أحمد حميدة يكتب: «مظلومية الإخوان»
تنطلق الجماعة في ممارسة أعمالها"السياسية والدعوية والاجتماعية" من فرضية مؤداها أن العالم قد "أفلس"في عالم القيم، وأن "الفوضي" الفكرية والثقافية والدينية تجتاح جوانبه، وأن هناك "فراغ" فكري وروحي وثقافي وقيمي وحضاري، وأنه منوط بها أن تملأ هذا الفراغ، وأن تضع حدا لهذه الفوضي، وعليها أن تصحح المفاهيم، وأن تضع الأمور في نصابها الصحيح، وأن الدنيا تنتظر الجماعة بوصفها المُخلّص وذلك وَفق رؤية المؤسس فقال في رسالة إلى الشباب "العالم كله حائر يضطرب، وكل ما فيه من النظم قد عجز عن علاجه ولا دواء له إلا الإسلام، فتقدموا باسم الله لإنقاذه، فالجميع في انتظار المنقذ، ولن يكون المنقذ إلا رسالة الإسلام التى تحملون مشعلها وتبشرون بها"، وقال في المؤتمر الخامس "إن العالم ينتظر دعوتكم دعوة الهداية والفوز والسلام، لتخلصه مما هو فيه من ألام، وإن الدور عليكم في قيادة الأمم وسيادة الشعوب".
وذهب سيد قطب إلى أبعد من ذلك فاعتبر المجتمعات مجتمعات جاهلية ولا صلة لها بالإسلام رغم طغيان المظاهر الإسلامية من صلاة وصيام وزكاة ومساجد وأذان فقال في كتابه العدالة الاجتماعية"نقطة البدء الصحيحة في الطريق الصحيحة هى أن تبدأ حركات البعث الاسلامي أن وجود الاسلام قد توقف، هذا طريق، والطريقة الأخرى أن تظن هذه الحركات لحظة واحدة أن الاسلام قائم، وأن هؤلاء الذين يدّعون الاسلام ويتسمّون بأسماء المسلمين هم فعلا مسلمون.فان سارت الحركات في الطريق الأول سارت على الله وهداه، وان سارت في الطريق الثاني فستسير وراء سراب كاذب تلوح لها فيه عمائم تحرف الكلم عن مواضعه وتشترى بأيات الله ثمنا قليلا، وترفع راية الاسلام على مساجد الضرار".
كل هذا الخلط نابع عن خطأ في التصور، وقصور في النظر ! فالعالم من حولنا مكتنز ومزدحم بالأفكار والقيم ومشاريع الخلاص الروحي والثقافي والقيمي والمادي والوطني، فيتأسس على هذا التصور تصور أخر أشنع في الخطورة والغلط، وهو الشعور الذى تتلبس به الجماعة طوال مسيرتها وتاريخها بأنها"الممثل الحصري للاسلام"ومن ثمّ يُنصبون أنفسهم متحدثا رسميا باسمه، ومن يذودون عن حياضه، ويرفعون رايته، ويصبح كل من يختلف مع الجماعة هو بالتالي في خندق"أعداء الدين"!! وعلى هذا الأساس فكل معركة تخوضها الجماعة هى معركة الدين نفسه، وأن ما تمر به الجماعة من "محن" ومن أزمات وصدامات ما هى الا ابتلاءات لابد منها لأصحاب الدعوات كى يشتد عودها، وأنها تنفي عنها الخبث، وأنهم عندما يُعلقون على أعواد المشانق ففي هذا الوقت يكون بدء جني الثمار وأن هذا سبيل أصحاب الدعوات!!!.
ورسم البنا لهم الطريق ووضح لهم أنهم سيلاقون من عنت وصعاب في سبيل الوصول الى الغاية أنه لابد من أن يُعتقلوا ويُشردوا وتُعطل مصالحهم وتُصادر أموالهم وتفتش بيوتهم، ولم يتطرق البنا الى احتمالية وقوع الخطأ منهم!! لكن شماعة الأخطاء حاضرة في الحال فيحيل السبب الى أطراف عة من علماء دين رسميين وغير رسميين بأنهم لا يفهمون الاسلام كما يفهمونه، وعلى الشعوب الجاهلة بحقيقة الاسلام، والحكومات الضعيفة التى تمد يدها للغرب بالسؤال واليهم بالاساءة والعدوان؟؟! وعندما تصل الجماعة فعلا الى هذا الحال التى ذكر البنا التى هى في حقيقة الأمر حالة من الفشل والاخفاق المتكرر التى ينكرها غالبية الاخوان !! تعلوا أصواتهم بالصراخ والعويل والبكاء والكربلائية، ويرددون بهيستريا أن المؤامرة قد حيكت على هذا الدين وعلى ثوابته، وأنها الخيانة قد تجلت في أبشع صورها، وما درا هؤلاء أن فشلهم هو الذى قادهم الى هذه الحال وهذا ما ذهب اليه الباحث عبظ الباسط سلامة أن الاخوان"يجيدون تحريك الانفعالات والمشاعر، ويفشلون في تحريك العقول بأفكار ترسم خطوات نحو التغيير، لا يعرفون الاجتهاد الذى يتسع للاختلاف دون تخوين أو تكفير، لا يتقنون أدوار البناء، بل يعيشون أدوار الضحية والبكاء والعويل، وتمجيد الأحزان، ترتفع أصواتهم بدعوى المظلومية طلبا للثأر، وتغيب مفردات التعايش والتسامح وقبول الآخر".
فانكار الجماعة الواقع والحديث دائما عن المؤامرة هو ديدن الجماعة، فما تحياه الجماعة سببه هو تحكيم الغباء بدلا من العقل، والتفكير السطحي والخرافي بدلا من التفكير العلمي والمنطقي، وخطاب الحماسة والتهييج بدلا من المشاعر النبيلة، فتكرار الأخطاء يؤدى الى الفشل، وهو جوهر الغباء، وهو أُس البلاء،... لا حديث المؤامرة المزعومة الذى يُعلقون عليه فشلهم ومظلوميتهم، فالعيش تحت سقف هذه المظلومية تحسنه الجماعة جيدا لتستدر به عطف الناس عليها، والوقوف بجانبها، لكن عندما تنكشف الحقائق على وجهها الصحيح، وتزيل القشرة التى تغطيهم وتحجب عن الناس زيفهم، فسوف ينفض الناس عنهم قولا واحدا.