أبومصعب السورى.. مهندس الإرهاب
أبومصعب السوري، صاحب البشرة الشاحبة والشعر الأحمر، وظف دراسته المتخصصة في هندسة الميكانيكا في الأعمال الإرهابية، ورغم ذلك فقد تسللت الرومانسية إلى قلبه بسبب اطلاعه على الموسيقى التي يحرم الاستماع إليها الآن، تزوج بامرأة إسبانية اعتنقت الإسلام، واستطاع الاختلاط بالمجتمع البريطاني بشكل أسهل من الكثير من الأصوليين الإسلاميين، بعد امتلاكه جنسية مزدوج؛ إسبانيا وسوريا.
ولد أبومصعب في حلب السورية عام 1958، ودرس الهندسة، وفي أوائل الثمانينيات شارك في تمرد فاشل قامت به حركة الإخوان المسلمين ضد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.. ووفقا لتقاريره المكتوبة فإنه هرب من البلاد بعد ذلك، ثم تدرب في معسكرات بالأردن، وقال إنه في وقت لاحق انتقل إلى أوروبا عندما بات واضحا أن حافظ الأسد قد تعزز موقعه في السلطة.
ووصل الى إسبانيا عام 1985، أما في عام 1987 سافر إلى باكستان وأفغانستان والتقى بن لادن، وانضم إلى مجلس شورى التنظيم، وحينما عاد إلى إسبانيا عام 1992 ركز على بناء خليته الخاصة به، وشارك في تصميم الخلايا التي ظلت تعمل في أوروبا، ولعب دورًا مهما باعتباره الشخص الذي لديه علاقات مع مستويات أعلى داخل القاعدة، وغادر لندن عام 1998 ثم عاد إلى أفغانستان حسب مصادر استخبارية، وهناك شكل علاقات قوية مع حكومة طالبان التي وصلت إلى الحكم للتو، ثم أقسم يمين الولاء للملا عمر زعيم طالبان، وأعطى موقعا في وزارة الدفاع، كذلك باشر اتصالاته بالقاعدة لكنه تصادم مع بن لادن، حسب ما قاله بعض العرب المنشقين بسبب كتاباته.
أبومصعب، مقبوض عليه في سوريا الآن، وهناك أقاويل متضاربة حول إمكانية الإفراج عنه أو إعدامه.
كتب السوري 1600 صفحة تحمل عنوان «الدعوة إلى مقاومة إسلامية عالمية»، لا يزال ينشرها على مواقع الإنترنت حتى الآن، وهى عبارة عن خطوط استراتيجية لصراع عالمي في أكثر ما يمكن من الجبهات، في صيغة مقاومة من جانب خلايا صغيرة أو أفراد، بدلًا من حرب العصابات التقليدية.
وبعد التفجيرات في مدريد ولندن حدده المحققون باعتباره المنظم المحتمل لتلك الهجمات، لأنه عاش في كلتا المدينتين في سنوات التسعينيات، ولكن حتى الآن لم يكشف المحققون عن أدلة دامغة على تورطه المباشر في تلك الهجمات أو أي هجمات أخرى، على الرغم من ارتيابهم بأنه أسس خلايا نائمة في إسبانيا ودول أوروبية أخرى.
من جانب آخر، قال برينجار ليا، الباحث في قضايا مكافحة الارهاب في مؤسسة الأبحاث الدفاعية النرويجية، الذي ألف كتابا حول أبومصعب: «إنه من المحتمل أن يكون أول من طرح تعاليم بشأن الجهاد العالمي غير المركزي، وفي رأيي المتواضع فإنه أفضل منظر بين أيديولوجيي واستراتيجيي «الجهاد» هناك، وليس هناك من شخص منظوم وشامل في تحليله مثله، إن استقامته الحادة ونقده الذاتي متفرد في الأوساط الجهادية».
تحدث السوري عن سرايا التجنيد، وهو أول من خطط لتكون متخفية فى أوساط الناس لنشر الفكر الإرهابي، وقال: يبدأ تكوين الجماعات الجهادية المسلحة عبر فتح الإمكانية للمشاركة أمام المتعاطفين مع الجهاد، وتحويل نبضاتهم العاطفية إلى ظاهرة يتم توجيهها واستثمارها، ثم إنشاء خلايا متنوعة لا ترتبط تنظيميًا، وتجمع ما بين المركزية على صعيد الانتماء والشعارات والرموز والأفكار، وبين عدم الارتباط المركزى بحيث لا يمكن إجهاضها أمنيًا.
