شيخ الأزهر: المسلمون ضحايا الإرهاب وهم المستهدفون بأسلحته
ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الإثنين، محاضرة في مركز المؤتمرات الدولي في سلطنة بروناي، بعنوان "تحديات الأمة الإسلامية في مواجهة الإرهاب، في إطار زيارته الحالية لسلطنة بروناي.
وكان لافتًا تواجد جميع وزراء الحكومة ونوابهم على المنصة الرئيسية للحفل، يتوسطهم فضيلة الإمام الأكبر، إضافة لحضور حاشد لكبار المسئولين، وممثلين عن كافة الوزارات والهيئات وطلاب الجامعات.
وإلى نص كلمة شيخ الأزهر في المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحضـور الكــريم!
السَّلامُ عَلــَـيْكُم ورَحْمَـةُ اللهِ وبَرَكَاتُه.. وبعد؛
فيُسعدني في بداية كلمتي هذه أنْ أتوجَّهَ بالشُّكرِ الجزيل لسلطنة بروناي سُلطانًا وحكومةً وشعبًا على حُسْنِ الاستقبال وكرم الضِّيافة، مُقَدِّرًا لهذا البلد الطَّيِّب الكريم تمسُّكه بأصولِه وجذوره، وصموده في وَجْه التيَّارات العاتية والرياح المُدَمِّرَة التي هَبَّت علينا في الآوِنَة الأخيرة، وجَعَلت بأسَنا بينَنا، وأطمَعَت فينا الطَّامِعين والمتربِّصين بهذه الأُمَّة في أن تأخذَ مكانَها اللَّائق بها وبحضارتها العريقة وتاريخها المجيد..
أمَّا عن كلمتي التي يُسعدني أن أطرَحها على مسامع حضراتكم، مِمَّا يتعلَّق بموضوع تحديَّات العالَم الإسلامي والإرهاب، فما أظنُّ أني سأتلُو عليكم فيه جديدًا لم تعرفوه من قبل.. فقد قتل بحثا ومحاضرات وندوات ومؤتمرات، حتى اعتقد البعض أنه لم يعد يقبل المزيد من البحث والنظر من كَثْرَةِ مَا كُتِبَ عنه، وما أُنفِقَ فيه من جهدٍ وطاقاتٍ وأموالٍ، ومع ذلك فإنه لا ينبغي بل لا يجوز أنْ نتوقَّف عن الحديث عنه، أو نصمت لحظةً عن التَّنبيه إلى خَطَرِه وتأثيرِه البالِغِ السُّوءِ على الإسلام والمسلمين.
والإرهاب ظاهرةٌ شديدة التَّعقيدِ والغموض إذا ما رُحت تحاوِلُ التَّعرُّف على أسبابها الحقيقيَّةِ، أو تحاول البحثَ عن حلٍّ لهذا التناقض الشَّديد بين أسباب هذه الظاهرة ونتائجها.
فحسب نظريَّة «الإسلاموفوبيا»؛ يجب أن يُفسَّر الإرهاب بأنَّه ظاهرةٌ «إسلاميَّةٌ» نشَأت في أحضان نصوص القرآن الكريم والسُّنَّة المطهَّرة، ويجبُ حسب هذا المنطق، وأن يكون «غيرُ المسلمينَ» هم المستَهدَفين بهذا الإرهاب، ولكن انظروا إلى الواقع على الأرض، فسوف تَجِدُون أنَّ المسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، وأنهم المستهدَفُون بأسلحته وبطريقته البَشِعة في القتل وإزهاق الأرواح، وأنَّ ضحاياه من غير المسلمين عدَدٌ لا يكاد يُذْكَر إلى جوار آلاف المؤلَّفة ممَّن سُفِكَت دماؤُهم المعصومة على مرأًى ومَسمَعٍ من ضمير العالَم المتحضِّرِ، وتحت سَمعِ وبصَر مؤسَّساته الدَّوليَّة التي نصَّبَت من نفسِها ضامنًا لسلام الشُّعوب وأمنها، وحاميًا لحريَّات الإنسان وحقوقه في حياةٍ آمنةٍ وعَيشٍ كريمٍ في ظِلال السَّلام.
وانظروا أيضًا إلى خريطة العالَم وتعرَّفـوا على الشُّــعوب التي دفعــت -وَحدَها- «فاتورة» هذا الوَباء، وسوف تجدون مرَّة ثانيةً أنَّ دولًا من دول العالم العربي والإسلامي هي التي قُدِّمت «قربانًا» على مذابح «الفوضى» التي تقود العالم الآن.
