«بعقر ديارك تكون المعارك».. رسالة داعش للعالم الغربي
كشف مركز "اعتدال لمحاربة" التطرف والإرهاب مؤخرًا أن دورة حياة المقاتلين الأجانب في تنظيم "داعش" تبدأ من الفتاوى الدينية الشاذة والمتطرفة وتنتهي بالتجنيد الذاتي والمعرفة الشخصية.
وأكدت الدراسة التي نشرها مركز "اعتدال " بالسعودية أن 32% من المقالتين المنضمين لداعش من أصول غربية، مقارنة بالجنسيات الأخرى من أوربا وأمريكا وأستراليا، وأنهم يعتبرون العناصر الأعنف في التنظيم من ناحية الانتماء والإصرار على المواقف وتبني العنف.
وأشارت الدراسة إلى أن فرنسا بها 23 % من نسبة تعداد المقاتلين الأجانب وهذا يفسر ازدياد العمليات فيها في السنوات الثلاثة الماضية عن غيرها من الدول الأوروبية الأخرى.
بجانب ذلك تأتي نسبة بريطانيا حيث تشكل 15% من تعداد المقاتلين، يليها ألمانيا 15% أيضًا.
المقاتلون الأجانب الخطر المقبل
قدم براين مايكل جينكس الخبير في الأمن القومي الأمريكي والباحث في مؤسسة راند الأمريكية المعنية بدراسات الإسلام السياسي شهادة مؤخرا مُقدَّمة لمجلس الأمن القومي حول التهديدات التي يشكّلها الجهاديون الأجانب العائدين من سوريا والعراق ومناطق الصراع على المجتمعات الأوروبية خلال السنوات العشر المقبلة.
وحاولت الشهادة الإجابة على سؤالين.. الأول ما مقدار التهديد الذي يُشكّله المقاتلون الأجانب في ساحات القتال في سورية والعراق؟
السؤال الثاني كيف تستطيع الولايات المتحدة أن تُحسّن من قدرتها على تحديد واعتراض المقاتلين العائدين من هناك بجوازات سفرٍ أوروبية أو لبلدانٍ يشملها برنامج الدخول بدون تأشيرة؟
احتفت مؤسسة "نخبة الفكر" التابعة لتنظيم القاعدة بهذه الدراسة وقامت بترجمة حرفية لهذه الشهادة لشخص يدعى نضال المصري تحت عنوان في "بعقر دارك ستكون المعارك"مما يلقي بظلال من الشك على مدى حصول هذه العناصر الإرهابية على معلومات استخباراتية مثل هذه.
وبحسب قول مايكل جينكس ووفقًا لآخر تقييم للمخابرات فهناك حوالي 20 ألف مقاتل أجني سافروا من بلدانٍ أخرى للالتحاق بالقتال في سوريا والعراق، يُعتقد أن أغلبهم التحق بصفوف ما يسمي بالدولة الإسلامية "داعش"، لكن لو الرقم قريب من الصحة فهذا يعني أن المقاتلين الأجانب يشكلون القسم الأكبر من مقاتلي الدولة الإسلامية المقدرين بـ31 ألف شخص حتي عام 2015 أغلب المتطوعين أتوا من بلدانٍ عربيةٍ أخرى، لكن حوالي 3400 مقاتل قَدِموا من أوروبا وبلدان غربية أخرى، وبالتالي فهؤلاء نظريًا يمكنهم دخول الولايات المتحدة بدون تأشيرةٍ مسبقة، وأغلب هؤلاء الآن في صفوف تنظيم داعش الإرهابي.
وأوضحت الشهادة المقدمة لمجلس الشيوخ الأمريكي أن لداعش برنامج تجنيدٍ مُعقّدا، يتضمن انتصاراتها المعلنة وتسجيلاتها العنيفة من خلال الإصدارات التي ترسلها من مؤسساتها الإعلامية الرسمية وتنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بواسطة أفرادها.
وأشارت الشهادة إلى أن التنظيم يستغل الفقر والظلم المنتشر في بعض الدول لذلك يسعي بعض الناس في بعض البلدان إلى الانتماء للتطرف العنيف، لكنه لايبرر تدفق المقاتلين الغربيين على سبيل المثال فالسير الذاتية لبعض الغربيين في سورية والعراق تُرجّح أن بعضهم عنده دوافع شخصية مثل الإهانات، والأزمات الشخصية، وعدم الرضا بالحياة وأن بعضهم يشعر بفراغ روحي، أو تمرد كبير في سن المراهقة أو نوع آخر من عدم الرضى عن حياته الشخصية لذلك يلجأ إلى الانضمام لتنظيمات العنف والإرهاب.
عنف داعش لا محدود وعابر للقارات
وتناولت الشهادة أن تنظيم داعش أو مقاتليه في أوروبا يتميزون عن باقي الجهاديين بنشر عنفهم اللامحدود، وهذا يجذب مجموعة من الأفراد الذين لاينفرون من المشاهد العنيفة التي تبثها دعاية التنظيم من الإعدامات الجماعية، والذبح والصلب وحرق الأحياء، وهي تجذب من يحبون المشاركة في هذه الأفعال.
وأكدت أن هذه الديناميكية موجودة في معظم الجماعات الإرهابية وتعتمد على منظري التيار الجهادي، فالعنف حيوي باعتباره جزءًا من الدعاية التي يمارسها التنظيم وبعض الأفراد غير مؤدلجين- على حد وصف الشهادة وهم الذين لا توجد عندهم أفكار أو تصورات عن العنف وأشكاله بالأساس- وتجذبهم الدعاية العنيفة والتي يحبون أن يشاركوا فيها، باختصار، هناك من هو مدفوع ومحب للعنف، الأيديولجية فقط تعطيه الرخصة للقتل.
