بعلبة في حمص 2012، وقرية المالكية في ريف حلب 2013، وقرية تل شغيب في ريف حلب الشرقي، وقرية العدنانية في ريف حلب وأم العمور ورسم النفيل والمزرعة في ريف حلب 2013، وكذلك مجزرة الذيابية والنبك في ريف دمشق.
جرائم طائفية في العراق
ولم تقف جرائم سليماني فقط على سوريا، لكنه أيضا أشرف بشكل مباشر ورسمي على عمليات تطهير كامل ضد المكون السني في العراق، باعتباره المسئول الأول عن الميليشيات الشيعية المقاتلة هناك؛ وهو ما أكده "ويسلي مارتين" القائد العسكري الأمريكي السابق في العراق، فقال: "إن قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، هو القائد الحقيقي للعمليات الإرهابية، التي تجري في كل من العراق، وسوريا، واليمن.. وأن المواطنين، هم الذين يدفعون ثمن تداعياتها".
وأعلن نائب رئيس هيئة مليشيات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في نوفمبر 2016م ، أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني هو الذي يقود بنفسه تقدم الميليشيات في المحور الغربي لمدينة الموصل، وأبرزت الكثير من التقارير العالمية أن الميلشيات الإيرانية التي قادها سليماني نفذت العديد من العمليات الطائفية، جنبا إلى جنب مع حركة النجباء إحدى الفصائل المنضوية في ميليشيات الحشد الشعبي.
وقد اعترف قيس الخزعلي قائد "ميليشيا عصائب أهل الحق" أن الانتقام والثأر هو السبب الرئيسي لمشاركة هذه المليشيات في معركة الموصل، وليس القضاء على "داعش".
صواريخ سليماني "بردا وسلاما على إسرائيل"
وفجر اليوم الخميس 10 مايو 2018م، أعلنت قناة المنار التابعة لحزب الله إطلاق المليشيات الإيرانية نحو 20 صاروخاً استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة، مصدرها الأراضي السورية. وحمل المتحدث العسكري لجيش الاحتلال "فيلق القدس" التابع إيران بزعامة قاسم سليماني، مسئولية الصواريخ. وقال الجيش الاسرائيلي إنه تم استهداف قواعد عسكرية إسرائيلية عدة بالصواريخ وبعضها تم اعتراضه.
في الوقت الذي لم تعلن فيه أية جهة وجود خسائر لجيش الاحتلال، جراء هذه الصورايخ التي تشبه ما حدث في حرب حزب الله مع إسرائيل في أواخر عام 2006 التي كان من نتائجها تدمير الضاحية الجنوبية للبنان وامتد الدمار إلى بيروت العاصمة وظل حزب الله سليما معافي في بدنه آمنا في سربه لم يمسسه سوء.