«حركات فارسية مدمرة» لـ «أحمد شلبي».. أسرار العداء الإيراني للدول الإسلامية
كثيرة هي الأسئلة التي تثار حول أسباب العداء الإيراني للعرب، ومشاركة إيران في الكثير من أحداث الفوضى في الدول العربية، عن طريق التدخلات المعلنة والسرية، وهو ما تنبه إليه الزعماء والقادة العرب في قمة "الظهران" التي عقدت بالمملكة العربية السعودية مطلع الأسبوع الحالي، والتي رفضت هذه التدخلات بشكل قاطع.
وللإجابة على هذه الأسئلة، حصل "أمان" على نسخة من كتاب "حركات فارسية مدمرة ضد الإسلام والمسلمين عبر العصور" للعالم الموسوعي الدكتور أحمد شلبي، صاحب العديد من المؤلفات الموسوعية في التاريخ والحضارة الإسلامية، والذي كشف الإجابة على هذه الأسئلة في هذا الكتاب الصغير الذي انتهى من تأليفه في يناير عام 1988، بعد أقل من 6 أشهر على أحداث مظاهرات الشيعة في الحرم المكي في 31 يوليو عام 1987، والتي أدت إلى وفاة أكثر من 400 حاج.
يعرض المؤلف أسباب تأليف الكتاب فيقول: "أقرر أنني من فترة طويلة كنت أحس بالخطر الذي انبعث من إيران، وأخذ يضرب العالم العربي والإسلامي في مقاتل بدون توقف عبر القرون الطويلة من مطلع الإسلام حتى العصر الحاضر، كنت أحس بذلك تماما، ولكني كنت أخفي هذا الإحساس ولا أذيعه رجاء إصلاح الحال، وحتى لا أكشف إحساسي للمسلمين، إذ كنت أطمع في توقف هذا الهجوم في عصرنا الحاضر".
ويبدو أن المؤلف كان يستشرف المستقبل من خلال كتابه الذي ألفه في ظرف مباين لما نحن عليه الآن، حينما كانت كفة العراق هي الراجحة، وقد ذكر المؤلف ذلك، وقال المؤلف عن الوضع على الأرض في العراق وقتها:
"إن المعارك تسير بنجاح جنبا إلى جنب مع الإصلاحات العمرانية بالعراق التي لم تتوقف ولم تتوان.. كيف يكون الحال لو امتدت الحرب فشملت أقطارا عربية غير العراق؟".
ويبدو أن السؤال الأخير للمؤلف كان استشرافا للمستقبل الذي نعيشه اليوم، فقد وقعت العراق في يد الإيرانيين، وكذلك تعبث الميليشيات الإيرانية بكل أريحية في سوريا، وتمول الحوثيين في اليمن وتحاول اختراق السعودية.
وترجع أهمية الكتاب إلى أنه دخل في الأسباب الأساسية التي دعت الإيرانيين أو الفرس لاستهداف العالم الإسلامي عن طريق الحركات السرية الباطنية التي بدأت بالدعوة إلى الشعوبية، في القرون الأولى من الإسلام، ثم ظهور الراوندية والزنج والقرامطة والزنادقة والدرزية والخرمية والبابية والبهائية، وكل هذه الحركات كانت مصدرا دائما للصراع مع بلاد العرب منذ عصر مبكر في التاريخ الإسلامي.
ويجيب المؤلف في هذا الكتاب عن ثلاثة أسئلة تكشف لماذا كل هذا العداء من الفرس للمسلمين، وتتمثل الأسئلة فيما يلي:
ما الأسباب التي دعت لظهور هذه الحركات؟
لماذا نبنت كل هذه الحركات في إيران؟
ما هدف إيران من كل هذه الحركات؟
ظهور الحركات الباطنية
يرجع المؤلف السبب في ظهور هذه الحركات إلى تكوين العقلية الفارسية المتأثرة بالديانات الوضعية الوثنية، وقال "العقلية الفارسية، كبلتها الخرافات وانحرافات الزرادشتية والمانوية والمزدكية، فلم تستطع أن تهضم الفكر الإسلامي بالتزاماته".
وأكد المؤلف أن الحال الدينية المنحرفة التي كانت عليها بلاد فارس أدت إلى ظهور دعوات للتغيير ما لبثت هي الأخري أن تحولت إلى انحرافات جديدة مثل الزرادشتية التي أدمجت الآلهة التي كان يعبدها الفرس في ثنائية الخير والشر ورمز فيها للشر بالنار لصفائها، وما لبث أن عبد الفرس الرمز (النار) واعتبروه إلها وهو ما لاقى استحسان الكهنة الذين نظروا إلى أن الحاكم هو ظل الإله.