وألمحت الدراسة إلى أن بعض المؤسسات الدينية في العالم العربي تقوم بنقاشات داخلها حول هل الدولة الإسلامية تمثّل الإسلام أو «مرقت» عن العقيدة الصحيحة (تكفر داعش )، لكن الواقع أن أطروحة الدولة الإسلامية مرفوضة من قطاعٍ عريض من علماء الدين الإسلامي، بجانب بعض الوسطيين على حدٍ سواء لكن رغم ذلك، فما تزال أطروحاتهم تجد صدىً عند قطاعٍ عريضٍ من جهاديّ أوروبا كما تشير الإحصاءات سالفة الذكر.
من خلال استراتيجيات الرعب، وتمجيد العنف وسائلَ للتجنيد، تستقطب الدولة الإسلامية الأتباع الأكثر عنفًا ودموية، والأصعب أن تتم إعادة استيعابهم في الحياة الطبيعية لذلك فمسئولية هذه المؤسسات صعبة في الوقت الحالي.
استراتيجية أمريكا لتجنب مخاطر العائدين
ووضعت الشهادة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية كي تتجنب انتشار المقاتلين الأجانب وتنفيذ عمليات على الأراضي الأوروبية ومنها:
تستطيع الولايات المتحدة دعم برنامجٍ دوليٍّ أوسع لاعتراض المقاتلين العائدين، خصوصًا من ناحية تركيا والاتحاد الأوروبي، خصوصًا دول الطوق منهم مثل بلغاريا واليونان، وبالرغم من أن بعض المقاتلين قد يأخذ مسارات عديدة للتهرب من الملاحقة إلا أنه يمكن تتبعهم عن طريق تركيا لأنها دولة الدخول والخروج الوحيدة الآن.
الجهود المخابراتية التي تحدد المجموعات المشتركة في التخطيط لعمليات ضد أهداف غربية، وأهمها النموذج الجديدة مثل مجموعة «خراسان» التي قصفتها الولايات المتحدة مؤخرا في أفغانستان، نموذج لهذا الجهد المخابراتي المسبق.
قاعدة بيانات الكيانات والأشخاص الإرهابية وقائمة منع الطيران، وقواعد البيانات المخابراتية الأخرى هي الآن الطريقة الأولى لتحديد المقاتلين العائدين والتي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا مؤخرا.
مشاركة المعلومات الاستخباراتية عملية معقدة ولا تغطيها هذه الشهادة الموجزة فمثلًا هناك الآن قائمة تُعد لمشاركة سجل السفر لكل شخص بين أوروبا والولايات المتحدة، وبعد هجمات باريس، اتفق وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي على خطةٍ موسّعة تُوجب على المسافرين توفير معلوماتٍ إضافيةٍ عن أنفسهم والتي ستبقى متاحةً لأجهزة متابعة الإرهابي حتى5 سنوات.
نظام إلكتروني للترخيص بالسفر وهو قيد التطوير الآن، وهو يجعل كل تأشيرة مطلوبة تخضع لكشف على قاعدة بيانات الإرهاب قبل منحها للشخص، والسؤال الآن هل سيتم تطوير هذه المنظومة لِمَا هو أبعد من ذلك وتشمل دول عربية وأخري إفريقية.
تصوير الركاب قبل ركوب الطائرة، وهو ما يعطي إمكانات إضافية، وقد سبق العمل به بعد توصية من البيت الأبيض في 1997 وهو البرنامج الذي سمح بتصوير 9 من الـ19 شخصا الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر وتمَّ استبدال هذا البرنامج مؤخرًا ببرنامج «الرحلة الأمنة» والذي يطابق الصورة مع قاعدة بيانات فيها صور المطلوبين.
مثل هذا البرنامج اعتمدت عليه إسرائيل بشكل موسّع مؤخرا، وبالرغم من أنه برنامجٌ مُكلف إلا أنه أظهر نجاحًا في تحديد شخصية ريتشارد ريد المعروف باسم «مفجر الحذاء» وكان شخصًا إرهابيًا محتملًا تم القبض عليه.
وضع برنامج التحديد الأوتوماتيكي للأشخاص والذي يقوم بتحديد الأشخاص الذين قد يشكّلون خطرًا إرهابيًا. ومن الممكن أن يتم تطوير خوارزمية الاكتشاف هذه مستقبلًا بحيث تصبح أكثر دقةً وسرعة.
وضع برامج لإعادة تأهيل العائدين من مناطق الصراع فقد أحدثت بعض النتائج المتباينة، ومصادر المراقبة بالفعل تمددت وتوسعت بفعل زيادة عدد العائدين من ساحات القتال الذين تتم إعادة تأهيلهم وربما لا تملك بعض السلطات الإمكانية للتوسع أكثر مما هو قائم الآن لمراقبة كل شخص عائد، وهي مثلًا مشكلة كبيرة في فرنسا في مراقبة العائدين إليها أو ممن فكّروا في الذهاب إلى خطوط القتال، كما أن كثيرا من الإرهابيين أظهروا قدرًا كبيرا من الإصرار على عقيدتهم وهو مايعني لزوم تتبعهم بنهجٍ معين لمدةٍ تصل إلى عدة سنوات.
سيستمر الصراع في سوريا والعراق في المستقبل المنظور، وسيمتد التعامل مع نتائجه ـ رواسبه لسنين طويلة، ولذلك تحاول كثير من الدول تطوير وسائل دفاعيتها لمنع امتداد العنف الإرهاب إليها.