وقد نَفهمُ إمكانَ أن يَنشأَ إرهابٌ في أحضان المسلمين يتعقَّبُ غيرَ المسلمين ذبحًا وفتكًا وتشريدًا، أو إرهابًا ينشأ في أحضان المسيحيِّين ليتعقَّب المسلمين إبادةً واجتثاثًا من الجذورِ كما حَدَث في القُدس والشَّام في «حروب الفرنجة» أو ما يُعرف عند الغرب بالحروب الصليبية، ولكن لا نفهم إرهابًا مسيحيًّا ضحاياه من المسيحيِّين دون غيرهم، ولا إرهابًا إسلاميًّا يستهدف المسلمين دون غيرهم – فهذا هو التّناقض في الحدود الذي يُفسد القضايا ويُفرِّغها من أي معنًى منطقي.
الحفل الكريم!
لقد هبَّ العالَم الإسلامي بحُكَّامه وبعلمائه ومُثقَّفِيه وكُتَّابه وكلِّ شُعوبه لِيَستنكر حادثة الإرهاب المشهورة بحادثة 11 سبتمبر من عام 2001م، والذي استهدف مئات الضحايا من الأرواح البريئة التي زُهِقَت ظُلمًا وعدوانًا، ومنذ وقوع هذا الحادث الذي هزَّ ضمائر المسلمين قبل غيرِهم – وحتى اليوم لا تكف الألسنة والأقلام عن إدانة «الإرهاب» و«الإرهابيين» ولا عن التَّأكيد على أنهم لا يمثِّلون الإسلام، وأنهم بنصِّ القرآن الكريم محاربون لله ورسوله، ومُفسدون في الأرض، ولهم جزاء معلوم في كتاب الله وسُنَّة رسوله ﷺ.. ورُغم هذا الموقف الصريح المُعلَن لازالت «الاتهامات» الجائرة تشوِّه سُمعة هذا الدِّين الحنيف، وتخوِّف الناس من المسلمين ومن دِينهم، مما يدلُّنا –بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة- على أن هناك قُوَّةً خفيَّةً غيرَ إسلاميَّةٍ تُصِرُّ على إساءة فهم الإسلام وسُوءِ الظَّنِّ بالمسلمين، وتَشويهِ سُمعة دينِهم. واستخدامِ منهج انتقائيٍّ في قراءة نصوصِ القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة بعد اجتزائهما وإخراجهما من سياقاتهما التي لا يتَّضح معناها الحقيقي إلَّا على ضوئها ودَلالاتِها المحدَّدَة، ورُغم أنهم يعلمون علم اليقين أن منهجهم هذا لو طبَّقُوه على الكتب المقدَّسة الأخرى التي يؤمنون بها؛ فلن يَسلَم لهم دِينٌ من الأديان السَّماويَّة من تُهمة الإرهاب وقَطعِ الرُّؤوس وإحلالِ السَّيفِ محلَّ السَّلام، وإبادةِ الأبرياء من النِّساء والأطفال، بل والحيوان والنَّبات والجماد.
السَّيِّداتُ والسَّادة!
كثيرٌ من كِبار المحلِّلين من الغرب والشَّرق رَصدُوا ظاهرة الإرهاب.. وحاولوا سَبرَ أغوارها – وانتهوا إلى أن عودة «السلام العالَمي» ليعم العالَم كله تقف في وجهها تحديات كثيرة، أهمها ما ظهر في أعقاب نهاية الحرب «الباردة» من نظريات سياسية تُؤصِّل للصِّراع بين الأديان والحضارات، وترى في الإسلام والثقافة الإسلامية عدوا للحضارة التي وصَفَها بعضُ المنظِّرين السِّياسيِّين الغربيِّين بأنها نهاية الحضارات أو نهاية التاريخ، وباتوا على يقينٍ من أنَّ هناك فلسفة تَحكُم السياسات الدَّولية تقوم على مبدأ صراع الحضارات، واستنفار الطاقات لمواجهة الإسلام كعَدُوٍّ أوَّل في حَلَبةِ هذا الصِّراع.. وقد وجدوا في هذا العَدُوّ فرصة ذهبيَّة لتوحيد كلمة الغرب، وتجنُّب النِّزاع الذي قد يُفضِي بهم إلى حروب داخلية، وهم قد جرَّبوا عواقبها المدمرة من قبل، ولا يَسمحُون بتَكرارها مرَّةً أخرى حِرصًا على شُعوبهم وصونا لدماءِ أبنائهم، وحفظًا لمقدَّرات حضارتهم ومكتسباتها التي حقَّقُوها بالعَرَق والعمل الجاد المسؤول..