ويبدو أن هذه العقيدة ظلت متجذرة في نفوس الفرس إلى الآن والتي تحولت فيما بعد إلى "عصمة الأئمة".
وبعد ذلك ظهرت فكرة نهاية العالم على يد ماني الذي دعا للتحرر من النفس البشرية بالقتل، وظلت تعاليم "ماني" إلى بعد الفتح الإسلامي، وظهرت في صورة الجماعات والفرق التي استحلت الدماء للقضاء على الجنس البشري.
وظهرت أيضا لدى الفرس الديانة "المزدكية" القائمة على الشيوعية يقول المؤلف:
"أحل مزدك النساء وأباح الأموال، وجعل النساء شركة بين الناس كاشتراكهم في الماء والكلأ، ولقيت دعوته قبولا لدى المترفين والفجرة".
ثم قال: "ما أقسى ما عانى الفرس قبل الإسلام من انحرافات تركت في كثير من الأحوال طابعها عليهم على مر الأجيال.. فادعى ملوك الفرس أن دما إلهيا يجري في عروقهم، وأن في طبيعتهم عناصر علوية مقدسة.. وفيما عدا الأسرة المالكة كان هناك المجتمع الإيراني بطبقاته الكثيرة التي تقوم هوة واسعة بين كل اثنين منها، وكان كل إنسان في طبقته لا يستطيع أن يتعداها إلى سواها من الطبقات، مهما أوتي من كفاءة خاصة، أو تجارب معينة.. هذه بلاد فارس بما حوته من أعاجيب وانحرافات انعكست للأسف الشديد على بلاد فارس بعد الإسلام.. لقد كانت هذه البلاد مهيأة سياسيا وعقائديا لكل صنوف الشطط والانحرافات والثورات، وكانت الأرض الوحيدة في العالم الإسلامي التي عجزت عن أن تهضم الإسلام والأخلاق الإسلامية فراحت تصارع الإسلام بلا هوادة"..
لماذا نبتت هذه الحركات في إيران؟
يكشف المؤلف سر ظهور الحركات الهدامة في إيران فيقول:
"هذه الانتصارات العسكرية- للمسلمين- فتحت الباب لجماهير الفرس أن يتدفقوا على الإسلام على نحو ما فعل جنود الشاهنشاه، وفي نفس الوقت فتحت هزائم إيران الباب لمجموعتين خطيرتين لتتعاونا في تخطيط طويل المدى لصراعات فكرية ضد الإسلام والمسلمين بعد فشل الصراعات العسكرية وهاتان المجموعتان هما:
المجموعة الأولى:
هي اليهود .. "التي كانت تنعم برخاء العيش وسعة النفوذ في إيران، ولذلك كان دخول الإسلام إيران فاجعة لهم، ثم إن هؤلاء يعرفون ما نزل بيهود المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان غيظهم شديدا من الزحف الإسلامي لبلاد فارس فكونوا مجموعتي المؤامرات".
المجموعة الثانية:
وتتمثل في : "بقايا الأكاسرة ورجال الحاشية وكبار الشخصيات الفارسية الذين فقدوا نفوذهم وثرواتهم بسبب الزحف الإسلامي، وبعض هؤلاء تظاهروا بالإسلام ولكن الإسلام الحق لم يدق قلوبهم..
تجمعت هاتان المجموعتان وكونتا جبهة لمحاربة الإسلام والمسلمين، ولم يكن في مقدورهما أن يواجها الإسلام في حرب عسكرية فبدأوا يخططون لقيام حركات تدميرية، تفسد الفكر الإسلامي من جانب، وتشعل ثورات تضعف المسلمين من جانب آخر".
وأضاف "أما نتائج هذه الحركات التدميرية على الشعب الإيراني فقد كانت قاسية جدا، لأن هذا الشعب لم يحتمل تكرار المحاولات، فسقط هذا الشعب مع الزمن أسيرا لهذه الحركات وآمن بها ولم يبق على الطريق السوي إلا قلة قليلة".
أهداف هذه الحركات
يقول المؤلف- رحمه الله- : إن الدارس لتاريخ إيران في العصر الإسلامي، والدارس للحركات التي انبثقت من إيران خلال الأربعة عشر قرنا يدرك بسهولة هدف إيران من هذه الحركات، إنه في تعبير موجز: العودة للوراء.
