رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألغام فكرية.. «المنهج الحركي للسيرة النبوية» لمنير الغضبان

جريدة الدستور

يعد كتاب "المنهج الحركي للسيرة النبوية"، كنزا ثمينًا للباحث عن طبيعة الجانب الحركي لجماعة الإخوان، وكيف يتحول الإسلام لديهم من رسالة نبوية، جاءت بوحي من الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، لشيء آخر، واجتزائه من محتواه العميق إلى مجرد إقامة دولة عن طريق المناورة والخداع في كثير من الأحيان، وتلمس ما يمكن أن يجعلوه أصولاً لهذه الرؤية القاصرة في السيرة النبوية؛ بل واعتبار أنها تحمل منهجا حركيا، وليس أوامر وتكاليف شرعية بوحي من الله تعالى.

وترجع أهمية الكتاب إلى أن مؤلفه منير الغضبان كان أحد أكبر قيادات الجماعة، وشغل منصب المراقب العام للإخوان في سوريا، كما تزيد أهميته أيضا في تلك الاعترافات الغزيرة والخطيرة، التي جاءت كلها تقريبا بدون قصد من المؤلف، ليكشف من خلالها طرق التلون والجاسوسية داخل الجماعة، واعتمادها العمل السري والجاسوسية ككل الجماعات الباطنية السرية، كما يوضح دون أدنى عناء المنهج التكفيري الذي تتبناه الجماعة في التعامل مع المجتمعات الإسلامية، واستباحتها غير المباحات، في شرح وتأصيل لفكر سيد قطب الذي زرعه في مؤلفاته.

عنوان الكتاب

يبدأ المؤلف باختيار عنوان صادم وهو "المنهج الحركي للسيرة النبوية"، يزعم فيه تلمس طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في القيادة السياسية باعتباره زعيما سياسيا، وغاب عن ذهنه أن هذه الفكرة تخدم أهداف الكثير من المستشرقين، الرامية لإنكار نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، بهدف هدم حقيقة النبوة نفسها، ومن ثم هدم الدين الإسلامي ككل؟

وهو ما يثير عدة تساؤلات، فهل وضع النبي صلى الله عليه وسلم منهجا من ذات نفسه؟ أم أنه جاء بوحي من السماء؟ فإذا كانت الإجابة نعم، فيا سعد الطاعنين في الإسلام، وإذا كانت الإجابة (لا) فلماذا هذا العناء وما فائدة هذا الكتاب وهذا المنهج نفسه؟ ولماذا الإصرار على اعتبار هذا المنهج إسلاميا، لقد كان من الأولى تغيير عنوان الكتاب ليكون (المنهج الحركي للإخوان) بدلا من التمسح بالسيرة النبوية، لكنه منهج الجماعة التي تبحث عن إضفاء الشرعية على كل أفكارها، من خلال استنطاق السيرة النبوية والنصوص الشرعية بما يؤيدها.

سيد قطب.. الملهم

يعترف المؤلف منذ البداية أنه اغترف المنهج الذي أسس عليه كتابه، من مؤلفات سيد قطب فيقول:

"أما فكرة المنهج الحركي للسيرة، فقد انبثقت في الفكر انبثاقا يختلف عن الأصل الذي كنت أفكر فيه.
لاأزال أذكر في بداية الستينيات عندما طلع علينا الشهيد سيد قطب رحمه الله بكتابه- معالم في الطريق- وكان نقطة تحول حساسة في الفكر الحركي الإسلامي. ووقفت مليا أمام هذه الفقرة:
والسمة الثانية في منهج هذا الدين: هي الواقعية الحركية، فهو حركة ذات مراحل، كل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية، وكل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها فهو لا يقابل الواقع بنظريات مجردة. كما أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجمدة، والذين يسوقون النصوص المختلفة بكل مرحلة منها، الذين يصنعون هذا يخلطون خلطا شديدا، ويلبسون منهج هذا الدين لبسا مضللا، ويحملون النصوص ما لا تحتمله من المبادىء والقواعد النهائية. ذلك أنهم يعتبرون كل نص منها كما لو كان نصا نهائيا. يمثل القواعد النهائية في هذا الدين، ويقولون - وهم مهزومون روحيا وعقليا تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان - إن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع أو يحسبون أنهم يسدون إلى هذا الدين جميلا بتخليه عن منهجه، وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعا، وتعبيد الناس لله وحده، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد! لا بقهرهم على اعتناق عقيدته، ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة، بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة، أو قهرها حتى تدفع الجزية، وتعلن استسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة، تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل حريتها). المعالم ص 58".

ألغام فكرية

وفي الفقرة السابقة يؤكد الغضبان أن فكرة الكتاب والمنهج منبثقة من أطروحات سيد قطب، وانتقى فقرة من كتابه في "ظلال القرآن" ليدلل على ذلك، والفقرة تحمل أفكارا كارثية، وهي:

أولا: اعتبار أن المنهج الأساسي لدين الإسلام قائم على الواقعية الحركية، التي تسير في مراحل كل مرحلة لها وسائلها، وهو ما يجعل الدين أشبه بنظرية بشرية نابعة من قيادته وليست وحيا من السماء.