وفيما أعتقد فإن هذا الجوّ، أو هذه الظُّروف السياسيَّة المعقدَّة، هو أنسب الظُّروف التي يجبُ أن نبحث فيها عن «الإرهاب»: نشأةً وأسبابًا ومقاصدَ وغاياتٍ، فمثل هذه السياسات الجائرة هي البيئة الطبيعة لولادة «الإرهاب» والحاضنة الرَّؤوم لتَنَمُّرِه وتَغَوُّلِه، وليس في نُصوصِ القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة، بل ولا في الكُتُب التي أنزلها الله على رُسُله وأنبيائه..هذا الإرهاب الذي تَطالُ طاقاته التَّدمِيريَّة دُولًا بأكملها، وينتقل بمعداته الثقيلة وجيوشه الكثيفة بن عدة دول في عالمنا العربي في حرية يحسد عليها.
ونحن نتساءل: من وفر له هذا الأمن؟
ومن سمح له باختراق الحدود؟
ومن يدعمه بالمال والسلاح والتدريب؟
نتساءل عن كل ذلك بعد ما تردد على أسماعنا من أن أية ذبابة تطير فوق البحر الأبيض المتوسط بأنه يمكن رصدها والسيطرة عليها..
فهل نصوص القرآن الكريم تصلح تفسيرا لكل هذه الأهوال التي تندلع فجأة هنا وهناك ويكون المسلمون وحدهم وقودَها وضحاياها!!
إنَّ البحث النَّزيهَ المنصِفَ لابدَّ له من أن ينتهيَ إلى أنَّ الإسلام برئٌ من هذه البربريَّة الهمجيَّةِ، ولا علاقةَ له به، لا نشأةً ولا غايةً ولا دعمًا، بأي لونٍ من ألوان الدَّعم. كيف وفلسفةُ الإسلام في التَّعامُل مع الآخَرينَ لا تَعرِفُ مبدأ الصِّراع، ولا التَّصنيف بين أسود وأبيض، ولا بين شرقيٍّ وغربيٍّ، وإنَّما تَعرِف مبدأً واحدًا فقط في معاملة النَّاس هو: «مبدأ التعارف» الذي يعني التَّفاهم والتَّعاون وتبادل المنافع والمصالح: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]، وهذه الآية الكريمة، رُغم تداولها على ألسنة الكثير من المسلمين وغير المسلمين، فإن كثيرًا أيضًا قد لا يتنبَّه إلى أنها تُذَكِّرنا -أوَّلًا- بوَحدَة الأصل وأخوَّة البشريَّة والتقائها بكلِّ شُعوبها في أبٍ واحِدٍ وأمٍّ واحدةٍ.. وأنَّه لا مَفرَّ لكي تستقيمَ الحياةُ ويتحقَّقَ مرادُ الله من خِلافة الإنسان في الأرض، لا مَفَرَّ من أن يكون «التَّعارفُ» هو الإطار الحاكم للعلاقات بين الناس..
وقد أكَّدَ نبيُّ الإسلام –صلى الله عليه وسلم- هذا المبدأ في خطبته في حجة الوداع، وهي الخطبة الأخيرة التي كانت بمثابة «الدستور» النهائي الموجَّه للناس كافة، وليس للمسلمين وحدهم، أكد مبدأ حرمة الدماء والأعراض والممتلكات، فقال: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ».
من هنا كان من المستحيل أن يَأمُر القرآنُ بالحروب التي تُفضي إلى القتل وسَفك الدِّماء وتشريد الآمِنينَ، وجَني الأرباح من مصانع الموت والتَّدميرِ والتَّفجيرِ، ومن هنا – أيضا – كانت الحرب في الإسلام استثناءً لا يُلجَأُ إليه إلَّا بحُكم الضَّرورات القُصوَى التي لا مَحيد عنها بحالٍ من الأحوال.. وهذه هي نصيحةُ القرآن الكريم:
- (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) [الأنفال: 61].
- (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190].
وهي نصيحةُ نبيِّ الإسلام -ﷺ-:«لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ»
ويتساءلُ كثيرونَ: إذا كان الأمرُ كذلك فلماذا قاتلَ الإسلام غير المسلمين كما هو معلومُ من التَّاريخ؟
والجواب: أن الإسلامَ لم يُقاتِل أحدًا تحت بَنْد «الكُفر»، وكيف يُتصوَّر ذلك والقرآن الذي يصطحبه جيشُ المسلمين في رِحَالهم يقول: (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: 29].