وأضاف: يتم ربط كل أطياف الخلايا والسرايا والأفراد، الذين يتم دعوتهم، بـ3 روابط، هى الاسم المشترك والبيعة، والعقيدة المشتركة، والهدف المشترك، وذلك لتحقيق المردود السياسي والهدف، ثم إرشاد المدعوين إلى أن تعد كل مجموعة نفسها بنفسها، على ما يلزم من العمل العسكرى، بدءًا من أساليب المقاومة الشعبية وانتهاءً بالعمليات الاستراتيجية المعقدة، ومرورًا بكل أشكال ومستويات عمليات العصابات سواء كانت فى المدن أو الأرياف.
على هذا تتكون كل سرية من فرد أو أكثر، وتكون وحدة مستقلة يرأسها أميرها ويدبر شئونها، وتتجه للعمل العسكرى مباشرة ولا تتجه لأي شكل من أشكال التنظيم والدعوة والتحريض وسوى ذلك من أعمال الجماعات السرية، بل تختار هدفها وتهاجمه، وتبلغ أى وسيلة إعلام باسمها الخاص الذي اختارته، وتعلن مسئوليتها عن العمل الذي قامت به.
ما قاله السوري هو ما أوجد جماعات متنوعة مثل «أجناد مصر»، و«أنصار بيت المقدس» وغيرهما، بمعنى أن ذلك هو جمع جهد أصحاب الجهاد الفردي وبقايا التيار الجهادي وأنصاره والمتعاطفين الجدد، وتحويلها إلى ظاهرة عنف مسلح، بما يجعلهم يعملون دون الانضواء فى تنظيم جامع يلزمهم بما لا يطيقون حسب قناعاتهم، وهذه الطريقة تسمح بالانقطاع التام بين تلك الخلايا بحيث لو كشف أحد فلا يؤثر هذا على بقية من ينوون العمل.
يقول أبومصعب السورى: سنطلق الفكرة وننشرها كاملة بكل وسيلة، مباشرة أو بالمراسلة، أو عبر شبكات الاتصال والإنترنت، بما يضمن سهولة الانتماء ومباشرة العمل دونما تعقيدات فى مراحل التنظيم والتكوين والتربية.. وتختلف المستويات بين سرية وأخرى من حيث الإعداد العسكرى والمادى واللوجيستى، فمنها سرايا المقاومة التى تتكون من الأفراد والمجموعات الصغيرة محدودة الإمكانيات، من حيث التمويل أو من حيث مستوى التدريب، والسرايا العسكرية العامة، التى تتكون من الأفراد الذين سبق لهم التدريب على استخدام الأسلحة الخفيفة الفردية والمتفجرات بمستوى متوسط، من بقايا خلايا التيار الجهادى وتنظيماته، وأخيرًا السرايا النوعية وهى عالية الإمكانيات الأمنية والحركية والعسكرية والمادية، وتتشكل من العناصر أو المجموعات التى كانت قد تلقت تدريبًا عاليًا على العمل السرى والإرهاب المدنى وإدارة الخلايا فى حروب العصابات والمتفجرات.. واشترط فيلسوف تنظيم القاعدة فى العضو أن يكون لديه المَلكة الإرهابية، وأن يكون منخرطًا فى الحياة العامة بشكل عملى، ويطالع كتب الاستخبارات والجاسوسية والحروب الخفية، وكتب «حرب العصابات» بمختلف أشكالها.
ونقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط»، يتبين من خلال تصريحات علنية ومقابلات جرت مع الإعلام العربي قال إنه مرتاح لعمله مع القاعدة، لكنه شدد على أنه ميداني مستقل، ونظرياته المتعلقة باللامركزية كانت قد بدأت تأخذ شكلها، وقال إنه من الخطأ لحركة عالمية أن تضع كل آمالها على مجموعة واحدة أو مجموعة من القادة، حيث كانت نظريات نصار عن الحرب تدعو الى استخدام أكثر الأسلحة فتكًا، كما عمل في أفغانستان مع القاعدة على تدريب أعضاء التنظيم على استخدام السموم والكيماويات، وبعد 11 سبتمبر أشاد بالهجوم لكنه قال إن الخطة كانت ستكون أفضل لو شحنت الطائرات المخطوفة بأسلحة دمار شامل.
وأما بعد الحرب في أفغانستان اختبأ حيث ذهب إلى إيران ثم إلى شمال العراق وباكستان، حسب مصادر استخبارية، وفي نوفمبر 2004 وضعت الولايات المتحدة مكافأة 5 ملايين دولار لمن يرشد عنه.. وخلال أسابيع رد ببيان طويل على الإنترنت نفى فيه علاقته بهجمات 11 سبتمبر أو مدريد، لكنه أصدر تحذيرا أعلن فيه أنه سينهي عزلته ويستأنف نشاطه الأيديولوجي، وأن أمريكا ستندم على استثارته ودفعه لمحاربتها بالقلم والسيف.