ثانيا: قال " ذلك أنهم يعتبرون كل نص منها كما لو كان نصا نهائيا. يمثل القواعد النهائية في هذا الدين".

والسؤال هنا هل النصوص الشرعية الثابتة ليست نهائية وفي حاجة إلى من يكملها رغم أن الله تعالى قال في كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة المائدة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

ثالثا: تكفير المجتمعات المسلمة بصورة صريحة في قوله " ذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان".

اعترافات كارثية

وبعد الفقرة السابقة يبدأ الغضبان في وضع ضوابط المرحلة الأولى من المنهج التي نعتبرها اعترافات له بجرائم الجماعة، ويحدد عددا من العناصر التي ينبغي للحركة الإسلامية استلهامها من المرحلة الأولى للدعوة الإسلامية في الأعوام الأولى من البعثة النبوية.

ومن هذه العناصر:

"- الدعوة السرية وتأسيس قاعدة عريضة تكون عصية علي السقوط.
- الاصطفاء والاختيار.
الاعتماد على شخصية الداعية خلقه- ثقافته- مركزه الاجتماعي وعمله.
عمومية الدعوة والاصطفاء الخاص من كل قطاعات المجتمع الاحرار والعبيد الرجال والنساء والشيوخ والفتيان ومن كل العشائر.
- دور المرأة في المرحلة السنية.
- الصلاة.

نقض المنهج

يكشف الغضبان في العناصر السبعة السابقة، طريقة الجماعة في تجنيد عناصرها الجدد، والتعامل مع محيطها الاجتماعي باعتبار أنها تعيش في مجتمع غير مسلم، ويحاول المؤلف تلمس أصول هذه الفكرة في المرحلة الأولى من الدعوة الإسلامية، خاصة فيما كان يحدث بين المسلمين الأوائل في بيت الأرقم بن أبي الأرقم، والحقيقة إن هذه الفكرة تسيطر بالفعل على مفاصل الجماعة، بدءا من مستوى القاعدة إلى القادة، ويمكنك مشاهدة ذلك في الاجتماعات السرية الخاصة التي تجريها شُعب الجماعة الصغيرة، والتي يردد فيها عناصر الشعبة أن جلستهم الضيقة تشبه الجلوس في بيت الأرقم ابن أبي الأرقم، وأن أعضاء الشعبة يمثلون المسلمين الأوائل الذين يقع على عاتقهم نشر دعوة الإسلام في المجتمع الجاهلي الذي يعيشون فيه، وينبغي أن تكون هذه الجلسات سرية للغاية، ولا يعرف بها أحد من الأهل، مهما كانت تفاهة ما يدور داخلها، خاصة أولئك الذين تنظر الجماعة إليهم على أنهم يمثلون دور المشركين في دار "الندوة" .

ويصرح الغضبان في هذه النقطة أن الهدف من ذلك هو بناء قاعدة كبيرة تستند عليها الجماعة يجعل من الصعوبة إسقاطها بعد الوصول لمرحلة التمكين، وهو ما يحدث بالفعل حاليا بعد سقوط الإخوان من الحكم في شكل العناصر الخفية التي تعتمد عليهم سواء في التحريض على الدولة أو العمليات المسلحة.

ثم يأتي العنصر الثاني وهو الاصطفاء والاختيار، ويمثل هذا العنصر أهم قواعد "الدعوة الفردية" لدى الجماعة، وفيه يتم انتقاء العناصر التي ترى الجماعة أنهم يمكن الاستفادة من انضمامهم إليها، ويحددون لذلك مواصفات خاصة في التجمعات الشبابية داخل المدارس والجامعات والنقابات وكذلك العناصر التي يمكن الاستفادة منهم من الشخصيات المؤثرة، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ودينيا.

ويوضح ذلك في العنصر الثالث الذي يحدد فيه بشكل واضح مواصفات الشخصية المؤثرة التي يمكن الاعتماد عليها، ويدلل على ذلك باختيار النبي صلى الله عليه وسلم لكبار الصحابة، خاصة أولئك الذين يتميزون بنوع من التأثير المادي أو القبلي أو الوجاهة الاجتماعية مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

أما في العنصر الرابع، فيؤكد فيه على ضرورة التغلغل إلى جميع المجتمعات حتى يمكن السيطرة على كل قطاعاته الدولة وليس الاكتفاء بقطاع أو فئة دون أخرى، لتشمل الأحرار والعبيد الرجال والنساء والشيوخ والفتيان ومن كل العشائر.

كما يكشف العنصر السادس أهمية استغلال المرأة لدى الجماعة، ويحاول المؤلف تلمس ذلك في المرحلة الأولى من الدعوة الإسلامية، وقد تبين تطبيق هذا العنصر من خلال ظهور المرأة في كل فعاليات الجماعة وكذلك ما يسمى بجناح "الأخوات"، ومن ذلك أيضا ظهور المرأة بشكل كبير في اعتصامي رابعة والنهضة، نظرا لدورها المؤثر في الأسرة.

