هل تمتلك «الصوفية العلمية» القدرة على مواجهة التطرف؟
في الفترة الأخيرة، عول الكثيرون، على ما يسمى بـالتيار «الصوفي العلمي» في مصر، للقيام بدور كبير، في مواجهة التشدد والتطرف، من خلال مواجهة هذا الفكر ومقارعته بالحجة والدليل، إضافة إلى تجفيف منابع هذا الفكر، من خلال التراث الصوفي، الذي يمثله الكثير من علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف في مصر.
في هذا الشأن، قال الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، في مقال له عن الصوفية ودورها في مواجهة التطرف، إن أبرز ما يميز الصوفية، عن غيرها من الجماعات الإسلامية، هى أنها لا تسعى نحو ركوب موجة الإسلام السياسي، فهي تتوازى أحيانًا مع الرهبنة المسيحية برغم الاختلافات الكبيرة بينهما ولكن نزعة الزهد والانصراف عن طيبات الحياة تجعل للصوفية شأنًا خاصًا فى التاريخ الإسلامى كله، وهى جماعات كثيرة العدد، قوية التأثير، ولكنها لا تميل إلى استعراض عضلاتها لأنها وجدان روحى وليست قوة سياسية لذلك كان أقطاب الصوفية دائمًا محل احترام عن بعد لا يحملون عداوة، ولا يبشرون بأيديولوجية معينة، ولا يتدخلون فى حياة الناس، فالفارق بين الصوفية والسلفية كبير وواضح، فالصوفية علاقة بين الإنسان وخالقه أما السلفية فهى اشتباك مع المجتمع بالقبول أو الرفض.
وأوضح " الفقى" إن "الصوفية العلمية" سلاح إسلامى معتدل نرفعه فى وجه محاولات الغلو والتطرف المشوبة، بالعناد الذى يستند إلى الجهل، ويعتمد على الخرافة، ولا يدرك الدلالة الحقيقية لصحيح الدين، ولدينا فى مصر مشيخة للطرق الصوفية يتناوب عليها رجال ثقاة يعرفون قدر المنصب وأهمية الدعوة مع إدراك الفلسفة الحقيقية للحركة الصوفية.
واشار " الفقى " إلى أن الأزهر الشريف كان ولا يزال قلعة إسلامية صافية احتضنت مدارس التصوف وتفاعلت معها وسعت إلى نقائها، بل إن اثنين يحملان لقب الإمام الأكبر فى العقود الأخيرة ينتميان إلى مدارس صوفية متقاربة، ونحن نتذكر الآن شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود وهو قطب صوفى بارز عرفناه بمواقفه المستقلة ورفضه الانصياع لضغوط السلطة، كذلك فإن الإمام الأكبر حاليًا وهو الدكتور أحمد الطيب ينتمى إلى بيت صوفى عريق خرج من مدينة الآثار الفرعونية (الأقصر) ليثبت نظرية الجوار الآمن بين الحضارات والثقافات وهو أستاذ فى الفلسفة الإسلامية عاش فترة فى مدينة النور (باريس) مثلما فعل سلفه الإمام الصوفى الراحل الدكتور عبد الحليم محمود.
من جانبه، قال الدكتور طلعت مسلم الباحث فى الشأن الصوفى، إن أمام التيار الصوفى العلمى فى مصر، فرصة كبيرة، للدخول بالقوة فى المنافسة على نشر الفكر الوسطى، والقضاء على الفكر المتطرف، وذلك من خلال دراسة أفكار الجماعات المتطرفة، والفتاوى التى تصدرها، هذه التيارات ليل نهار، لتفنيدها والرد عليها، خاصة أنه لدى هذا التيار العلمى، ما يرد به على هؤلاء المتطرفين والمتشددين، والذين يفهمون الدين من منظور خاطىء.
وتابع " مسلم" أن الأمر الذى يميز التيار الصوفى العلمى، فى مصر هو دارسة علماء هذا التيار، فى الأزهر الشريف، وتشربهم من المشرب الصوفى الاشعرى، الذى يراعى الإختلاف بين كافة التيارات، حتى أن من يقرء لرموز هذا التيار لايعتقد أنهم صوفية، لأنهم يعالجون كافة الظواهر، من النواحى الدينية والشرعية المختلفة، دون إدخال توجههم الصوفية فى هذه المسائل.
فى السياق ذاته، قال الدكتور احمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، إن الصوفية العلمية موجودة بقوة فى الشارع المصرى، وهى تواجه التطرف والعنف، بشكل دائم، والتيار الصوفى العلمى، موجود فى الطرق الصوفية والأزهر الشريف وكافة المؤسسات الدينية فى الدولة،ودور هذه التيار معروف ومعلوم للجميع، ولكنه للأسف لم يحظى روموز التصوف العلمى فى مصر، بإهتمام كبير من قبل الدولة، مما جعل دورها غير ظاهر وخاصة خلال الفترة الاخيرة.
وتابع "كريمة" أن من أبرز رواد الصوفية العلمية فى مصر، عدد من شيوخ الأزهر الراحلين، أمثال " الدكتور عبدالحليم محمود، مؤسس التصوف العلمى فى مصر، والشيخ محمد متولى الشعراوى، والشيخ محمد ذكى الدين إبراهيم، شيخ العشيرة المحمدية، الذى يعتبر من القامات الصوفية العلمية فى مصر.
وقال الدكتور فؤاد عبدالعظيم عضو اللجنة العلمية فى الطرق الصوفية، إن الصوفية العلمية موجودة فى جميع المؤسسات والزوايا الصوفية فى مصر، وهى تتكون من أساتذة ومحاضرين جامعيين درسوا التصوف على يد فطاحل العلماء فى الأزهر، وغيره من المؤسسات الدينية، وعلى ذلك فهذا التيار العلمى، تستعين به المشيخة العامة للطرق الصوفية، فى كثير من الأمور، كإعداد الدراسات المختلفة، الخاصة بمواجهة التطرف والتشدد.
وتابع " عبدالعظيم" أن التيار الصوفى العلمى، يتمثل فى بعض الطرق مثل " العشيرة المحمدية، والطريقة العزمية الصوفية، والطريقة الصديقية الشاذلية، والطريقة الحامدية الشاذلية، والطريقة القادرية والطريقة الهاشمية والطريقة القصبية"، أم باقى الطرق الصوفية، فهى تميل للطقوس والفلكلور الشعبى، أكثر من الإهتمام بالجانب العلمى والبحثى، الأمر الذى جعل هناك العديد من الإختلافات بين العديد من الطرق الصوفية.