وكيف يَشُنُّ المسلمُ حربًا لإكراه الناس على الدُّخول في الإسلام وهو يتلو في قرآنه: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة: 256].. نعم! لا يقاتل الإسلام تحت راية الكُفر أو الإكراه على الدِّين، وإنما يقاتل تحت مبدأ «العدوان» وردع «المُعتدي» سواء كان هذا المُعتدي كافرًا أو مؤمنًا... (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) [الحجرات: 9]، ففي هذه الآية يأمُرُنا الله تعالى أن نقاتلَ المؤمنين البُغاة المعتَدِين على النَّاس.. وهذا الأمرُ آكَدٌ في الوجوب إذا كان المعتدِي من غير المؤمنين، لأنه يكون أكثرَ فَتكًا وأشدَّ أذًى.
السَّـيِّداتُ والسَّــادة!
هذه هي أهمُّ التَّحديات التي تواجِه المسلمين اليوم وهم يَتطلَّعُون إلى إطفاء نيران الحروبِ التي اشتعلت في ديارهم، وإلى حقِّهم في الأمن والسَّلام والعيشِ الكريمِ كبقيَّة خَلْقِ الله.
والذي أعتقدُه جَزمًا ويقينًا أنَّ أمَّةَ العرب والمسلمين قادرةٌ على تحقيق هذا الأمل؛ إذا ما استطاعت أوَّلًا أنْ تُنهيَ ما بينها من خلاف وفُرقةٍ وصراعٍ بدَّد طاقتَها وأَوهنَ عزيمَتَها، هي قادرةٌ على أن تَقطَعَ الطَّريق على العابثين بوَحدَتِها وأُخوَّتِها، والعازفين لها على أوتار الطَّائفيَّةِ والعِرقيَّةِ والمذهبيَّةِ، وذلك ما استمعوا لقول الله تعالى:: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46] استماع تذكر وتدبر واعة وتسليم (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها).
وعلينا – أيها الجمع الكريم!- ونحن نتصدى لتحديات الإرهاب أن نَلتفِتَ جَيِّدًا إلى مناهج التعليم في بلاد المسلمين، وبخاصةٍ في مراحله: الابتدائيَّةِ والإعداديَّة، وأن نُقدِّم الإسلامَ للنَّاشئة كما أنزله الله تعالى وبلَّغه رسوله ﷺ، هذا الإسلام الذي مَكَّن أتباعه من إضاءة العالَم وتمدينه وترقيتِه وتحضيرِه ولما يمض قَرنٌ أو قرنان على انتقالِ صاحب الرسالة (صلوات الله عليه) إلى الرَّفيقِ الأعلى.
والأملُ معقودٌ –بعد الله تعالى- على علماءِ هذا الثَّغْر الإسلامي الرَّاسخ في أقصى الشَّرق الإسلامي، وما يُمثِّلُه من حِفاظٍ على مذهب «أهل السُّنَّة والجماعة» وتمسُّك أهله بأهدابه: أصولًا على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري، وفروعًا على مذهب الإمام الشَّافعي رضي الله عنهما، وقد سَعِدتُ كثيرًا حين عَلِمتُ من كِبار المسؤولين الذين لقيناهم بالأمسِ أنَّه قد تخرَّجَ في الأزهر الشَّريفِ من أبناء هذا البلد وبناته أكثر من ستِّ مِئَةٍ وخمسينَ خرِّيجًا منذ خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم، وأنَّ أبناء الأزهر هنا ينتشرونَ في مختَلِف مواقع الدَّولة، قُضاةً ووزراء وسفراء وأساتذة وسياسيِّين وإعلاميِّين، وأنَّ هؤلاء العلماء كانوا وسيظلون أوفياء لمنج الأزهر الشريف ورسالته الوسطية، ونَشرِ عُلومِه وثقافَتِه، وقد انعكس ذلك على هذا الشَّعب الطيِّب الكريم أمنًا وسلامًا ورخاءً وكفاية، ورُقيًّا حضاريًّا رائعًا، يزهو بخَلفيَّة إسلاميَّة راسخةٍ من التَّمسُّك بالجذور والحفاظ على الهُويَّة والجمع بين الأصالة والمعاصَرة في اتِّزانٍ بديعٍ لا يطغَي فيه طرفٌ على طرفٍ.
وختامًا أُكرِّرُ خالِصَ الشُّكر الجزيلِ لحضراتِكُم، وأُؤكِّد على استعدادِ الأزهر غير المحدود لدَعمِ هذا البلد الكريم بكلِّ ما يحتاجُه في مجالِ التَّعليمِ والدَّعوة والثَّقافة بما يُحَقِّق نشر رسالة الإسلام خالصةً كما أنزلها الله وسطًا لا إفراطَ فيها ولا تفريط.