«الحدادية».. فتنة السلفية تطهير من الداخل أم إلغاء؟
لا تنقطع الاشتباكات والخلافات داخل التيار السلفي، والتي تصل في كثير من الأحيان إلى حالة من العداء المعلن، عن طريق تراشق الاتهامات وتتبع الأخطاء وإذاعتها، بين أتباع كل فصيل، الذي يتخذ رأسا أو زعيما، يوالي ويعادي على موافقته في الأصول والفروع والأخطاء مهما تبين لهم الدليل، حتى باتت العلاقات بين أصحاب هذه الفصائل كأنها حرب معلنة، كل فريق يتهم الآخر بالبدعة على أقل خطأ حتى لو كان على غير بينة.
وتخصص الحدادية في انتقاد كل المنتمين للتيار السلفي، رغم الأرضية المشتركة بينهم، التي تبدأ من تبني منهج السلف في مسائل العقيدة، والإنكار على الفلاسفة وعلم الكلام والأشاعرة والصوفية والمعتزلة وغيرهم خاصة في مسائل أسماء الله الحسنى وصفاته، كما يتفق الحدادية مع السلف أيضا في مسائل الإيمان والكفر، إلى أن تسرب الغلو في شيوخهم، وادعوا تفوقهم على غيرهم، ووصل بهم الحال إلى رفعهم على مراتب الإمام أبي حنيفة، والإمام أحمد الذي يعتبر مرجع السلفية وإمامها.
كا يتفق الحدادية مع التيار المدخلي في مسألة تحريم المظاهرات والانتخابات والخروج على الحكام، وإن كانوا فسقة أو ظالمين، إضافة إلى اتفاقهم معهم في الهجوم على الإخوان وكل الجماعات الإسلامية، خاصة تلك التي اتخذت المنهج الحركي. وهو ما أحدث اضطرابا كبيرا بين طلاب العلم المبتدئين، الذين يتذبذبون بين التيار المدخلي والحدادية لوجود الأرضية المشتركة بين التيارين، التي تجعل الطالب المبتدئ يظل يتأرجح إلى أن يثبت على حال منهما، أو تركهما معا، وهو يحدث كثيرا على أرض الواقع خاصة في مصر والمملكة السعودية والجزائر وليبيا والسودان.
ورغم الأرضية المشتركة بين التيارين، إلا أن الحدادية اتخذوا منحى متشددا ضد دعاة المنهج السلفي بعامة، وصارت كلمات من قبيل "المبتدعة، المبتدع، أهل البدع" أكثر المصطلحات التي يستخدمها أتباع هذا التيار الذي تخصص فقط في الهجوم على الدعاة، من خلال إطلاق الأحكام العامة عليهم.
وقد يبدو أن هذا التيار يمثل تقييما وتطهيرا للمنهج السلفي من الداخل؛ إلا أن شيوخ السلفية يعتبرونه أخطر ما يتعرض له التيار السلفي، نظرا لتلغلله بين الشباب المتحمس الذي ترك العلوم الشرعية والدروس وحلقات العلم، وانشغل بتتبع هفوات الدعاة والعلماء، والتحذير منهم.
ويرتبط مصطلح الحدادية بشيخهم المصري محمود الحداد المولود في مدينة طنطا، والذي بدأت شهرته بعد أن سافر إلى المملكة العربية السعودية، وادعى أتباعه أن أخذ العلم عن كبار مشايخها، لكن بدأ في الهجوم عليهم، ووصفهم بأنهم أصحاب البدع، ومن بين العلماء الذين طالهم هذا الوصف ابن باز وابن عثيمين.
ورغم الأصول السلفية للحدادية إلا أنهم يتميزون بالغلو في ضوابط علم "الجرح والتعديل" وهو أحد علوم الحديث التي تبحث في معرفة أحوال الرجال من الرواة ونحوهم، وتشددوا في تطبيقه على علماء السلف خاصة المعاصرين، وامتد تطبيق هذا الغلو إلى الإمام ابن حجر العسقلاني صاحب كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ووصل الحال ببعض الغلاة من هذا التيار إلى حرق كتاب فتح الباري، بسبب عدد يسير من مخالفات ابن حجر لمنهج السلف، والقول بآراء الأشاعرة في عدد من المسائل التي لا تتجاوز 20 ورقة من المؤلف الكبير الذي يعد أحد أهم كتب الحديث في المكتبة الإسلامية، ويعتبر الحدادية بن حجر أنه اشد خطرا من سيد قطب!!، ويتهمون كل من لا يقول بأن ابن حجر من أهل البدع، بأنه مثله من أهل البدع.
ويشتهر الحدادية باتهام العلماء بالجهل وتحقيرهم ورميهم بأنهم أصحاب ضلال، وامتد ذلك من وصف العلماء المعاصرين إلى الطعن في رموز التيار السلفي نفسه كابن أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية وابن القيم وابن تيمية، وغيرهم.
ويبالغ أصحاب هذا الاتجاه في نقض الأشاعرة، ويرون ضرورة هجرانهم وعدم الترحم عليهم، بل ويتشددون في تبديع من لا يتفق مع موقفهم منهم، كما يبدعون من يترحم على الإمام أبي حنيفة والنووي وغيرهما، ولهم في ذلك مؤلفات كثيرة منها.
وقد انخدع الكثير من أتباع التيار السلفي خاصة من ذوي الميول المتشددة بالحدادية في مصر، وهو ما يظهر جليا في سيطرة عدد كبير منهم على المساجد السلفية، التي تشهد الكثير من السجالات والتجاذبات والتلاسن بين الشباب، الذين يوالون شيوخ الحدادية.
ومن أبرز الشيوخ الذين يمكن وصفهم بأنهم من أصحاب هذا الاتجاه في مصر الشيخ هشام البيلي، الذي دائما يتهم شيوخ السلفي، خاصة أصحاب التيار المدخلي مثل الدكتور سعيد رسلان والشيخ طلعت زهران بأنهما من الحدادية، بسبب كشفهم الدائم لأخطاء شيوخ الجماعات الحركية، وهو ما يجعل المداخلة يردون عليه التهمة مرة أخرى.
وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي سجالات وحروبا كلامية بين أتباع البيلي وأتباع التيار المدخلي، كل منهم يتهم الآخر بالحدادية، وتتبع هفوات وأخطاء المشايخ.