أما العنصر السابع وهو الصلاة فقد استند فيه المؤلف إلى نص مروي في سيرة ابن هشام يقول إن الصلاة فُرضت على النبي خلال المرحلة السرية من الدعوة رغم أن الثابت أنها فُرضت في رحلة المعراج أي بعد الجهر بالدعوة بسنوات.

الأمر اللافت في الفصل الأول من الكتاب أن المؤلف حينما تلمس المنهج الحركي في السيرة النبوية- إذا كان هناك بالفعل شيء في السيرة بهذا الشكل- قد تجاهل أمرا مهما وهو أن المرحلة السرية من الدعوة كانت في مجتمع لم يعرف الدين الجديد بالفعل، الأمر الذي يقوض بناء الكتاب من أساسه، لكن المبرر الوحيد له هو أنه يكفر المجتمعات المسلمة، كما سبق واستشهد بأقوال سيد قطب التي تصف ذراري المسلمين بالجاهلية.

أخونة المؤسسات الرسمية

ويواصل منير الغضبان اعترافاته الكارثية التي يعتبرها منهجا للإخوان، فيكشف سمات المجتمع الإخواني في المرحلة السرية وآليات اختراق المؤسسات الرسمية وأخونتها باعتبارها تمثل المجتمع الجاهلي المعادي للإسلام فيقول:

"إذا كانت الحركة الاسلامية بشكل عام قد تجاوزت هذه المرحلة- أي السرية- فهذا لا يعني أن بعض أفرادها تتمثل بهم هذه المرحلة، وهؤلاء الأفراد المعنيون هم الذين يقومون بدور سري في التنظيمات المعادية، فلا يظهر تنظيمهم، ولا تظهر إسلاميتهم، إنهم في الحقيقة يوجودون في جميع المراحل، لكن المواصفات التي تنطبق عليهم هي مواصفات المرحلة الأولى في الحرص على إثبات انتمائهم الكامل للمجتمع الجاهلي الذي يعيشون فيه. ونشير إلى ملاحظة هامة في هذا الموضوع فهؤلاء الأشخاص ليسوا هم الذين يحددون دورهم، إنما الذي يحدد لهم هذا الدور هي القيادة".

أوامر القيادات

يشدد المؤلف على أن أعضاء الجماعة ليس لهم حرية القرار في اختراق المجتمعات المعادية، بل إن ذلك لا يتم إلا من خلال تكليفات القادة لهم، فيقول:

"إن الذي يقرر للشباب المسلم أو المرأة المسلمة هذا الدور هو قيادة الحركة الإسلامية، وليس تقديره الشخصي والذين كانوا يمثلون هذا الدور في المراحل اللاحقة كانوا يؤدونه بتكليف من قيادتهم الإسلامية لا بقناعتهم الشخصية.
هذه ملاحظة، والملاحظة الثانية إن مثل هذا الدور، بالمواصفات السابقة يمكن أن يكون بمبادرة شخصية ودون تكليف من القيادة في حالة التعرض للأذى الماحق، حيث يباح للمسلم في هذه الحالة أن يتظاهر بالكفر!!".

ويوضح الحدود المسموح فيها لعضو الجماعة في التظاهر بالانصهار وسط المجتمعات المعادية فيقول:

"وهذا يقودنا بالتالي إلى معالجة قضية مهمة ذات مساس بمواصفات هذه المرحلة فالشباب المسلم الذي يكلف بمهمة في صفوف العدو من قيادته المسلمة، ما هي الحدود التي يباح له فيها أن يوافق ذلك التجمع الجاهلي حتي لا ينكشف أمره؟
تصوري والله أعلم أن الحدود التي يباح يباح له فيها موافقة هذا التجمع هي الوقوف عند الفرائض والمحرمات، أي لا يباح لا يباح له ترك الفريضة كما لا يباح له ارتكاب الكبيرة المحرمة".

تعليم الجاسوسة

ويعتبر المؤلف مرحلة الانصهار في المجتمع نوعا من الجاسوسية التي يمارسها عضو الجماعة على المجتمعات التي يعيش فيها، فيقول:

"فالمسلم الذي يعايش العدو (بمهمة جاسوسية) عليه من قيادة الحركة الإسلامية، والسلم الذي يدفعه الخوف من الطاغية الكافر إلى ممالأته، ليس له أن يشرب الخمر مثلا، أو يزني بهذه الذريعة، وتكاد تكون الموافقة للكافر- والله أعلم- محصورة في الجانب اللفظي أو في بعض اللمم الذي يستغفر الله منه لو وقع، فتأدية الفرائض واجتناب المحارم هي الحدود الفاصلة بين السرية في التنظيم والدعوة وبين المرحلة اللاحقة".

ونظرا لكثرة المخالفات في الكتاب فقد اكتفينا بنقل هذه الملاحظات التي لم تتعد الصفحة الـ 40 منه، وهي وحدها كافية لإثبات مدى خطورته، وتأثيره على أعضاء جماعة الإخوان.