إن السلطات الحاكمة بإيران طيلة الأربعة عشر قرنا الماضية تحلم بأن تعامل معاملة الآلهة كما كان ملوك فارس قبل الإسلام يُعاملون، وبلاد فارس تحلم أن تعود لتحكم نصف الأرض كما كان أجدادهم يحكمون، وإذا ذكّرتهم بالإمبراطوريات التي كانت في التاريخ وانتهت يسمعوا لك، وتراودهم أحلامهم بما لا يمكن تحقيقه".
ويوضح المؤلف أن الهدف الأسمى لإيران هو الردة العقائدية والسياسية لما كان قبل الإسلام، وهي في سبيل ذلك لا تدخر وسعا ولا جهدا في الاستعانة بكل ما من شأنه تحقيق هذا المطلب، فتطلق أذرعها في كل البلاد الإسلامية علنا وخفاء من أجل إحياء إمبراطوريتها القديمة مرة أخرى.
وينقل اعتراف الخوميني بذلك فيقول:
"والعجيب أن هذا الهدف لم يعد سرا، فقد أفصح الخوميني في وصيته التي نشرتها الأخبار المصرية، يوم 17/12/1987 بهذا الهدف نقلا عن مصادر مطلعة، وهذه الوصية صورة من الغفلة القاتلة، وقد جاء فيها أمره بعدم إلقاء السلاح والاستمرار في الحرب حتي تقوم الإمبراطورية التي سماها إسلامية، وكفًر من يدعو لإيقاف الحرب، وحرّض على احتلال مصر والانطلاق منها إلى الشمال الإفريقي".
وبعد استعراض أبرز الحركات الفارسية الهدامة التي مازالت تنخر في جسد الأمة الإسلامية، ذكر المؤلف عددا من الجرائم الإيرانية في العالم الإسلامي من صدر الإسلام إلى عام 1988، ولو أن المؤلف كان يعيش بيننا اليوم لصنف فيما بعد ذلك موسوعة كاملة ضمن مؤلفاته الموسوعية، ومن أبرز ما ذكره المؤلف من هذه الجرائم ما تعرض له الحرمان الشريفان، فقال:
"في عهد الدولة العباسية، هاجم القرامطة الكعبة، وأسالوا دماء الحجاج وأهل مكة، وسلبوا أمتعتهم وأموالهم، ثم خلعوا الحجر الأسود وأخذوه إلى بلادهم، وكان ذلك سنة 317 هـ، وبقي عندهم اثنين وعشرين عاما، ولم يعيدوه إلا بأمر من الخلفاء الفاطميين.
وفي العصر الحديث، شهدت الكعبة مجموعة من الثوار الذين هتفوا هتافات عدوانية في نوفمبر سنة 1979 واعتصموا بالكعبة، وطال اعتصامهم بها عدة أيام، ثم تمكنت السيادة السعودية من القبض عليهم وأنزلت بهم ما يستحقون من عقوبات.
- أما المرة الثانية من العدوان في العصر الحديث فهي سلسلة من الأعمال التي ارتبطت بإيران، والتي كانت مظاهر لتصدير الثورة الإيرانية، أو كانت مجالات للاحتكاك والصدام بالقوى السعودية على مرأى ومسمع من العالم وأتثبت التقارير هذه المحاولالت كالآتي:
- في سنة 1401 ه- 1981م- نظم الحجاج الإيرانيون مظاهرة في المسجد النبوي بالمدينة المنورة، وحاولت مجموعة أخرى من الحجاج الإيرانيين القيام بمظاهرة أخرى في مكة واضطرت السلطات السعودية إلى إبعاد مسئول الحج الإيراني حجة الإسلام موسوي ومعه 140 من أعوانه.
- في سنة 1403هـ- 1983م- قام الحجاج الإيرانيون بمظاهرات صاخبة، وحدث صدام بينهم وبين الشرطة السعودية.
- في سنة 1404 هـ - 1984، حدث صدام بين الحجاج الإيرانيين والحجاج العراقيين نتيجة لتحرش الإيرانيين بالعراقيين.
- في سنة 1406هـ- 1986م اعترفت الأجهزة السعودية على متفجرات كانت وضعت في جيوب سرية بحقائب الحجاج الإيرانيين، وصدرت تعليمات الملك فهد بعدم إثارة هذه المسألة حتى لا يقلق الحجاج من جانب ورغبة في عدم توسيع مسافات الخلاف مع إيران من جانب آخر، واكتفى السعوديون بمصادرة هذه الأسلحة والمتفجرات.
- ونصل بذلك إلى العدوان الكبير الذي حدث سنة 107هـ - 1987م".